سادية جيش الاحتلال: جنود يوثقون عمليات التنكيل بالمعتقلين في الضفة الغربية

04 ديسمبر 2024
لقطة من فيديو لتنكيل جيش الاحتلال بمعتقل في الضفة (وسائل التواصل الاجتماعي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتناول النص توثيق جنود الاحتلال الإسرائيلي لاعتداءاتهم على الفلسطينيين عبر فيديوهات تُظهر اقتحام المنازل واعتقال الشبان بوحشية، مما يعكس ثقافة الجيش العنصرية والسادية ويهدف إلى ترهيب الفلسطينيين.
- يروي النص تفاصيل اعتقال صلاح الدين عبد الله، حيث اقتحم الجنود منزله بعنف وسرقوا راتبه الشهري، ونشروا فيديو الاعتقال بموسيقى صاخبة لإذلاله، مما يُظهر سياسة الانتقام في الضفة وغزة ولبنان.
- يشير النص إلى إمكانية استخدام هذه التوثيقات لإدانة الاحتلال دولياً، حيث تُظهر الفظائع ضد المدنيين وتبرز انتهاكات حقوق الإنسان، مما يساهم في تشكيل رأي عام عالمي ضد ممارسات الاحتلال.

لا يقتصر التباهي الانتقامي الذي يمارسه جنود الاحتلال الإسرائيلي على نشر توثيقات لأعمالهم الإجرامية خلال حربهم على قطاع غزة أو لبنان، بل إن تلك الفيديوهات والصور المشينة تشمل عمليات تنكيل واعتقال لشبان وفتية ونساء في الضفة الغربية، حتى من داخل غرف نومهم بإيقاظهم بالعنف وتحت تهديد السلاح، كما حصل أخيراً مع الشاب صلاح الدين عبد الله (19 عاماً) من بلدة سنجل في شمال رام الله وسط الضفة الغربية، فجر الاثنين.

علم عمر عبد الله (50 عاماً) بالفيديو الذي يوثق عملية الاعتداء واعتقال ابنه صلاح الدين من ابنه الآخر الذي رأى فيديو يخص شقيقه على وسائل التواصل الاجتماعي، نشرته حسابات فلسطينية نقلاً عن جنود الاحتلال، ويحوي موسيقى صاخبة وكأنها احتفائية بما يفعله الجنود، وتأكد عبد الله من أن من ظهر في الفيديو نجله المعتقل صلاح، وشقيقه الذي كان ينام معه في الغرفة ذاتها، والذي لم يتجاوز 9 أعوام.

يظهر الفيديو بالتصوير الليلي اقتحام جنود الاحتلال لغرفة نوم صلاح الدين، وإزالة غطائه عنه، وإيقاظه بسحله من السرير، ثم إلقائه أرضاً، والصراخ عليه، وقيام عدد من الجنود بحمله عن الأرض، ولفّ أحدهم يده على عنقه وتفتيشه وهو يقف موجهاً وجهه إلى الحائط، وتقييد يديه إلى الخلف، بالإضافة إلى صور جوية للبيت وحيّه، وأخيراً صورتين له مقيد اليدين ومعصوب العينين، يقف في الأولى بين عدد من الجنود الملثمين وبجانبهم علم إسرائيلي وكأنهم يلتقطون صورة جماعية، وفي الثانية يجلس على كرسي وهو مقيد ومعصوب العينين وخلفه جندي يرفع العلم الإسرائيلي.

يقول عمر عبد الله، والد صلاح الدين، لـ"العربي الجديد"، إن ما أظهره الفيديو ليس المشهد كله، فجنود الاحتلال بأكثر من خمسة جيبات عسكرية، وبطائرة مسيّرة صغيرة، وبتعداد يفوق خمسين جندياً، أحاطوا المنزل، وكان عبد الله في طريقه إلى باب منزله للخروج إلى المسجد من أجل صلاة الفجر، فتفاجأ بجنود الاحتلال يدقون الباب، فأراد العودة لإيقاظ أفراد أسرته، لكن الجنود هددوه بإطلاق النار على الباب إن لم يفتحه فوراً.

بعد أن فتح الباب، توجه الجنود الذين بلغ عددهم قرابة 20 مدججين بالسلاح، مباشرة إلى غرفة صلاح الدين، وحتى دون سؤاله أين ينام ابنه، ومع أحد الجنود هاتف تظهر على شاشته صورة صلاح، ليتعرفوا إليه سريعاً ويعتدوا عليه وهو نائم. ويقول عبد الله: "أتوقع أن صلاح الدين ظن في تلك اللحظة أنه يحلم بأن أحداً يضربه"، لكن صلاح الدين ليس الوحيد الذي كان في الغرفة، بل معه شقيقه الأصغر، وعمره 9 أعوام، وشقيقته، وعمرها 10 أعوام، اللذان اضطرا إلى مشاهدة شقيقهما وهو يتلقى اللكمات والضربات، ما أثر فيهما حتى الآن، وبخاصة الطفلة، كما يقول عمر، حيث لا تزال تبكي كلما رأت والدها، وتقول له إنهم ضربوا شقيقها صلاح.

ورفض جنود الاحتلال حتى دخول الأب إلى أطفاله الصغار للتهدئة من روعهم، وضربوا صلاح الدين بأرجلهم وهو ملقى على الأرض، وقاموا بخنقه، ونقله إلى شرفة المنزل والاعتداء عليه هناك، وخلّف الاعتداء آثار دماء لم تعرف العائلة سببها الدقيق، وما إذا كانت ناتجة من ضربه على رأسه أو أطرافه، لذلك تعيش حالة قلق، وتتمنى أن يستطيع محامون زيارته والاطمئنان عليه.

