لم يكن ينقص ضجيج الانتقادات الموجهة في أروقة بروكسل إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، بسبب آلية التعامل مع استراتيجية التلقيح ضد وباء كورونا، وما يسببه هذا التأخير من تضييق على حياة الأفراد والحركة الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ضجيج التباينات حول الميزانية للسنوات السبع المقبلة، إلا زيارة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "المحرجة" إلى روسيا، ليجد الاتحاد نفسه في موقف لا يحسد عليه.
وجاءت الزيارة بمبادرة من بوريل للضغط من أجل الإفراج الفوري عن المعارض الروسي أليكسي نافالني، لكن بدا ظهوره ضعيفا أمام وزير الخارجية الروسي لافروف، حيث قام الأخير بوصف الاتحاد بالشريك غير الموثوق به، معتبرا العقوبات ضد روسيا قيودا غير مشروعة من جانب واحد، وليس هناك من دليل على الهجوم السام على منتقد الكرملين، وما زاد الطين بلة طرد ثلاثة دبلوماسيين خلاله وجوده في موسكو، والذي كان في نظر المراقبين بمثابة ازدراء هائل للضيف ووصمة عار للاتحاد الأوروبي بأكمله.
تقديم الكرملين كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي بوريل وكأنه مثل أمام لافروف وفشله الذريع في مهمته، أحدثا عاصفة من التعليقات غير الودية ضده في بروكسل وتعرض لضغط هائل، إذ دعا أكثر من 70 نائبا في البرلمان الأوروبي، معظمهم من دول أوروبا الشرقية، في رسالة إلى فون ديرلاين إلى إقالة الاشتراكي الإسباني بوريل، وعبروا فيها عن قلقهم إزاء التطورات المهينة وسوء تقدير بوريل في القرارات الاستباقية لزيارة موسكو وفشله في الدفاع عن مصالح وقيم الاتحاد الأوروبي، وهذا ما أضر بشدة في سمعة الأخير.
يضاف إلى ذلك، ظهور وسم على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "ستوب بوريل " بعد الزيارة غير الناجحة. وبحسب ما ذكرت شبكة إيه آر دي، فإن أفضل ما يمكن قوله في بروكسل هذه الأيام، عن رحلة بوريل إلى موسكو أخيرا، هو أن فون ديرلاين لم تعد تبدو سيئة للغاية في استراتيجيتها الخاصة بالتطعيم أمام تبعات مهمة بوريل الفاشلة إلى موسكو.
المطالبات بإقالة بوريل على خلفية الإذلال والإحراج، كانت محل رفض من قبل رئيسة المفوضية الأوروبية، ورأت أن لافروف من قدم نفسه بطريقة قاسية، والأخير أوضح ما تعتقده موسكو عن الاتحاد الأوروبي، وأن حكم القانون والقيم الديمقراطية ينظر إليها في موسكو على أنها تهديد لسلطتها. مع العلم أن وزراء الخارجية الأوروبيين يتحضرون لاجتماع يوم 22 فبراير الحالي، كما أن هناك قمة للاتحاد في مارس، ووفق المعلومات هناك توجه لفرض عقوبات ضد القضاة والمدعين العامين في قضية نافالني، كما وغيرهم من المقربين من بوتين، حيث يبدو هذه المرة الاتحاد أمام أسباب تتعلق باحترام الذات الأوروبي.
لحظة فاصلة
في خضم ذلك، أشارت صحيفة "زاربروكر تسايتونغ"، إلى أن الزيارة إلى موسكو كانت لحظة فاصلة، وعرفت بروكسل بشكل أفضل ما يحدث في موسكو وفي الوقت نفسه الضعف البنيوي للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وأن دبلوماسية الاتحاد لا يعول عليها كثيرا في العالم في وقت تنتهج دول مثل الولايات المتحدة والصين سياسات القوى العظمى الكلاسيكية، فيما الاتحاد الأوروبي نادرا ما يكون حاضرا.
في المقابل، اعتبر محللون أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يكون قويا إلا بالقدر الذي تسمح به الدول 27 الأعضاء، وحيث العديد منها ليست مستعدة لمنح بروكسل السلطة، وأنها تفضل التصرف بشكل مستقل في السياسة الخارجية. فالرئيس الفرنسي ماكرون مثلا لا يهتم بالتصويت مع شركائه الأوروبيين ويتبع بشأن تركيا سياسة بدوافع محلية ويريد المزيد من الحوار مع موسكو. كما أن ميركل تنتهج سياسة مستقلة تجاه موسكو وبكين ومختلفة عن مسار الاتحاد الأوروبي وتعارض وقف خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، فيما دول مثل النمسا أو إيطاليا عادة ما تكون متشككة بشأن العقوبات على روسيا، وكل هذا يدل على أن جعل الاتحاد الأوروبي لاعبا عالميا "غير ممكن لأن الحقيقة تبدو مختلفة".
ميركل تنتهج سياسة مستقلة تجاه موسكو وبكين ومختلفة عن مسار الاتحاد الأوروبي وتعارض وقف خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2
هذا الواقع أشار إليه رئيس مجلس البرلمان الأوربي الأسبق الألماني الاشتراكي مارتن شولتز خلال تصريحات لمجلة "ديرشبيغل"، إذ دافع شولتز عن بوريل، مبررا أن الاتفاق على سياسة خارجية موحدة للاتحاد الأوروبي صعب، لأن القاعدة تنص على أن دول الاتحاد لا يمكنها اتخاذ قرارات السياسة الخارجية إلا بالإجماع.
من جهته، اعتبر خبير السياسة الخارجية في حزب الخضر سيرغي لاغودنسكي، أن انتقاد بوريل "مبرر جزئيا فقط، وفق ما نقل عنه موقع "بريسه أوغسبورغ"، لأنه "لا يمكن للمرء أن يتوقع من بوريل أن يقوم بما لا تستطيع برلين وباريس تحقيقه". فيما وصف رئيس كتلة الاتحاد المسيحي في البرلمان الأوروبي دانييل كسباري نداءات العديد من أعضاء حزب الشعب الأوروبي لاستقالة بوريل بالقول إنها "غير لائقة وفي غير محلها".