سياسيون تونسيون يستنكرون اعتقال الغنوشي وغلق مقرات حزبية: هروب إلى الأمام

19 ابريل 2023
تزداد في الفترة الأخيرة حدة الأزمة السياسية التي تعيشها تونس (Getty)
+ الخط -

اعتبرت قيادات حزبية في تونس أنّ البلاد تسير بسرعة قصوى نحو منعرج خطير جداً، زاد من حدة الأزمة السياسية بين ما تصفها بـ"سلطة الانقلاب" ومعارضيها، بسبب تواصل استهداف زعماء المعارضة ورموزها، وقمع حريات التعبير والنشاط الحزبي. 

وقال المتحدث الرسمي باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ الحزب "يدين بشدة قمع الحريات ويعتبره مؤشراً خطيراً في اتجاه تقويض الحياة الحزبية، ونطالب بجدية بوقف النزيف الذي يضر بالدولة والتعددية في تونس"، وشدّد على أنّ "ما حدث استهداف للحياة الحزبية ولكل من يتجرأ على سلطة الأمر الواقع، ومن يقدم تصوراً مخالفاً".

وأضاف المتحدث: "نحن ندين الاعتقالات ومنع النشاط الحزبي وغلق مقرات حركة (النهضة) ومقر (تونس الإرادة)، من منطلق مبدئي كديمقراطيين مهما كانت وجهة النظر الأخرى.. اليوم الاستهداف لحركة (النهضة) وقياداتها، وغداً ستكون التصفية والتضييق من نصيب باقي النشطاء والمعارضين، وها نحن نعاني من ويلات الاعتقالات وما يسمى بملف التآمر". 

وأضاف الصغير أنّ "هذا يمثل مروراً سريعاً لتقويض الحرية في تونس وقتل الحياة الحزبية، ونحن لا نختلف في اعتبار أنّ حركة النهضة ارتكبت أخطاء خلال العشرية الماضية، وصعّبت المسألة برفضها مجرد اعتذار أو توضيح موقف مما حصل، وهذا ما استغله الرئيس قيس سعيّد ليُقدم على حملة تقويض الحياة الحزبية وقمع الحريات الذي نعيش على وقعه اليوم"، مستدركاً: "لا نستطيع كديمقراطيين ومؤمنين بأن الحرية إحدى مكتسبات الثورة التي حققناها، وقد تكون المكسب الوحيد بعد 13 عاماً، إلا أن نندّد بهذا، واليوم هناك توجه واضح لقمع هذه الحريات".

وبيّن المتحدث الرسمي باسم الحزب الجمهوري أنّ "التاريخ يعيد نفسه، ففي العام 1989 عمل بن علي على تصفية حركة النهضة ثم مر إلى باقي المجموعات السياسية، وقام بتصحير المشهد السياسي، وقد تساهلت القوى السياسية مع ما حدث لحركة النهضة في البداية، ثم أصبحت في ما بعد تبحث عن مشترك لمقاومة الاستبداد"، مؤكداً أنّ "الحزب الجمهوري يدعو القوى الوطنية لتحمل مسؤوليتها لمواجهة هذا النزيف الذي يعصف بالتعددية والحريات في تونس".

وفي بيان منفصل، صباح اليوم الأربعاء، عبر الحزب الجمهوري عن "قلقه البالغ إزاء هذه الإجراءات التعسفية التي تستهدف مبدأ حرية العمل السياسي والحزبي، وهو أبرز المكاسب القليلة التي حققها التونسيون من الثورة، ويعتبرها بمثابة عمل تصعيدي خطير إزاء طرف سياسي معارض عبّر عن موقفه من الشأن الوطني في نطاق السلمية والالتزام بالقانون، هذا بالإضافة إلى الخروقات القانونية التي صاحبت الإجراءات المذكورة".

واعتبر الحزب  أنّ "المبرر الذي ساقته السلطة (وهو التصريح الصادر عن رئيس الحركة في اختتام اعتصام المساندة للموقوفين السياسيين) لا يتضمن ما يدعو إلى التجريم، بل هو تقدير ورأي يدخل في خانة الجدل السياسي والنقاش العمومي المشروع".

واعتبر أيضاً أنّ "القرارات والإجراءات الأمنية الصادرة عن سلطة الأمر الواقع بمثابة ضربة جديدة للحريات الديمقراطية، وهو ما من شأنه أنّ يزيد تعكير الأوضاع، ويضاعف التوترات التي تعيشها البلاد جراء الاستهداف المتواصل للمؤسسات الدستورية واستقلالية القضاء والاعتقالات التعسفية للناشطين السياسيين المطالبين بالحوار كسبيل لمعالجة مشاكل البلاد".

