وجه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أول من أمس الأربعاء، رسالة إلى الأردنيين، عقب أيام من اعتقالات شهدتها البلاد طاولت مقربين من ولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني. وأجاب الملك على بعض الأسئلة التي تداولها الرأي العام وأبرزها أين الأمير حمزة. كما أوضح الخطوات المقبلة المتعلقة بمسار التحقيق. لكن من جهة أخرى، بقيت بعض الأسئلة معلقة، مثل من هي الجهات الخارجية المرتبطة بالقضية، أو ما هي الخطوات المقبلة التي ستقوم بها المملكة، خصوصاً في ما يتعلق بالخارج.
وطمأن الملك عبد الله الأردنيين إلى أنّ "الفتنة وُئدت"، مضيفاً أنّ الأردن "اعتاد مواجهة التحديات، والانتصار عليها". وأشار إلى أنه في ما يتعلق بالجوانب الأخرى، فهي قيد التحقيق، وفقاً للقانون، إلى حين استكماله، ليتم التعامل مع نتائجه"، مضيفاً "حمزة اليوم مع عائلته في قصره برعايتي".
وتأتي رسالة الملك بعد أن نشر الديوان الملكي الأردني، الإثنين الماضي، بياناً وقّعه الأمير حمزة، معلناً وضع نفسه "بين يدي" أخيه الملك عبد الله الثاني، ومتعهداً بالالتزام بدستور الأردن، وبأن يكون دوماً للملك وولي عهده "عوناً وسنداً". وجاء ذلك بعد أن تواصل عم الملك، الأمير الحسن بن طلال، مع الأمير حمزة، الذي أكد أنه "يلتزم بنهج الأسرة الهاشمية".
الأزمة قد تسرع اتخاذ قرارات مرتبطة بالإصلاح السياسي
وتعليقاً على رسالة الملك عبد الله الثاني للأردنيين، قال وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "القضية لها مساران. الأول هو المتعلق بالأمير حمزة وانتهى بتوقيع الأخير على البيان الذي صدر الإثنين، فيما المسار الثاني مرتبط بالتحقيقات مع الأشخاص الآخرين واستكمال التحقيقات في القضية"، في إشارة إلى رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، وآخرين من الحلقة المحيطة بالأمير حمزة.
وأشار المعايطة إلى أنّ الملك أوضح في الرسالة أنه "سيتم التعامل مع نتائج التحقيقات وفق المصلحة العامة للبلاد، وهنا يمكن فتح الباب لأي مسار قانوني أو سياسي"، لافتاً إلى أن "نظام الحكم في الأردن تعامل تاريخياً مع من يتخذون مواقف مغايرة عن الحكم، بطريقة متسامحة، لاحتواء مثل هذه القضايا".
ورأى المعايطة أنّ "مؤسسة الحكم في الأردن أصبحت أكثر قوة بعد الأزمة، على الرغم من وجهات النظر المخالفة التي قد تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه الأزمة أثبتت الكفاءة الأمنية والسياسية للدولة في التعامل مع الحدث، وحشدت دعماً دولياً سياسياً كبيراً، من الولايات المتحدة وأوروبا، والدول العربية". واستدرك بالقول "ربما هذه الأزمة ستجعل أصحاب القرار يقدمون على خطوات اقتصادية تخفف عن الناس، فالأزمة الاقتصادية وتداعيات جائحة كورونا لها أثر كبير على مزاج المواطنين وتوجهاتهم".
وحول أثر الأزمة على السياسة الداخلية، عبّر المعايطة عن اعتقاده بأنها "ستسرع باتخاذ القرارات المرتبطة بالإصلاح السياسي، والتي أعلن عنها العاهل الأردني سابقاً، خصوصاً في ما يتعلق بقانوني الانتخاب والأحزاب"، مشيراً إلى أن "هناك ظروفاً للأزمة يجب التعامل معها جدياً من قبل أصحاب القرار". وحول التسجيلات الأخيرة المسربة للأمير حمزة، جدد المعايطة التأكيد على أن الأمور انتهت بالنسبة لولي العهد السابق، مضيفاً أنّ "هذه التسجيلات قديمة وسابقة لتعهد الأمير وتوقيعه على البيان"، وأن "ما قبل التوقيع مختلف عما بعده، خصوصاً أنّ الملك أجاب عن سؤال أين الأمير".
