ما زالت أخبار شركة "إن إس أو" الإسرائيلية تتصدر عناوين الأخبار العالمية وسط رؤية ضبابية تكتنف مستقبل الشركة بعد أن أدرجتها الولايات المتحدة في القائمة السوداء.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإنه من الخطأ اعتبار قضية الشركة قضية تجارية أو أمنية، إنها، كما ترى، قضية سياسية بامتياز. تكشف فساد السلطة في إسرائيل، ابتداء برأس الهرم المتمثل برئيس الوزراء وصولاً إلى وزراء ومسؤولين آخرين. كما تكشف الصحيفة ضغط رئيس الشركة على الحكومة الإسرائيلية من أجل مساعدته في رفع اسم الشركة من القائمة السوداء الأميركية، وإلا فإنه سيقوم بنشر معلومات تحرج السياسيين في إسرائيل.
سجلت شركة "إن إس أو" في السنوات الأخيرة أرباحاً ضخمة، ولكن النجاحات المتتالية التي كانت تحققها بشكل لافت، تعرضت لانتكاسة كبرى في يوليو/تموز، عندما تعاون صحافيون ووسائل إعلام في جميع أنحاء العالم، في حملة منسقة للكشف عن آلاف الهواتف التي اختُرقت بواسطة برنامج التجسس "بيغاسوس" الخاص بالشركة الإسرائيلية، بما فيها هواتف مسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان. حيث بات من الواضح أن الشركة بدأت تقترب من النهاية.
نفت "إن إس أو" أي صلة لها بنتائج التحقيق الصحافي، ولكن الاحتجاجات المتصاعدة ومن دول حليفة كفرنسا التي كان أحد هواتف رئيسها ضحية لعملية التجسس؛ دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى التدخل، حيث وعدت بتشكيل لجنة تحقيق. ومن غير المعروف اليوم إذا كانت هذه اللجنة قد أبصرت النور بالفعل، أو أنها خلصت لأية نتائج بحسب تقرير "هآرتس".
وقبل أسبوعين أدرجت الولايات المتحدة "إن إس أو" وشركة إسرائيلية أخرى تدعى قبل حوالي أسبوعين، قررت الولايات المتحدة وضع الشركة على قائمة سوداء، مع شركة إسرائيلية أخرى تدعى كانديرو، والتي تختص هي الأخرى في تطوير برامج التجسس والاختراق الإلكترونية. بدعوى الإضرار بالأمن القومي الأميركي.
وفي الأسبوع الماضي، استقال الرئيس التنفيذي للشركة، إيتسيك بنفينيستي، مفضلاً النجاة بنفسه بعد العقوبات الأميركية. في حين خاطب مؤسس الشركة، شاليف هوليو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت عبر رسالة سرية طلب فيها مساعدة بينت في التوسط لدى الولايات المتحدة لرفع اسم الشركة من القائمة السوداء، لتتمكن من متابعة أعمالها، بحسب معلومات "هآرتس".
"إن إس أو": ملايين الدولارات لقاء صفقات مشبوهة
وصلت صفقات "إن إس أو" في بعض الحالات إلى 100 مليون دولار، مقابل بيع أنظمتها التي تمتعت بميزة تفضيلية مغرية. وهي أن الحكومة الإسرائيلية ووزارة الدفاع منحا أنشطة الشركة طابعاً شرعياً، إلى جانب أن الشركة ما كانت تتدخل في نيّات المشترين والهواتف التي يريدون مراقبتها، حتى لو كانت الشركة تعرف على وجه اليقين أن الهواتف التي يُراد مراقبتها لا تعود لإرهابيين أو مجرمين، الأمر الذي ما كانت تفعله الشركات المشابهة. وقد جعل ذلك من الشركة في السنوات الأخيرة مقصداً للزعماء والحكّام المستعدين لإنفاق عشرات الملايين من الدولارات مقابل الحصول على أنظمة الشركة للتجسس على خصومهم.
بنيامين نتنياهو ويوسي كوهين.. أداة لتوسيع التطبيع
تذكر "هآرتس" أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، كان أول من استغل برمجية "بيغاسوس"، إذ أدرك أن شراء النظام والتعهّد بعدم طرح أسئلة محرجة على المشتري، كان صفقة مغرية للدول الدكتاتورية، وهكذا استغل نتنياهو التطبيق لتوسيع عمليات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الأمر الذي من شأنه تحقيق انتصارات دبلوماسية، ستنعكس أصواتاً في انتخابات الكنيست.
