ووفق اتفاق المصالحة الفلسطينية، الموقع في القاهرة في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بين "حماس" و"فتح"، فإنّ يوم غد الجمعة، الأول من ديسمبر/ كانون الأوّل، هو موعد الانتهاء من إجراءات تمكين الحكومة، وفق النظام والقانون. واتفق مع التمكين على إزالة المشاكل كافة الناجمة عن الانقسام، وذلك أيضاً لم يحدث. كما لم ترفع السلطة الفلسطينية العقوبات عن قطاع غزة والتي اتخذتها قبل أكثر من ستة أشهر من أجل دفع "حماس" للذهاب للمصالحة، وشملت تقليص رواتب الموظفين وكميات إنتاج الكهرباء الواردة للقطاع، إضافة إلى تقليص التحويلات الطبية.
غير أنّ التمكين، كمصطلح، جرى نقاش فلسطيني مستفيض حوله، خصوصاً أنه لم يجرِ التوافق على معنى "تمكين الحكومة"، في ظلّ عدم حلّ ملفات حاسمة في هذه القضية، مثل قضية الموظفين المعينين في عهد حكومات "حماس" في القطاع والذين جرى ترحيل ملفهم إلى لجنة إدارية وقانونية تنتهي من عملها بعد أربعة أشهر.
ودون "التمكين" إذاً، والذي يوصف بالمصطلح "الهُلامي"، عوائق كثيرة، أبرزها عدم الاتفاق على حلّ ملف الموظفين المعينين بعد الانقسام، أو الذين جرى فصلهم لاستمرارهم في العمل بعد الانقسام، أو المعينين قبل أحداث الاقتتال الداخلي.
وجاء قرار حكومة الوفاق الوطني بعودة الموظفين المعتكفين إلى مقارهم ووزاراتهم من دون توافق داخلي، ليزيد من عمق الأزمة، في ظل عدم وضوح آلية عودتهم، حيث جرى منعهم من مزاولة أعمالهم من قبل الموظفين المعيّنين بعد الانقسام، فبات المشهد أشد صعوبة، وينبئ بمزيد من الاحتقان والخلاف الداخلي.
وعلى الأرض، تبدو عودة الموظفين السابقين لأعمالهم من دون حسم قضية الموظفين الموجودين على رأس عملهم حالياً، شبه مستحيلة، إذ إنّ الموظفين أنفسهم لن يسمحوا بذلك، كما أن النقابة التي تدافع عن حقوقهم أعلنت بشكل واضح عدم قبولها بعودتهم من دون حلّ قضية الموظفين المعينين بعد الانقسام.
ويقدر عدد موظفي حكومة غزة السابقة، الذين عينتهم حركة "حماس"، بحوالى 40 ألف موظف يعملون في الشقين المدني والعسكري، في الوقت الذي يقدّر عدد موظفي السلطة الفلسطينية بحوالى 58 ألف موظف.
ويُخشى مع ما جرى من منع الموظفين من العودة لمقار عملهم وعدم حلّ قضية الموظفين المعينين بعد الانقسام، أن يصبح الصدام بين الموظفين أنفسهم واقعاً، مع محاولات الوفد المصري الضامن لاتفاق المصالحة التوصل لاتفاق وحلول للأزمات التي نشأت خلال تطبيق ما تمّ التوقيع عليه. ولا يُعرف كذلك ما إذا كانت هذه الأزمات ستعيق تقدّم المصالحة والملفات الأخرى.
وعقد الوفد المصري الموجود في غزة منذ ثلاثة أيام، عدداً من اللقاءات في الساعات الأخيرة بعيداً عن وسائل الإعلام لبحث الخطوات الواجب تنفيذها في إطار التمكين، لكن من دون نتائج واضحة حتى الآن، إذ لا يزال الغموض يسيطر على مشهد الاتصالات واللقاءات الثنائية والجماعية بين الأطراف الفلسطينية مع الوسطاء المصريين.
وتسلّمت حكومة الوفاق الوطني بداية الشهر الجاري، إدارة معابر قطاع غزة الثلاثة بشكل كامل، وطُلب من الموظفين المعينين من قبل "حماس" إخلاءها بشكل تام، وهو ما جرى. وتسيطر الآن حكومة الوفاق على معبر رفح البري مع مصر، وكذلك معبر بيت حانون/ إيرز شمالاً الذي يربط القطاع بالأراضي المحتلة، ومعبر كرم أبو سالم التجاري.
كل ذلك يجري، وسط غياب التطمينات من الموقّعين على اتفاقية المصالحة في 12 أكتوبر، وهما حركتا "فتح" و"حماس"، وتزداد الشكوك حول مضي المصالحة إلى الأمام وتقدمها بعد أنّ عاد التراشق الإعلامي والاتهامات بين الجانبين، مع مخاوف جدية بتعثر إتمام تطبيق اتفاق المصالحة الأخير.
ومع هذا التراجع، فإنّ اللقاء الذي كان مقرراً عقده بين "حماس" و"فتح" في القاهرة في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر، سيصبح بلا جدوى، أو أنه لن يعقد إذا لم تُحل الخلافات الأخيرة الناجمة عن سوء تقدير الأطراف كلها للأزمات التي أنتجها الانقسام الفلسطيني وأفرزها طوال أحد عشر عاماً من عمره.
وبعيداً عن السياسة، فإنّ الواقع المعيشي والاقتصادي في غزة صار أصعب من ذي قبل، وأصبح القطاع يقترب بشكل أسرع من الكارثة الإنسانية إن لم يكن قد وصلها فعلاً، مع شحّ السيولة في أيدي المواطنين والتجار، وغياب الحركة التجارية في الأسواق.
وكل ذلك يجري مع عودة مخاوف الفلسطينيين في غزة من شنّ عدوان إسرائيلي عليهم. ويغذي هذه المخاوف التحليق المستمر لطيران الاستطلاع الإسرائيلي في أجواء القطاع، إضافة للارتباك الحالي في المشهد السياسي وملف المصالحة.