رفض ذوو المغيبين العراقيين منحهم مخصصات مالية ضمن الموازنة المالية للعام الحالي، إذا كانت تعني تعويضا لهم عن أبنائهم المفقودين منذ ما يزيد عن 5 سنوات، مطالبين بالكشف عن مصيرهم، والجهات التي اختطفتهم، معتبرين أن المخصصات تندرج ضمن محاولات تسويف الملف وإنهاء المطالبة به، وحماية للجهات المتورطة بالخطف من أي مساءلة قانونية.
وتضمنت الموازنة المالية، التي صوت عليها البرلمان العراقي أخيرا "مخصصات الشهداء" لذوي المغيبين في العراق، في وقت لم يحدد فيه مصير واضح للمغيبين، الأمر الذي أثار حفيظة ذويهم الذين يطالبون بالكشف عن مصيرهم.
أبو أحمد، وهو من أهالي محافظة الأنبار، ووالد اثنين من المغيبين الذين تم اختطافهم على يد مليشيا مسلحة قامت بعزل النساء والأطفال واقتياد الرجال إلى مكان مجهول، بدواعي التدقيق الأمني، عام 2015، لكن مصيرهم إلى جانب مئات آخرين ما يزال مجهولا، قال إن "التعويضات المالية مثيرة للخوف لدينا، لا سيما أن الجهات المسؤولة لم تحدد مصير أبنائنا، ولا نعلم بعد هل هم أحياء أم أموات، فكيف يتم التعامل معهم كأموات؟".
وبيّن أبو أحمد، لـ"العربي الجديد"، أن "هذه التخصيصات لا يمكن القبول بها إن كانت مساومة لنا على أبنائنا وتسويفا لملفهم. فكيف نقبل بالتعويضات إذا كان أبناؤنا أمواتا، من دون أن نعرف الجهات التي خطفتهم وقتلتهم وأين قبورهم؟".
وتحدث عن وجود "مؤامرة ضد المغيبين بصفقة سياسية بين القوى الرئيسة لتسويف الملف وإغلاقه والتعتيم على الجهات الخاطفة، وهي المليشيات المسلحة التابعة لإيران"، محملا الحكومة "مسؤولية فتح الملف ومتابعة مصير أبنائنا"
النائب رعد الدهلكي أكد، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن تعويض ذوي المغيب، لا سيما أنهم ينتظرون عودة أبنائهم، والجهات التي خطفتهم هي جهات معلومة بالنسبة للأهالي"، معتبرا أن "الأموال المخصصة للعوائل لا يمكن أن تكون تعويضات، بل من الممكن أن تعد أموالا لجبر الخواطر لحين الكشف عن مصير أبنائهم، والبدء بخطوات عملية من قبل الحكومة والجهات المختصة بهذا الاتجاه".
وشدد الدهلكي على أن "هذا الملف لا يمكن السكوت عنه أو التغاضي عن الجهات التي خطفتهم"، مؤكدا أن "هناك معلومات عن أن الكثير من المغيبين محتجزون بسجون سرية، بعضها في بلدة جرف الصخر، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤولية عدم الكشف عنهم"، مبينا أن "الحكومة تتعامل مع الملف بشكل خجول، ولا يوجد أي تحركات من قبلها، وهي مسؤولة عن هذا الملف".
بدوره قال النائب السابق عدنان الدنبوس إن "هناك تقصيرا وإخفاء حكوميا لأعداد المغيبين في العراق ومصيرهم، في وقت يجب أن يكون هناك وضوح بالكشف عن عددهم ومصيرهم"، مشددا، خلال حديثه مع "العربي الجديد": "لا يمكن منح تعويضات من دون معرفة مصير المغيب: هل هو مفقود أو قتيل أو سجين، وإذا كان سجينا لماذا سجن؟ ومن الجهة التي تسجنه؟".
وأضاف الدنبوس: "هذا الملف يشوبه الكثير من الغموض، وأن يكون التعويض وفق رؤية واضحة، فتعويض الشهيد وحقوقه تختلف من غيره، والسجين يجب أن يعوض عن فترة السجن وتحاسب الجهة التي سجنته بدون سبب قانوني"، مشيرا إلى أن "الكثير من المغيبين لن يظهر لهم أثر، ولن يكون لهم أثر في المستقبل باعتبار أن هناك جهات مسؤولة لا تفصح عن الجهة التي اختطفتهم أو غيبتهم، وأن هناك عقبات قانونية وأصولية في موضوع تحديد مصير المغيبين، لذا فإن التعويضات ستكون حبرا على ورق مع هذا الغموض بالملف".
وأشار إلى أن "هناك تحقيقا ومعلومات عن الكثير من المغيبين، لكن الجهات الحكومية تتخوف من إعلان الجهات المتورطة خوفا منها".
ولا توجد حصيلة رسمية بعدد المغيبين، إلا أن سياسيين تحدثوا، في تصريحات سابقة، عن قاعدة بيانات تحوي 12 ألف مغيب ما زال مصيرهم مجهولا في عدة مناطق من البلاد، وأن من بينهم 1800 شخص اختطفوا في منطقة الرزازة بين محافظتي الأنبار وكربلاء، و763 آخرين خلال تحرير منطقة الصقلاوية في الأنبار من سيطرة تنظيم "داعش"، وأن 900 آخرين اختطفوا في منطقتين تابعتين لبلدة جرف الصخر في بابل، و400 من مناطق حزام بغداد، و500 شخص اختطفوا من مدينة سامراء في محافظة صلاح الدين، فضلا عن آخرين جرى اختطافهم من مناطق عراقية متفرقة.
وفي أغسطس/ آب من العام الماضي، وعد الكاظمي بمتابعة ملف المغيبين قسراً "بشكل جدي"، وذلك خلال لقائه عدداً من ذوي المغيبين، غير أن حكومته لم تتخذ أي إجراء بهذا الشأن.
وشهد العراق خلال سنوات الحرب على تنظيم "داعش" أعمال خطف طاولت الآلاف من أبناء عدد من المحافظات، منها الأنبار وصلاح الدين والموصل وبغداد وديالى وكركوك وشمال بابل، بدوافع سياسية وطائفية، بينما تحدث سياسيون عن تورط فصائل مسلحة بعمليات الخطف والتغييب.