من خلال شعارات على الجدران وبيانات مكتوبة وأعلام إيرانية ممزقة وملابس عسكرية ملقاة على الأرض على حدود مدينة سامراء شمالي بغداد، توعد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، قوات الحرس الثوري الإيراني التي تقاتل في العراق إلى جانب القوات الحكومية والمليشيات، بـ"قادسية جديدة تدكّ صروح بلاد فارس وتنطلق من أرض النعمان"، في إشارة إلى معركة القادسية التاريخية التي خاضها العرب في العراق ضد الجيش الفارسي عام 636.
وقال شهود عيان وزعماء قبليين في المنطقة لـ"العربي الجديد"، إن "داعش" يخوض مواجهات شرسة مع الحرس الثوري وبشكل مباشر منذ مطلع هذا الشهر، "والسكان ينزحون من المنطقة لأن الرحمة وأخلاق الحرب فُقدت من كلا الطرفين".
وأضاف أحد السكان المحليين، الذي فضّل أن يذكر اسمه بـ"محمود أبو أنس"، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "داعش سيطر على ثلاث قرى جديدة حول سامراء انتزعها من الحرس الثوري بعد معارك عنيفة استمرت عدة أيام"، مشيراً إلى أن "داعش نفّذ عمليات إعدام ميدانية لثلاثة أسرى من الحرس الثوري في ساحة البقالين في شارع المنجزات الرابط بين سامراء والهاشمية، كما قام بحرق معدات إيرانية مثل تجهيزات عسكرية وطعام وكتب دينية معهم فضلاً عن أعلام إيرانية".
وقال أبو أنس إن "مقاتلي التنظيم كانوا ملثمين، لكن من لهجتهم ظهر أن جميعهم عراقيون، ورددوا شعارات تتوعد إيران بقادسية ثالثة أو قادسية جديدة، فيما كتب آخرون شعارات على الجدران تصف الحرس الثوري بخنازير فارس".
وغادر الصحافيون العراقيون والأجانب مناطق محيط سامراء وضواحيها بعد انسحاب القوات العراقية منها وانتشار مقاتلين إيرانيين في المنطقة المحيطة بالمراقد المقدسة في المدينة، في حين كثّف الطيران العراقي غاراته على مناطق تواجد تنظيم "داعش".
واستمرت أحوال المنطقة المحيطة بسامراء طيلة الأسبوعين الماضيين غامضة بسبب سوء الاتصالات فيها وانسحاب الصحافيين منها، إلا أن فريقاً إغاثياً محلياً تمكّن من دخول المنطقة وإخراج ست عائلات محاصرة منها، وروت إحدى هذه العائلات جانباً من سير المعارك في قراهم المحيطة بسامراء.
وقال شهاب السعدي (61 عاماً) لـ"العربي الجديد" أن "تلك الأيام كانت مرعبة، وتمنى فيها الجميع لو لم يُخلق أصلاً، وحتى الحيوانات كانت تخاف ليلاً وتدخل وتنام معنا داخل المنزل تحت السلم أو في غرفة التخزين الصغيرة".
وأضاف أن "المعارك تحوّلت في الكثير من الأحيان إلى حرب شوارع حقيقية، استُخدمت فيها السكاكين والحراب وكل شيء، لكن الأيام الثلاثة الأخيرة (من الخميس إلى السبت) شهدت هدوءاً لأن داعش سيطر بالنهاية على مناطقنا وانسحب الحرس الثوري منها".
وقال إنه "شاهد مقاتلين يرتدون ملابس عسكرية عراقية لكنهم كانوا يتحدثون الفارسية، لذا تأكدنا أنهم من الحرس الثوري".
وشهدت مناطق محيط سامراء في الشهر الحالي مقتل عدد من القيادات الإيرانية البارزة، من بينهم الجنرال حميد تقوي واللواء مهدي نيروزي الذي نعته أخيراً إيران في بيان رسمي قالت فيه إنه قُتل خلال دعمه القوات العراقية قرب سامراء.
فيما بث تنظيم "داعش" صوراً على مواقع تابعة له لما قال عنها "فرحة المؤمنين بإعلان التهيؤ لاستعادة عاصمة الخلافة العباسية"، في إشارة إلى سامراء.
وقال القيادي في الحراك الشعبي في مدينة سامراء عبد الكريم الدوري لـ"العربي الجديد"، إن "المعارك بين الطرفين أخذت منحى تصاعدياً وخطيراً وقد تتحول إلى مناطق أخرى وهذا أكثر ما نخشاه".
وأوضح الدوري أن "هذه ليست معركة السُنّة، ونحن مؤمنون أنها ليست معركتنا، بل هي معركة داعش ضد من يعتبره أعداء له وللمسلمين، لذا قررنا ألا نكون وقوداً لها، فلا المليشيات والحرس الثوري تريد الخير لنا، ولا داعش من نختار أن يكون لمستقبلنا".
وعن الوضع الحالي حول المدينة، أشار الدوري إلى أن "كل ما يُنقل عبر الإعلام المحلي والحكومي خصوصاً غير حقيقي، فداعش يُطبق على سامراء من اتجاهين، والغارات الجوية للتحالف الدولي توقفت بعد انحصار المعارك بين داعش والحرس الثوري، فيما الطائرات العراقية غير مؤثرة، وهناك حملات اعتقال من المليشيات داخل المدينة للمواطنين خوفاً من أن ينقلبوا عليها بينما هي تقاتل داعش".
وحذّر من أن "سامراء قنبلة موقوتة، وتدخّل الحرس الثوري فيها يؤكد انكسار مليشيات الحشد الشعبي والقوات النظامية".