وعبر الجمهوري عن "تخوفه من أنّ تكون هذه الإجراءات بداية استهداف لحركة النهضة من حيث وجودها التنظيمي ونشاطها القانوني، ويحذر مما يمكن أنّ يؤدي إليه ذلك من دفع للحركة إلى العمل في السرية لممارسة حق هو أجدر بأنّ يمارس في العلن وفي كنف الشفافية واحترام القانون، كما ينبه من العودة بتونس إلى أجواء القمع والاستئصال التي شهدتها في عهد بن علي". 

ودعا الحزب الرئيس قيس سعيّد إلى "التفكير ملياً في عواقب خيار التصعيد وضرب الحريات ومنع الأحزاب على اختلافها من ممارسة حقها المشروع في التعاطي مع الشأن العام"، كما جدّد دعوته إلى "انتهاج سبيل التحاور والتشاور مع مكونات المجتمع السياسي والمدني والحفاظ على ما يجمع التونسيين من رابطة وطنية".

وقال القيادي في "جبهة الخلاص" عز الدين الحزقي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "رمزية ما حدث تتمثل في استهداف رئيس برلمان شرعي ناضل من أجل الحريات وإرساء مؤسسات ديمقراطية من قبل أناس غير شرعيين لم يناضلوا من قبل من أجل الحريات، لذلك داسوا عليها"، مضيفاً: "يتواصل الاعتداء على حرية التعبير والتجمهر والتظاهر".

واعتبر الحزقي أنّه "جرى اختلاق وسائل لإلهاء الناس عن المشاغل الحقيقية من خلال اختلاق قضايا واختطاف رجل ثمانيني بطريقة استعراضية هوليودية، بينما تمت دعوته للتحقيق سابقاً 10 مرات وحضر".

وأشار القيادي في "جبهة الخلاص" إلى أنّ "ما حدث علامة لفشل الاستبداد، فوضع المعارضين في السجون انتصار للمعارضين وهزيمة له، فهل سيضع كل التونسيين في السجون؟ (...) سيتواصل النضال، ولن نترك الاستبداد يواصل استبداده".

وأضاف أنّ "الاستبداد يقمع الناس لأنه لا برنامج له ولا حلول"، مشيراً إلى أنّ جبهة الخلاص منعت، أمس الثلاثاء، من "عقد ندوة صحافية لنقول كلمتنا حول ما حدث، وذلك دليل على أنّه يخشى الكلمة التي حررت البلاد وجاءت بالثورة، لكننا سنحرر الكلمة وسنحرر البلاد من الانقلاب والاستبداد".

وقال المتحدث باسم "حراك تونس الإرادة" عمر السيفاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّه "جرى غلق مقر حزب "حراك تونس الإرادة" ومقرات "جبهة الخلاص" من قبل الوحدات الأمنية، وفي ذلك استهداف ممنهج للمعارضة وكل الأصوات الرافضة والمناهضة للانقلاب"، وذكر أنّ "تونس دخلت منعرجاً خطيراً، والسلطة لا تستمع اليوم لأي رأي مخالف، وتمنع حتى التعبير عن أي رأي مختلف، وذلك في تصعيد استهداف المعارضة، وخصوصاً "جبهة الخلاص"".

وأشار السيفاوي إلى أنّه "جرى اعتماد أمر الطوارئ لغلق المقرات ومنع التظاهرات والندوات الصحافية في غياب سند قانوني"، مشيراً إلى أنّه "لا يمكن استهداف الأحزاب وغلق المقرات واجتماع النشطاء السياسيين في دولة مدنية ديمقراطية تحترم القانون والمؤسسات".

ورجح المتحدث "إمكانية تطور التصعيد والتضييقات على المعارضين، فجميع الإجراءات والقرارات المتخذة تدل على هذا المنحى التصعيدي".

واعتبر القيادي في حركة "النهضة" بدر الدين عبد الكافي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "ما حصل منعرج خطير في سياق مزيد من تعميق الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ انقلاب 25 يوليو/ تموز عام 2021، حيث يتصاعد توظيف أجهزة الدولة الصلبة لقمع المعارضين ومحاولة إسكات كل نفس حر مخالف ينتقد مسار الانقلاب ويناضل ضده".

