منذ عام 1991، لمع اسم صائب عريقات كمفاوض فلسطيني، ومنذ ذلك الحين حتى دخوله في غيبوبة في مستشفى "هداسا عين كارم" الإسرائيلي في 18 أكتوبر/تشرين الأول الحالي في القدس المحتلة إثر إصابته بفيروس كورونا، ظل اسمه يشغل وسائل الإعلام الفلسطينية والدولية، التي عرفته كبيراً للمفاوضين للفلسطينيين، لم يتغير على مدار ثلاثة عقود من المفاوضات المتعثرة مع الاحتلال الإسرائيلي التي لم تحقق دولةً أو استقلالاً للفلسطينيين.
ويردّد السياسيون والمقربون من الدكتور عريقات، الذي رحل اليوم الثلاثاء عن 65 عامًا، أنّ الرئيس الراحل ياسر عرفات أطلق عليه لقب" شيطان أريحا"، بسبب حنكته في المفاوضات مع الاحتلال، وبقي مقرباً من الرئيس أبو عمار في سنواته الأخيرة وحتى لحظة وفاته، وحظي بالقرب ذاته مع مناصب أكثر وأكبر، سواء في عضوية اللجنة المركزية لحركة "فتح" أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في عهد الرئيس محمود عباس.
ومنذ ثلاثة عقود، وعريقات يتدرّج في مناصب سياسة هامة في القيادة الفلسطينية، بدأت من تعيينه نائباً لرئيس الوفد الفلسطيني في مؤتمر مدريد عام 1991، وحتى مؤتمر أوسلو الذي كان رئيس الوفد المفاوض فيه عام 1994، وتعيينه أول وزير للحكم المحلي من 1994 إلى 2003 في أول حكومة شكلتها السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، وعضواً في المجلس التشريعي في انتخابات عام 1996، واحتفظ بمقعده في المجلس التشريعي في قائمة حركة "فتح" في انتخابات 2006.
وفي عام 2009، انتُخب عضواً باللجنة المركزية في حركة "فتح"، وهي أعلى هيئة قيادية في الحركة، ثم اختير بالتوافق في نهاية 2009 عضواً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي شغل أمين سرّ لجنتها التنفيذية، ما يعني تقنياً ووظيفياً أنه الرجل الثاني في منظمة التحرير بعد رئيسها محمود عباس.
يردّد السياسيون والمقربون من عريقات أن الرئيس الراحل ياسر عرفات أطلق عليه لقب" شيطان أريحا"، بسبب حنكته في المفاوضات مع الاحتلال
وعلى الرغم من أهمية كل المناصب المذكورة أعلاه، إلا أن عريقات عُرف بمنصبه كبيراً للمفاوضين الفلسطينيين، ورئيساً لدائرة المفاوضات التي تأسست عام 1994، وترأسها في ذلك الحين محمود عباس الذي كان يشغل منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حتى عام 2003، حين عيّنه الرئيس ياسر عرفات رئيساً للحكومة الفلسطينية نزولاً عند الضغوط الأميركية والأوروبية لتقليل السلطات بيد عرفات، وخلفه في الدائرة صائب عريقات حتى هذا اليوم.
ولا يوجد في دائرة شؤون المفاوضات التي يقودها عريقات نائباً له أو شخصية ثانية تليه بالأهمية، حيث يُعتبر الصندوق الأسود الذي يضم جميع تفاصيل المفاوضات منذ مؤتمر "مدريد" الذي كان فيه نائباً لرئيس الوفد الفلسطيني، وحتى مؤتمر أوسلو الذي كان رئيس الوفد المفاوض فيه عام 1993، وحتى توقف المفاوضات المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل رسمي ربيع 2014.
وعلى الرغم من شهرته على صعيد المفاوضات، إلا أنه بقي الشخصية الأكثر تعرضاً للانتقاد من الشارع الفلسطيني، بسبب عدم تحقيق المفاوضات أي نجاح يذكر للفلسطينيين، بل وعرضه كتابه "الحياة مفاوضات" عام 2008 لمفارقات ساخرة أزعجت عريقات الذي اشتكى من هذه السخرية صراحة في المؤتمرات الصحافية.
وإذا كانت الدكتورة حنان عشراوي تُعتبر مرجعاً لمفاوضات مدريد، فإن تفاصيل المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي ما بعد مدريد بقيت حكراً على عريقات والرئيس محمود عباس بشكل أساسي، وبشكل أقل نسبياً في ما يتعلق بالتنسيق الأمني والمدني وعائدات الضرائب على رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ.
ألّف صائب عريقات كتباً عدة، منها: "الحياة مفاوضات" صدر عام 2008، "بين علي وروجز" صدر عام 2014، يقارن فيه بين عناصر التفاوض السبعة التي حددها عالم المفاوضات الأميركي روجز فيشر وعناصر التفاوض عند الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، و"دبلوماسية الحصار" الصادر عام 2018، وأخيراً، أصدر عريقات كتاباً بعنوان "رؤية عريقات"، كشف فيه عن رؤيته لسُبل إفشال خطة التسوية الأميركية الشهيرة بـ"صفقة القرن".
وُلد عريقات يوم 28 إبريل/نيسان 1955 في أريحا بالضفة الغربية، وهو السادس بين سبعة أطفال من أسرة تنحدر من بلدة أبو ديس، إحدى البلدات القريبة من القدس، عندما كانت الإدارة الأردنية هي المسيطرة على الضفة الغربية قبل أن تسقط الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي في حزيران 1967، وفي سنّ السابعة عشرة، ذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية للدراسة الجامعية، حيث كان أبوه يقيم هناك، وحصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير في تخصص العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو الحكومية عام 1977.
عاد عام 1979 ليعمل محاضراً في جامعة النجاح، قبل أن يحصل على منحة لإكمال دراساته العليا في جامعة برادفورد البريطانية، نال درجة الدكتوراه عام 1983 وكانت أطروحته حول دور "أوبك" في الصراع العربي الإسرائيلي.
عانى عريقات من فشل رئوي، ولما أصبحت حالته مستعصية طبياً، أُجريت له عملية زراعة رئة في مستشفى "إنوفا" بولاية فرجينيا الأميركية في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، ومنذ ذلك الحين وحالته الصحية تحت المراقبة، لكن ذلك لم يمنعه عن عقد الاجتماعات والعمل بشكل يومي.