لم يعلن الملك من هي الأطراف الخارجية المشاركة في "الفتنة"
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، أنيس الخصاونة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن رسالة الملك "حملت إجابات إلى حد معتبر، على أسئلة الأردنيين، لكن ليس بشكل كامل"، مضيفاً أن "الملك كان صريحاً وتحدث عن مشاركة في الفتنة من داخل الأردن وخارجه". واعتبر الخصاونة أن "المشاركة في الفتنة من خارج البلاد ليست مفاجئة كثيراً، فالأردن منذ التأسيس تعرض لمثل هذه المؤامرات، لكن ما لم يعلنه الملك من هي هذه الأطراف". ورأى أنه "لو كانت المقصودة إسرائيل، فنحن لا نحتاج إلى كل هذا التعتيم، فعلاقة الأردن بالاحتلال في أسوأ أحوالها منذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994، وليس سراً أن إسرائيل تحاول العبث بالاستقرار الداخلي للضغط على الأردن لتغيير مواقفه تجاه القدس والقضية الفلسطينية بشكل عام. وإذا ما نجح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومة ائتلافية، فنحن مقبلون على مرحلة أصعب من العلاقات".
ورأى الخصاونة أن "هناك أطرافاً عربية ساهمت في هذه الفتنة بشكل كبير، وسنشهد في الأيام المقبلة تداعيات ذلك"، متوقعاً أن تكون هناك "مقايضات ومحادثات خلف الستارة، ومحاولات لثني الأردن عن كشف تفاصيل ما فعلته الأيادي العربية، ودورها في ما حدث خلال الأيام الماضية". وتابع "يجب ألا تغرنا المواقف المعلنة للدول وتأييدها، عن المواقف الحقيقية". واعتبر الخصاونة أنّ قضية رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله "سيكون لها تداعيات مع بعض الأطراف العربية، التي ستكشف الأيام عن حجم دورها وطبيعته بما حدث، خصوصاً مع معرفة أن النظام الأردني أحسن إلى عوض الله في الفترة الماضية".
الخصاونة: أطراف عربية ساهمت في الفتنة بشكل كبير، وسنشهد في الأيام المقبلة تداعيات ذلك
وأوضح أن القضية "ستكون لها تداعيات سياسية داخلياً أيضاً"، متوقعاً أن "تجرى خلال الفترة المقبلة تغييرات كبيرة، على صعيد القيادات السياسية العليا"، معتبراً أنّ "تماسك العائلة الهاشمية يعطي رسالة للجميع، وخصوصاً المعارضة الداخلية والخارجية، والمواطنين بشأن استقرار البلاد".
واعتبر الخصاونة أنّ "العائلة الهاشمية منذ 100 عام، كانت ليّنة في التعامل مع المعارضين، مقارنة بالأنظمة الأخرى". وأشار إلى أن مقاطع الفيديو والتسجيلات المسربة، خصوصاً تسجيل الأمير حمزة وهو يتحدث مع رئيس هيئة الأركان اللواء يوسف الحنيطي، أعطت نتائج سلبية، وأزعجت الملك، وكان يجب ألا يظهر هذا التسجيل"، مضيفاً أنه "لو لم تظهر هذه التسجيلات، لكانت الأوضاع أفضل بكثير. لكن مع ذلك، فإنّ مصالح الوطن العليا ستكون هي الأهم".
بدوره، اعتبر النائب السابق في البرلمان الأردني، نبيل غيشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الرسالة أنهت الموضوع المتعلق بالأمير حمزة"، مضيفاً أن الرسالة "فيها كذلك تأكيد على بعض ما قيل في القضية، والتفاصيل التي أعلن عنها في البداية". وتابع أنّ "ما حدث بشأن قضية الأمير حمزة أصبح خلفنا، وفق الملك، ولكن في ما يتعلق بالأشخاص الآخرين، ستبقى قضيتهم رهن تحقيقات الأجهزة الأمنية، وما ستقوله السلطات القضائية في أمرهم". ورأى أن التسجيلات المسربة للأمير حمزة "لن يكون لها تأثير كبير على القضية، فالعائلة المالكة دائما ما أثبتت تماسكها".