ساعات فاصلة محكومة بحذر أمني وسياسي بواشنطن

18 يناير 2021
الوضع يلفه الغموض (Getty)
+ الخط -

يعود مجلس الشيوخ الأميركي، غدا الثلاثاء، إلى استئناف دورته، ومن المفترض أن يتسلم على الفور قرار الكونغرس بمساءلة الرئيس الخاسر دونالد ترامب، وبالتالي المباشرة بمحاكته بعد إدانته، الأسبوع الماضي، في قضية اجتياح الكونغرس في السادس من الشهر الجاري.
ويوم الأربعاء تنتهي رئاسة ترامب في منتصف النهار، ليتسلم الرئيس المنتخب جو بايدن مفاتيح البيت الأبيض في منتصفه الثاني، إثر الانتهاء من مراسم احتفال متواضع هذه المرة لأداء اليمين الدستورية.
وفيما الحدث الثاني محسوم أمره وموعده، إلا أن المساءلة قد تتأجل إلى ما بعد انتهاء تسلم الرئيس الجديد، أي إلى ما بعد ظهر الأربعاء. كما قد يجري ترحيلها إلى وقت لاحق بغية إفساح المجال لإدارة بايدن لتأمين بداية سلسة قدر الإمكان لولايته الرئاسية. ويقال إن بايدن وفريقه يحبذان هذا الخيار، فيما يضغط الجناح الآخر من الحزب الديمقراطي باتجاه الاستعجال بإبلاغ مجلس الشيوخ لحمله على فتح المحاكمة "بسرعة" وفق ما يقتضيه القانون.
تزامن الحدثين غريب: توديع رئيس بمحاكمته في آخر يوم من رئاسته وتنصيب سلفه بعد 24 ساعة. لكن الأغرب أن كليهما محاط بمخاطر أمنية يثير حديث المعنيين عنها المزيد من الرعب. آخر سيناريو تردد في وقت متأخر من ليل أمس، أن هناك خشية من أن يقوم أحد أفراد الحرس الوطني، البالغ عددهم 25 ألفاً، التابعين لوزارة الدفاع (البنتاعون)، والمكلفين بحماية بايدن وفريقه خلال أداء القسم، بعملية هجومية خلال مجريات الاحتفال.
وسبقت ذلك معلومات عن إلقاء القبض، مساء الأحد، على سيدة مسلحة ترتدي بذلة شرطي للتمويه. وكانت التقارير الإعلامية قد ذكرت أنه جرى التعرف إلى أفراد من الشرطة ورجال الإطفاء وعدد من العسكريين المتقاعدين كانوا قد شاركوا في اقتحام مبنى الكابيتول.

كل ذلك عزز الشكوك حول احتمال وجود اختراقات قد تكون أوسع في صفوف الجهات الأمنية المفترض أن تكون في خندق التصدي للتمرد والدفاع عن المؤسسات. الكلام من هذا النوع كثير، ومنه ما يستند إلى معلومات ومنه إشاعات أو تسريبات متعمدة بهدف إحباط أي عمليات أو مخططات عنف محتملة قبل وقوعها. لكن هذه الاحتمالات مأخوذة على محمل الجد أكثر فأكثر مع اقتراب المواعيد الفاصلة، ليس في واشنطن فقط بل في عواصم الولايات الخمسين التي اتخذت تدابير واسعة، منها الاستعانة بقوات من الحرس الوطني. 

وليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت هذه الحشود فضلاً عن ملاحقة المشاركين في الاقتحام، الذين جرى توقيف العشرات منهم، قد لعبت دوراً في حمل أنصار ترامب من القوميين البيض ومن اليمين المتطرف على إعادة النظر بحساباتهم والاستعاضة عن المظاهرات الضخمة بعمليات فردية، حسب ما تشير إليه تقديرات الجهات الأمنية. 
فالخطة كانت أن تبدأ تحركاتهم المسلحة في 16 الجاري وتمتد إلى يوم التنصيب. لكن شيئا من ذلك لم يحصل حتى اللحظة، ولو أن الباب مفتوح على مفاجآت أمنية كبيرة ابتداء من اليوم، الذي يصادف عطلة فيدرالية رسمية تكريما للزعيم الأسود مارتن لوثر كينغ الذي جرى اغتياله عام 1968 على يد أحد العنصريين البيض. وحسب التكهنات، فإن أجواء التهديد هذه ستستمر على الأرجح إلى ما بعد تنصيب بايدن.
كما أن الحزب الديمقراطي منقسم حول توقيت محاكمة الرئيس ترامب، كما تشق الحزب الجمهوري الخلافات حول التصويت. ففريقه المتشدد متمسك بالدفاع عن ترامب كما فعل في المحاكمة السابقة، انطلاقاً من الانسجام مع خطه ومن حسابات سياسية – انتخابية. الفريق الآخر التقليدي، يدفع نحو اغتنام الفرصة للافتراق عن ترامب عبر التصويت ضده وبالتالي استرجاع الحزب الجمهوري "المتصدع"، بتعبير المخطط الجمهوري الاستراتيجي كارل روف، إلى موقعه المحافظ التقليدي البراغماتي الموروث. 

وبدا من كلام روف أنه لا يستبعد انضمام 17 من الشيوخ الجمهوريين إلى الديمقراطيين لضمان صدور قرار العزل بحق الرئيس ترامب. وفي تلميحه هذا اعتبر أن موقف زعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس السيناتور ميتش ماكونيل (الذي سيصبح زعيم الأقلية يوم الأربعاء)، قد أعطى الإشارة الخضراء لكل سيناتور جمهوري كي يصوت كما يشاء. وخاصة أن رصيد الرئيس هبط بعد حدث الأربعاء إلى 29%، حسب أحد الاستطلاعات، فيما احتفظ برصيد 43% وفق استطلاع شبكة "ان بي سي". 

ومع ذلك فالمشهد يلفه الغموض والأجواء المفزعة رغم التدابير الأمنية غير الاعتيادية التي يزيد حجمها من ثقل الكابوس الأمني بقدر ما يوحي بالاطمئنان. المؤكد الوحيد أن ترامب لن يشارك في احتفال تدشين رئاسة بايدن. غياب حصل مثله آخر مرة قبل 150 سنة، في 1869. وما عدا ذلك فيبقى في قبضة المجهول.

المساهمون