انتهت سلسلة الجلسات التي عقدتها اللجان الأربع المعنية في مجلسي الشيوخ والنواب مع وزيري الخارجية أنتوني بلينكن، والدفاع لويد أوستن، الذي كان يجلس بجانبه رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي، بهدف الاستماع إلى شروحات الإدارة الأميركية حول موازنة الوزارتين.
تعتبر هذه الجلسات في العادة إجراءً تقليدياً، إذ تصنّف كجزء من المداولات التي يجريها الكونغرس مع الوزارات كافة، تمهيداً لإقرار موازنة السنة المالية المقبلة التي تبدأ في مطلع أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنّ ما هو مختلف هذه السنة أنّ الصين كانت الملف الأساسي في الحوار والمناقشات حول سبب الزيادة المطلوبة لموازنتي الدفاع (حوالي 4%) والخارجية (18%). ويبدو أن هذا ما اقتضاه واقع الحال بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، وفيه إشارة إلى أنّ "مرحلة التنافس مع القوّة العظمى (الصين) تتجه نحو التحول إلى مرحلة صراع معها"، على حدّ تعبير وزير الدفاع أوستن.
وفي هذا التوصيف نقلة نوعية في تحديد شكل الخصومة ولأول مرة مع بكين، إذ حرصت الإدارات المتوالية، ومنها إدارة بايدن، على تصنيف الصين في خانة المنافسة، على اعتبار أنّ حالة العداء لم يسبق أن شملت الصين وبقيت حكراً على العلاقة مع الاتحاد السوفييتي ولغاية انهياره.
في الفترة الأخيرة، تحديداً في الأسبوعين الأخيرين، تغيّرت النغمة التي يتم توصيف بكين بها، إذ لم تعد المنافس الأول كما كانت سابقاً، وإنما صارت الطرف الدولي الأخطر، أو بلغة الكونغرس، فإنها "الدولة التي يحكمها الحزب الشيوعي الصيني"، وفي هذا التوصيف عودة صريحة إلى لغة الحرب الباردة. على سبيل المثال، فإن هنالك محاولة منع ومطاردة لموقع "تيك توك"، أحد مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، بزعم أنّ له علاقة مع هذا الحزب، فقط لمجرد أنّ الشركة الأم له صينية الأصل.
في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة "الطاقة والتجارة" في مجلس النواب مع المدير التنفيذي لها، يوم الخميس، كانت التهمة الكبرى أن موقع "تيك توك" له صلة بالحزب الشيوعي الصيني الذي يقوم بالتجسس في الولايات المتحدة من خلاله. مع أن اللجنة لم يكن بحوزتها أي دليل على التهمة، ومع أنّ 40% من الأميركيين يعارضون منع الموقع.
يبدو أنّ الهاجس الصيني يتوسع في واشنطن خلال الفترة الأخيرة، فالعودة إلى مفردات قاموس العداء بدأت تتسلل إلى الخطاب بموازاة التوتر المتزايد بين واشنطن وبكين، الذي بدأ بالتزايد بعد انتشار وباء كورونا وعدم تعاون الصين في الكشف عن منشأ الوباء، ثم جرعة من التصعيد حول تايوان، الذي رافقه تنامي الحديث الأميركي عن العزم على "احتواء" الصين، إلا أنّ التصعيد بين البلدين عاد وارتفع منذ رعاية بكين عودة العلاقات بين السعودية وإيران، والذي بدا في واشنطن أقرب إلى وضع أسس معادلة جديدة في المنطقة على حسابها، انتهاءً بزيارة الرئيس الصيني إلى موسكو، مطلع الأسبوع، التي أدت إلى "تطوير التحالف" بين موسكو وبكين.
في شروحات وزير الدفاع لموازنة البنتاغون، التي بلغت 842 مليار دولار (من أصل موازنة عامة تبلغ 6.9 تريليونات دولار)، أشار إلى خطة لـ"تحديث القوات الأميركية في آسيا والعالم"، مع زيادة 9 مليارات عن العام السابق لـ"تعزيز القدرات في الباسفيك". في المقابل، تبدو التحركات الصينية "تسير في خط المواجهة والدخول في نزاعات مع جيرانها (حلفاء أميركا هناك) وربما مع الولايات المتحدة"، حسب الجنرال ميلي، الذي أضاف أنّ هذه الموازنة من شأنها أن تشكل عملية "ردع وتحضير للحرب في آن واحد".
من جانبه، يقول أوستن إنّ الصين لو اختارت تزويد موسكو بالأسلحة، فإن النزاع "سيطول ويتوسع، ليس فقط في مكانه بل في العالم"، في تحذير واضح لبكين، وهو نفس الخطر مع روسيا الذي ركّز عليه الوزير بلينكن في افتتاحيات جلساته مع لجان العلاقات الخارجية والمخصصات في مجلسي الشيوخ والنواب لإتاحة الزيادة في موازنة وزارته التي بلغت حوالي 85 مليار دولار.
يعتبر هذا التوافق بين الحزبين في هذا الكونغرس من المرات النادرة، لكن يبدو أنّه عندما يتعلق الأمر بالملف الصيني تكون "اللحظة حاسمة بالنسبة لنا"، كما يقول النائب الجمهوري هيل روجرز. وهكذا هي أجواء الإدارة الأميركية وواشنطن عموماً.