ويصف عبد الله عملية الاعتقال بالقول: "كأن من يعتقلونه فاندام، 50 جندياً، وخمسة جيبات، وطائرة مسيّرة، في حين أنه شاب لم يتعدَّ 19 عاماً ونصف عام، وكان قد ترك المدرسة منذ كان في الصف السادس، وهو شاب بسيط جداً". وسرق جنود الاحتلال راتب صلاح الدين، كما يؤكد والده، حيث كان قد عاد من عمله في رام الله من محل لبيع قطع المركبات، وقد أخذ راتبه الذي يبلغ 2700 شيكل (750 دولاراً) ونام بملابس العمل بسبب عودته متعباً، وبقي المبلغ في جيبه.

ويرى عبد الله بنشر جنود الاحتلال للفيديو محاولة لتخويف الشبان وترهيبهم، وكل الجيل الفلسطيني الشاب، وكذلك قهر الفلسطينيين، وخصوصاً أهالي الشبان، واستفزهم عبر نشر الفيديو مرفقاً بموسيقى صاخبة احتفالية. ونشر جنود الاحتلال مثل هذا التوثيق المصور، أصبح شائعاً في الضفة وغزة ولبنان، وهي توثيقات وفيديوهات وصور تختلف عن تلك التي تنشرها منصات رسمية تتبع جيش الاحتلال الإسرائيلي، فهي تحمل في طياتها صفات العنصرية والانتقامية.

ويقول المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان لـ"العربي الجديد"، إن هذه التوثيقات لعمليات الاعتقال، أو حرق المنازل بغزة ولبنان، أو توثيق جرائم أخرى تحمل في طياتها محتوى سياسياً، وتعبر عن ثقافة الجيش وعنصريته وساديته، وطبيعة الثقافة العسكرية. ويرى أبو علان أن جيش الاحتلال لطالما حاول من خلال التوثيقات المصورة إعطاء نوع من الردع تجاه الفلسطينيين، والقول لهم إنه يستطيع الوصول إلى أي مكان وبكل الأشكال، وبشكل خاص من خلال نشر عمليات اعتقال أو اغتيال، ولكنها برأيه تعبر عن السادية في الثقافة لمحاولة الردع بالقول إننا نستطيع الوصول إلى غرف نومكم.

لكن عمليات النشر تلك كانت تحصل قبل شنّ الاحتلال الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بطريقة منظمة من جيش الاحتلال لتحقيق أهداف أمنية وسياسية وإعلامية، وتحولت بعد الحرب إلى ما يمكن تسميته بالفلتان من خلال نشر الجنود أنفسهم لأفعالهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وصل الحال إلى نشر جنود نسف أو حرق منازل فلسطينية في غزة إحياءً لذكرى جنود قتلى. ويقول أبو علان: "صار الأمر نوعاً من إظهار سياسة الانتقام التي يمارسها جنود الاحتلال في الضفة وغزة ولبنان".

ويستمر نشر مثل تلك الفيديوهات رغم طلب قيادة جيش الاحتلال من الجنود وفقاً لما نشرته هآرتس الإسرائيلية صباح اليوم الأربعاء، كما أكد أبو علان، عدم نشر مثل تلك الصور، وعدم نشر صورهم على مواقع التواصل، والطلب من عدد من الجنود والضباط الذين خدموا في غزة ألا يسافروا إلى الخارج، والطلب من ثمانية جنود وضباط العودة فوراً من الخارج، بسبب توثيق عدد من المنظمات في دول عديدة في العالم، تلك الصور والفيديوهات، ما يعرّض الجنود للمساءلة.

ويرى مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية – شمس، الحقوقي عمر رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تلك التوثيقات يمكن فعلاً الاعتداد بها، واستخدامها كمادة لإدانة الاحتلال في المحافل الدولية وأمام القضاء الدولي، لكن أهميتها لا تقتصر برأيه على ذلك. ويتابع رحال: "هناك مسارات أخرى ليس أقلها مسار الرأي العام، من أجل أن يرى العالم الفظاعات، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وكيف يتصرف الجنود مع المدنيين، وداخل البيوت، وبالتالي نسف الرواية الإسرائيلية التي يتحدث عنها رئيس وزراء الاحتلال عن أن جيش الاحتلال هو الأكثر أخلاقية في العالم. العالم سيرى هذه الأخلاقيات، وأيضاً سيرى العقيدة الأمنية والعسكرية التي ينطلق منها جيش الاحتلال، وهي ترهيب الناس وتخويفهم، والإساءة والعنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين".

ويؤكد رحال أن هذه الفيديوهات شكل من أشكال العربدة، وإدارة الظهر للقوانين والاتفاقيات التي تتحدث عن المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، وتجاه التعامل مع الأطفال على وجه التحديد، خصوصاً أن توثيقات عدة أظهرت اقتحام المنازل بوجود كلاب بوليسية، والاعتداء على المواطنين، واستخدام القوة المميتة والتخريب، واستهداف الأطفال والنساء. أما نشر جنود الاحتلال لها، فهو مرتبط -بحسب رحال- بالغرور والاستعلاء والعنصرية، وهو فعل ماسّ بالكرامة الإنسانية بالتوصيف القانوني، ومن تلك الممارسات أخذ الجنود الصور لأنفسهم قرب معتقلين مقيدين، وأحياناً قد خلعت ملابسهم، وهو أمر حاطّ بالكرامة الإنسانية، ومجرَّم بالقانون الدولي، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.