يُعرّف الكاتب الروائي الروسي ذو التوجهات القومية، الرئيس المشارك لحزب "روسيا العادلة - الوطنيون - من أجل الحقيقة"، زاخار بريليبين، نفسه بأنه سياسي ذو مواقف محافظة متشددة، كما سبق له أن شارك في أعمال القتال في صفوف القوات الخاصة في جمهورية الشيشان شمال القوقاز الروسي في تسعينيات القرن الماضي، ثم في منطقة دونباس الواقعة في شرق أوكرانيا، دفاعاً عن أيديولوجيا "العالم الروسي" بعد اندلاع النزاع فيها عام 2014.
واليوم يبرز اسم بريليبين (47 عاماً) على الساحة السياسية الروسية، بعد أن كشفت صحيفة "فيدوموستي" الروسية، في عددها الصادر اليوم الاثنين، نقلاً عن أربعة مصادر في "روسيا العادلة"، وآخر مقرب من ديوان الرئاسة الروسية، عن عزمه المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024، والتي يُتيح الدستور الروسي المعدل للرئيس الحالي فلاديمير بوتين الترشح فيها لولاية خامسة مدتها ست سنوات.
ونقلت "فيدوموستي" عن مصدر بـ"روسيا العادلة"، الذي يشكل ثالث أكبر كتلة بمجلس الدوما (النواب) بعد كتلتي "روسيا الموحدة" الحاكم، و"الشيوعي"، قوله: "يريد بريليبين أن يظهر أمام ديوان الرئاسة بأنه يمكنه المشاركة في الانتخابات. ومن أجل ذلك يقيم هيكلاً مستقلاً من المقار، ويجري عملاً نشطاً في الأقاليم".
ومن بين مواقف بريليبين المثيرة للجدل تعبيره عن إعجابه بعهد الديكتاتور السوفييتي الراحل جوزيف ستالين، كما أنه لا يُخفي حنينه للحقبة السوفييتية، مما يجعله سياسياً قادراً على الصراع على أصوات النواة الصلبة من أنصار الحزب الشيوعي الروسي الذي يعد ثاني أكبر قوة بعد حزب "روسيا الموحدة"، ناهيك عن دعمه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا منذ أيامها الأولى في فبراير/ شباط الماضي.
ويجمع المحللون السياسيون الروس على أن مشاركة بريليبين المحتملة في الانتخابات ستكون رمزية لاستيعاب أصوات الناخبين من أصحاب التوجهات الوطنية والقومية المتشددة، مستبعدين في الوقت نفسه حصوله على نسبة مؤثرة من الأصوات أو تشكيله خطراً على السلطة الحاكمة.
ويقول رئيس مجموعة "مينتشينكو كونسالتينغ" للعلاقات العامة، يفغيني مينتشينكو، في تعليق لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن هذه الفكرة ليست بجديدة، بل جرت مناقشتها حتى قبل انتخابات عام 2018، والهدف منها هو استيعاب الناخبين من أصحاب التوجهات المختلفة. وفي حال خوضه سباق الانتخابات، قد يحصل بريليبين، الذي يمثل وجه الوطنية السوفييتية، على ما بين 3 و5 في المائة من أصوات الناخبين من بين أنصار الحزبين الشيوعي وروسيا العادلة نفسه".
وبدوره، يستبعد نائب مدير مركز الدراسات السياسية بموسكو، أليكسي ماكاركين، هو الآخر أن تؤثر مشاركة بريليبين على النتيجة النهائية للانتخابات، قائلاً لـ"العربي الجديد": "حتى إذا كان ترشح بريليبين وارداً، فهذا تحرّك رمزي يهدف إلى استيعاب أصوات الناخبين من أصحاب التوجهات الوطنية القومية التي كانت تذهب سابقاً لزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، فلاديمير جيرينوفسكي، قبل وفاته في إبريل/نيسان الماضي".
أما المحلل السياسي، ميخائيل فينوغرادوف، فوصف بريليبين بأنه "نرجسي إلى حد أنه يسعى إلى أن يكون مركز الاهتمام"، مضيفاً في تعليق أوردته "فيدوموستي" أنه "مرشح مقبول نسبياً كونه ليس شخصية نظامية بشكل كامل وقادرة على تحويل الشهرة إلى نتيجة سياسية أو إدارية، ولا يبدو خطراً على المنظومة الحاكمة".
وبعد افتتاح مقر بريليبين في إقليم كراسنودار جنوبي روسيا اليوم، يرتفع عدد مقاره في روسيا إلى سبعة، بالإضافة إلى مقاره في المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا شرقي أوكرانيا في مقاطعات لوغانسك وخيرسون وخاركيف.
ورأى مصدر آخر في حديثه لـ"فيدوموستي" أن طموحات بريليبين في الترشح عن الحزب "تبدو واقعية"، قائلاً إن رئيس "روسيا العادلة"، سيرغي ميرونوف، "لم يترشح في انتخابات 2018، لأنه لا يمكنه مواجهة الشخص الأول (أي بوتين)، بينما زاخار يمكنه، وهو مهتم بذلك". ومع ذلك، أوضح المصدر أن مبادرة بريليبين هذه لا تحظى بترحيب ديوان الرئاسة الروسية.
وأكد المصدر المقرب من ديوان الرئاسة سماعه عن احتمال ترشح بريليبين، موضحاً أن عملية تنسيق مثل هذا المشروع لا تزال مستمرة. وبدوره، أشار أحد المصادر بـ"روسيا العادلة" إلى أنه تجري حالياً مناقشة المكانة الأيديولوجية لبريليبين في حملة الانتخابات الرئاسية.
في المقابل، نفى بريليبين حتى تفكيره في الترشح للرئاسة، ملخصاً مهامه اليوم في "العودة إلى كييف" و"نزع احتلال الثقافة الروسية"، واستكمال كتابه عن سيرة حياة الكاتب الروسي والسوفييتي ميخائيل شولوخوف (1905 - 1984)، الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1965.
ونال بريليبين شهرته ككاتب روائي وعضو الحزب الوطني البلشفي المحظور، قبل أن يتوجه في السنوات الماضية إلى العمل السياسي النظامي بتأسيسه حركة "من أجل الحقيقة" في عام 2019، ثم حزبا يحمل الاسم ذاته في عام 2020. وفي فبراير/شباط 2021، أصبح واحداً من الرؤساء المشاركين لحزب "روسيا العادلة - الوطنيون - من أجل الحقيقة" على إثر اتحاد الأحزاب الثلاثة عشية انتخابات الدوما.
وأكد بريليبين آنذاك أنه قبل بتلقي التعليم في المدرسة العليا للإدارة العامة بالأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والخدمة العامة التي تشرف عليها كتلة السياسة الداخلية بديوان الرئاسة.
لكن بعد انتخابه نائباً بالدوما، تنازل بريليبين عن مقعده البرلماني لمصلحة مدير المجموعة الإقليمية للحزب في مقاطعة نيجني نوفغورود الروسية دميتري كوزنيتسوف.
وهذه ليست أول مرة يتجه فيها الكرملين للاستعانة بشخصية من خارج النخبة السياسية الضيقة للمشاركة في "سجال" الرئاسيات، إذ كانت لافتة مشاركة رجل الأعمال والملياردير ميخائيل بروخوروف في الانتخابات الرئاسية في عام 2012، ثم خوض الإعلامية المثيرة للجدل كسينيا سوبتشاك سباق الرئاسيات في عام 2018.