قد تربح الحرب والمعارك وتخسر الموقف الأخلاقي في لحظة تسلل سياسي، تتداخل فيها الحسابات الطائفية والسياسية مع واجب الضيافة ومتطلبات الحالة الإنسانية. يصدق هذا التوصيف على قصة "الحشد الشعبي" في العراق والصحافية الجزائرية، سميرة مواقي، التي أصيبت برصاصة في الرأس عندما كانت ترافق قوات "الحشد" في القتال ضد تنظيم "داعش" على جبهة الموصل.
كل الألم الذي انتاب الجسم الصحافي في الجزائر، خلال الأيام الأخيرة، لم يكن إصابة الصحافية خلال المواجهات المسلحة بين "الحشد" و"داعش" في الموصل، فذلك جزء كلفة ومتاعب المهنة الصحافية المريرة، لكن مكمن الألم كان ذلك الاستغلال السياسي والدعاية الرخيصة، للصحافية الجزائرية من طرف جسم عسكري في العراق، وهي المصابة برصاصة في الرأس، ولم تستعد عافيتها من أثر الصدمة، في قلب دعاية سياسية لصالح تنظيم "الحشد" في العراق.
كان واضحاً، أن مواقي التي انتقلت إلى الموصل لنقل الحقيقة عن معركة العراق ضد الإرهاب، ثم استقالتها من القناة التي أوفدتها للعمل هناك، تُستدرج إلى معركة ليست معركتها أساساً قبل إصابتها، ثم كان واضحاً أنها توجد في قلب معترك دعائي بعد إصابتها، من خلال إبراز الاهتمام والرعاية الفائقة والمتعددة المستويات التي أولاها "الحشد" للصحافية الجزائرية بعد إصابتها، ثم استنزافها فكرياً وعقدياً، ودفعها تالياً وهي في حالة غير متوازنة صحياً ونفسياً إلى مواجهة مع هويتها وبلدها وعائلتها.
ليس "داعش" فقط من يغسل الأدمغة وينقل الشباب من موقف إلى موقف نقيض، ومن فكرة إلى فكرة تبدو أقرب إلى التطرف، لكن الكثير من التنظيمات في المنطقة العربية، خصوصاً تلك التي أوجدت لها الظروف مكاناً ضمن منظومة سياسية أو تنظيمية في جسم الدولة، باتت تسير في النهج ذاته، وتقوم بغسل الأدمغة. وإلا كيف يمكن تفسير الإقدام على استجواب الصحافية الجزائرية في العراق وهي طريح الفراش ولم تتعافَ مطلقاً من محنتها الأليمة، فقط لتعلن عن التمذهب وقطع صلتها بالبلد الأم، والعائلة والأم، تماماً كما يفعل الشباب ضحايا جماعات التطرف وغسل دماغ.
لا يشبه هذا المشهد سوى مشهد صحافية من قناة سورية، تلك التي كانت تستجوب سيدة مصابة أمامها، وهي تنزف دماً. صحيح أن الحروب ليست ساحة الأخلاق، لكن قبل أن تربح الحرب، فكر في أن تربح معركة الأخلاق أولاً.