وأضاف عبد الكافي: "ما أقدم عليه قيس سعيّد يأتي في سياق مواصلة ضرب مسار الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية، ومخالفة حتى الدستور الذي صاغه بنفسه، فهذا الاستهداف الموجه ضد "جبهة الخلاص" ورموزها باعتبارها الجبهة المعارضة الرئيسية في البلاد، وحركة "النهضة" بوصفها المكون الأساسي لها، هو استهداف يتجاوزها إلى بقية مكونات المعارضة، كما أنه انتهاك لحق التونسيين في التعبير والتظاهر والاجتماع وحق المعارضة".

وأضاف القيادي في "النهضة" أنّ "هذا التصعيد، وإن كان منتظراً، فإن الغرض منه محاولة إلهاء الرأي العام عن التهديد الرئيسي الذي تعيشه البلاد ممثلا في الأزمة الاقتصادية وفقدان المواد الأساسية وغلاء الأسعار، وفشل قيس سعيّد في إيجاد حلول رغم تفرده بكل السلطات".

وأوضح المتحدث ذاته أنّ "محاولة منع المعارضة من الاجتماع والتظاهر وتخويف المعارضين بالاعتقالات والتضييقات ستزيد العزم على النضال السلمي ضد الانقلاب".

وقال نائب رئيس "حزب الإنجاز والعمل" أحمد النفاتي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ التجربة التونسية "تمر منذ فترة بمنعرج خطير نحو ترسيخ نظام حكم الفرد الواحد التسلّطي (...) فما قامت به السلطة القائمة من اعتقالات مكثفة وواسعة بحق عدد من القيادات الحزبية والسياسية المعارضة يعتبر خطوة تصعيدية نحو منع الأصوات الناقدة للنظام من ممارسة حقها في العمل السياسي الطبيعي".

وأضاف النفاتي: "لكن ما أقدمت عليه السلطة في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة من اعتقال لرئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي تم تجميد عمله وحله في خطوة غير دستورية منذ سنتين، ثم محاصرة مقر "جبهة الخلاص" ومنع قيادييها من عقد ندوة صحافية، ومنع وزير الدّاخلية بقرار إداري غير قضائي لأيّ نشاط حزبي في مقرات "النهضة" في كامل البلاد، يعتبر تطوراً خطيراً ومنعرجاً جديداً يتمثل في مواصلة السلطة استهدافها للسياسيين ومنعها لكل أشكال النشاط السياسي المدني والسلمي، وهذا يعتبر إعلاناً رسمياً من السلطة القائمة على الشروع الفعلي لمنع كل الأنشطة السياسية الحزبية المعارضة".

وأكد القيادي في "الإنجاز والعمل" أنّ "هذه الإجراءات القمعية تساعد على إرساء الأعمدة الأساسية لدكتاتورية جديدة، وهي ترجمة حقيقية لفشل السلطة في إدارة الملفات الحارقة في الدولة، وكذا عجزها عن إيجاد مخرج آمن للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي باتت مستفحلة في البلاد". وتابع: "هذا يعتبر أحد أشكال الإنكار والهروب نحو المجهول، بعيداً عما تقتضيه إدارة الشّأن العامّ من حكمة ورشد سياسي، خاصّة في فترات الأزمات".

وفي السياق ذاته، اعتبر القيادي بحزب "ائتلاف الكرامة" منذر عطية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "إيقاف راشد الغنوشي وبعض قيادات "النهضة" مجرد عملية كلاسيكية، الغاية منها تحقيق الأهداف التالية، أولاً: الحفاظ على بعض من شعبية أوهموه أنه اكتسبها إثر إيقافات سابقة لقيادات سياسية، وثانياً التغطية على عجز النظام عن تعبئة موارد للمالية العمومية وفشل مفاوضاته مع النقد الدولي، وثالثاً استعمال سلاح الفوضى كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي باعتباره المتضرر الأول من أي انفلات أمني في جنوب المتوسط".

وتابع عطية: "الأنظمة الذكية تحاول دوماً احتواء ما يمكن من المعارضة عبر الحوار والاستجابة لبعض مطالبها وتُشركها في الحكم، أما ما نراه من منظومة قيس سعيّد فهو دفع ممنهج لتزداد المعارضة اقتناعاً بفشل منظومة الانقلاب وخطرها على الدولة وعلى مستقبل تونس، والإيقافات هي هروب إلى الأمام ولن تزيد المعارضة إلا إصراراً على رفض هذا المسار الذي لم يجن منه الشعب إلى هذه اللحظة سوى الارتفاع الجنوني في الأسعار، وفقدان المواد الأساسية، والوقوف في الطوابير لساعات من أجل كيلوغرام من السكر".

المساهمون