استمع إلى الملخص
- الاتفاق يعكس العلاقات الاستراتيجية القوية والمستدامة بين البلدين، مدعومة بزيارات واتصالات متواصلة بين المسؤولين والقيادات العسكرية، ويهدف إلى تطوير التعاون في روح الصداقة والثقة المتبادلة.
- توقيع خريطة الطريق يفتح آفاقاً لإمكانية إنشاء قواعد عسكرية أميركية في المغرب وتبادل الخبرات، مما يعزز من مكانة المغرب كشريك استراتيجي للولايات المتحدة في شمال أفريقيا ويسهم في الأمن الإقليمي.
فتح توقيع المغرب والولايات المتحدة الأميركية، أمس الثلاثاء، في الرباط، خريطة طريق تتعلق بالتعاون العسكري، وتتضمن التوجهات التي يتعين اتباعها لتنفيذ الأنشطة المعتمدة في إطار الدورة الـ13 للجنة الاستشارية للدفاع المغربية الأميركية، باب الأسئلة حول دلالات التوقيع، في ظل ما تعيشه المنطقة من تطورات.
وكان لافتاً أن توقيع خريطة الطريق الخاصة بالتعاون العسكري يأتي في ظل توالي زيارات واتصالات لمسؤولين وقيادات عسكرية أميركية إلى المغرب، كانت آخرها زيارة العمل التي انتهت اليوم الأربعاء، لمساعدة وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي، سيليست وولاندر، التي ترأست وفداً عسكرياً مهماً للدورة الـ13 للجنة الاستشارية للدفاع المغربية - الأميركية (تعنى بمناقشة ملفات أمنية بين البلدين).
وخلال زيارة المسؤولة الأميركية التي بدأت في 17 من الشهر الحالي، شكل اجتماعها مع المفتش العام للقوات المسلحة الملكية محمد بريظ، أول من أمس الاثنين في العاصمة الرباط، مناسبة لبحث تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، والتأكيد على "قوة واستدامة العلاقات المميزة والشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين".
كما أعرب المغرب والولايات المتحدة عن رغبتهما في "تطوير هذه العلاقات بشكل أكبر، بالروح نفسها من الصداقة، والتفاهم المتبادل، والثقة المتبادلة"، وكذلك عن الرضا عن حصيلة التعاون العسكري الثنائي "التي تُعد إيجابية، وتعكس التقدم الملحوظ في مجالات عدة، منها إبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم، وتوفير المعدات واقتنائها، والتدريب والتمارين، بالإضافة إلى تنظيم مناورات مشتركة لمختلف الأسلحة والجيوش، مثل الأسد الأفريقي في نسخته العشرين المقامة حالياً (ما بين 20 و31 مايو/ أيار)، وفق بيان صادر عن الجيش المغربي.
ويشكل اجتماع اللجنة الاستشارية للدفاع منصة للحوار الاستراتيجي، تناقش في إطارها قضايا رئيسية للأمن الإقليمي، ويتم تحديد الخطوط العريضة لمخطط العمل المستقبلي مع القيادة الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، والحرس الوطني لولاية يوتا، وكذلك مشاريع تنمية القدرات التي تديرها وكالة التعاون الأمني الدفاعي. وينظم التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية، بموجب اتفاقيات ومذكرات تفاهم وتفاهمات تقنية ثنائية، تحدد أشكال التنفيذ والتعاون.
وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وقّع المغرب والولايات المتحدة الأميركية اتفاقاً عسكرياً، يتضمن خريطة طريق تتعلق بمجال الدفاع العسكري بين البلدين 2020-2030، ويهدف إلى تعزيز التعاون العسكري ضد التهديدات المشتركة، وتقديم واشنطن المساعدة للمغرب للعمل على تحقيق تطلعه إلى تحديث وعصرنة قطاعه العسكري، بحسب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وفي السياق، رأى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، أن توقيع خريطة طريق للتعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة هو دليل إضافي على متانة العلاقات المغربية الأميركية في شتى الميادين، ومنها العسكرية، وكذلك مؤشر على أن التعاون العسكري بين البلدين سيعرف آفاقاً مستقبلية واعدة، منها استفادة المغرب من الخبرة الأميركية في التدريب، والعتاد، وفي الجانب التقني، وهو ما سيمنح للرباط تفوقاً عسكرياً استراتيجياً في شمال أفريقيا.
واعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التعاون الأميركي المغربي سيشكل بوابة لإنشاء قواعد عسكرية أميركية في المغرب، من أجل التدريب، والتسليح، وتبادل المعلومات الدقيقة بخصوص محاربة الإرهاب، ومحاصرة الجماعات الإرهابية. وأوضح أن التعاون العسكري بين البلدين هو ثمرة نضج العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، خاصة أن ثمة ثقة مشتركة راسخة بينهما، متوقعاً أن تشهد السنوات المقبلة توقيع اتفاقيات عسكرية أخرى، تضمن الدفاع المشترك، وهي "اتفاقيات ستمنح للمغرب بطبيعة الحال، تفوقاً تقنياً واستراتيجياً، خصوصاً أن السلاح الأميركي هو الأول عالمياً من حيث الدقة، والجودة، والديمومة، وقد أبان عن ذلك في محطات عدة في العالم".
وتابع: "المغرب يعلم جيداً أن دفاعه عن قضاياه العادلة وعن سيادة أراضيه ضد كل التهديدات الخارجية، يتطلب منه الحرص على تجويد قواته المسلحة، وضمان توفرها على كل المقومات الدفاعية القتالية العالية الدقة، والولايات المتحدة خير من يتوفر على هذه التقنيات في العالم المعاصر". وفي قراءته لدلالات التوقيع على خريطة الطريق، أكد الخبير المغربي في الشؤون العسكرية محمد شقير، من جهته، ضرورة استحضار تزامن التوقيع مع انطلاق مناورات "الأسد الأفريقي" في نسختها العشرين، مما يعكس الترابط الاستراتيجي بين دولتين أطلسيتين بامتياز، والذي يجمع ما بين المجال العملي الميداني، والمجال اللوجستي والتقني.
وأول من أمس الاثنين، انطلقت مناورات "الأسد الأفريقي" بشراكة بين القوات المسلحة الملكية المغربية، والقوات المسلحة الأميركية، وستستمر لغاية 31 مايو الحالي، بمشاركة 7000 جندي من قوات متعددة الجنسيات. وتُعد دورة هذه السنة خاصة للغاية، فهي تصادف الذكرى الـ20 من انطلاق هذه المناورات الأبرز على مستوى القارة الأفريقية. ويرى مراقبون أن دورة 2024 تأتي في سياق إقليمي ودولي متوتر، كما تكرس التعاون الوثيق بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب شقير، فإن التوقيع على خريطة الطريق يُعدّ تطوراً مطرداً في مجال التعاون العسكري بين البلدين، الذي يؤطره تطابق وجهات النظر حول التهديدات الأمنية والعسكرية التي تواجهها المنطقة، وانخراط البلدين في مواجهة التمدد الإرهابي في المنطقة، خاصة بعد الفراغ الجيو-استراتيجي الذي تركه الخروج الفرنسي من منطقة الساحل، بالإضافة إلى الشراكة العسكرية التي تجمع بين البلدين، والتي تمتد من 2020 إلى 2030، وكذلك إشراف البلدين على التنظيم السنوي لمناورات "الأسد الأفريقي".
وإجمالاً، رأى شقير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن توقيع البلدين على خريطة طريق خلال اجتماع اللجنة الاستشارية، هو رسم لمراحل تعاون عسكري عميق وقوي طويل المدى، يحدد السبل والآليات العملية واللوجستية التي ستواجه مظاهر التعاون العسكري الذي أصبح متجذراً وقوياً.