وتكشف الصحيفة أن "بيغاسوس" أصبح عامل جذب رئيسياً في تطوير علاقات إسرائيل الوثيقة مع الإمارات العربية المتحدة والمغرب وأذربيجان والسعودية وغيرها.
وإلى جانب نتنياهو، تذكر الصحيفة أن يوسي كوهين، الرئيس السابق للموساد، والذي كان نشطاً جداً في تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول خليجية منضوية في اتفاقات أبراهام، قد سعى هو الآخر لاستغلال التطبيق لدخول عالم الأعمال بعد تركه العمل السياسي. حيث كان يخطط لتأسيس شركة استثمارية بالتعاون مع حكام الإمارات ومسؤولين سابقين في الحكومة الأميركية، من بينهم وزير الخزانة في عهد ترامب، ستيفن منوتشين، وصهر ترامب، جاريد كوشنر.
"إن إس أو".. غطاء من وزارة الدفاع والداخلية
حاول نفتالي بينت، رئيس الوزراء الحالي، هو الآخر التعاون مع "إن إس أو"، حيث سعى في بداية جائحة كورونا، عندما كان وزيراً للدفاع، إلى إنشاء نظام مراقبة عام للمواطنين العاديين بحجة كسر سلاسل العدوى، ووقف انتشار الوباء.
والأمر نفسه فعلته أيليت شاكيد، وزير الدفاع السابقة، ووزيرة الداخلية حالياً في حكومة الاحتلال، والتي ناقشت مع الشركة خطط جهاز الأمن العام "الشاباك" لمراقبة الإسرائيليين.
تعدّ برمجية "بيغاسوس" نظام هجوم إلكتروني، ولذلك فإنه لا يمكن بيعها خارج إسرائيل من دون موافقة وزارة الدفاع، التي من المفترض أن تشرف على البيع لجهات حكومية فقط، ولأغراض مكافحة الإرهاب، وعلى عكس الأسلحة التقليدية التي تبيعها إسرائيل، فإن برمجية "بيغاسوس"، تبقى تحت سيطرتها بعد بيعها، ويمكن للشركة معرفة الهواتف التي تتم مراقبتها من قبل عملاء الشركة.
ورغم القيود السابقة؛ فقد وافقت وزارة الدفاع الإسرائيلية على بيع التطبيق لعدد من الأثرياء والمهمين في جميع أنحاء العالم. وتكشف "هآرتس" أن حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، استخدم التطبيق لاختراق هاتف زوجته الثانية، الأميرة هيا، التي انفصل عنها، وهاتف محاميها، في إطار النزاع القانوني بينهما القائم في لندن بشأن حضانة أطفالهما. وقد كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، الشهر الماضي عملية التجسس، الأمر الذي دفع بعشرة من الوزراء والنواب البريطانيين إلى الطلب من رئيس الوزراء بوريس جونسون، اتخاذ خطوة مشابهة للخطوة الأميركية بحظر الشركة، ومنع المواطنين البريطانيين من التعامل معها.
كما كشفت صحيفة "التايمز" مؤخراً، أن أجهزة الأمن الإسرائيلية، استخدمت "بيغاسوس"، لمراقبة هواتف مجموعات حقوق الإنسان الفلسطينية، بما في ذلك تلك التي تم حظرها مؤخراً من قبل وزارة الدفاع، وبأوامر مباشرة من الوزير بيني غانتس. بما يشكل دليلاً آخر على أن "بيغاسوس" لا يستخدم لمحاربة الإرهاب، وهذه المرة من قبل الحكومة الإسرائيلية نفسها، بحسب "هآرتس".
الأمر الذي أوقع الحكومة الإسرائيلية ووزارة الدفاع على وجه الخصوص في حرج كبير، بعد انكشاف أنها لم تكن تقوم بدورها مطلقاً في الإشراف على مبيعات الشركة.
إسرائيل تدعم "إن إس أو" الآن ودائماً
بدأ كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية مؤخراً الضغط على الأميركيين لإزالة "إن إس أو" من القائمة السوداء، مدفوعين بإلحاح القائمين على الشركة للمساعدة حيناً، وتهديداتهم التي حملتها رسالة مؤسس الشركة، شاليف هوليو، إلى رئيس الوزراء، والتي قال فيها بحسب "هآرتس": "إذا لم تساعد الحكومة في إنقاذ شركتي؛ فلدي القدرة على نشر قدر كبير من المعلومات التي من شأنها إحراج السياسيين وأصدقائهم في إسرائيل"!