كرست نتائج انتخابات أعضاء مجلس المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان المغربي، التي جرت، أول من أمس الثلاثاء، هيمنة الائتلاف الحكومي المكون من أحزاب "التجمع الوطني للأحرار" و"الأصالة المعاصرة" و"الاستقلال"، على المشهد البرلماني في البلاد.
وفي تكرار لسيناريو انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي تصدره بـ270 مقعدا من أصل 395 مقعدا، حصد التحالف الثلاثي 85 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الغرفة الثانية للبرلمان المغربي باحتساب مقاعد نقابة "الاتحاد المغربي للشغل" (اتحاد عمالي) الداعمة لحزب "التجمع الوطني للأحرار" ونقابة حزب "الاستقلال" (الاتحاد العام للشغالين بالمغرب) وتحالف رجال الأعمال (الاتحاد العام لمقاولات المغرب) المتحالفين موضوعيا مع حزب رئيس الحكومة المكلف عزيز أخنوش.
وفي ظل هذه السيطرة العددية للائتلاف الحكومي الجديد على مجلسي البرلمان، تبدو الخريطة السياسية المنبثقة عن الانتخابات المغربية الشاملة، تتجه نحو خلق واقع سياسي بثلاثة فاعلين حزبيين وبعوائد سياسية أكبر.
ويأتي في مقدمة تلك العوائد السياسية اشتغال الحكومة المغربية القادمة بأريحية أكبر، بفضل ما توفره لها الأغلبية العددية في مجلسي البرلمان من دعم مريح لم تتمتع به الحكومات المغربية المتعاقبة منذ دستور الربيع العربي في عام 2011. وعلى خلاف الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة زعيم حزب "العدالة والتنمية"، سعد الدين العثماني، التي عاشت طيلة مدة ولايتها على إيقاع الخلافات والتناقضات بين مكوناتها والتي أثرت على حصيلتها وعلى مبادراتها، تبدو الطريق سالكة أمام حكومة أخنوش لتمرير قراراتها وإقرار مشاريع القوانين والإصلاحات لتحقيق الانتظارات المعلقة عليها، وكذا التحديات التي سيكون عليها مواجهتها منذ أول يوم من بداية اشتغالها.
وبرأي المراقبين، فإن بسط التحالف الحكومي الجديد سيطرته على مجلسي البرلمان المغربي من شأنه أن يسهم في استقرار المؤسسات، وتجنب ما عاشته الحكومات المتعاقبة من إعادة ترتيب لأغلبيتها، وإجراء تعديل على الفريق الحكومي بسبب هشاشة التحالفات وعدم انسجامها. كما تمكن سيطرة الأحزاب الثلاثة على المشهد البرلماني من تقليص التوتر مع السلطة التشريعية ومن الرفع من وتيرة الأداء البرلماني.
وبحسب الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، فإن حصول حكومة أخنوش على أغلبية مريحة في مجلسي النواب والمستشارين من شأنه أن يسمح لها بتمرير قراراتها بأريحية، كما قد ينعكس على سرعة الأداء التشريعي وتمرير القوانين، لافتا في تصريح لـ"العربي الجديد "، إلى أن الأغلبية في مجلس المستشارين تملك مفاتيح تبديد الصورة السلبية عن البرلمان من خلال المساهمة الحقيقية في التشريع، وإخراج النصوص القانونية ذات التأثير الإيجابي على حياة المواطنين.
من جانبه، يرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة، رشيد لزرق، أن حصول الثلاثي الحكومي على أغلبية مريحة بمجلسي النواب والمستشارين والجماعات الترابية، يمكن الأغلبية الحكومية من السرعة والفعالية في تنزيل البرنامج الحكومي، ومن تفعيل كل الآليات لإدخال إصلاحات كبرى لمكافحة الفساد ومحاربة اقتصاد الريع، وكل مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية ونهب المال العام، ومواجهة الانتظارات الاجتماعية.
في المقابل، يذهب الباحث في العلوم السياسية، هشام عميري، إلى أن النتائج التي أسفرت عنها انتخابات مجلس المستشارين تفسح المجال لترؤس أحد الأحزاب الثلاثة المكونة للتحالف الحكومي الجديد للغرفة الثانية للبرلمان المغربي بكل أريحية، بخلاف ما كان عليه الأمر في الانتخابات السابقة، حيث كانت رئاسة المجلس تعود للمعارضة، مشيرا في حديث مع "العربي الجديد "، إلى أنه في ظل الواقع البرلماني المنبثق عن انتخابات 2021 ستصبح الأغلبية الحكومية متحكمة في مجلسي النواب والمستشارين، الأمر الذي ستغيب معه المعارضة خاصة داخل الغرفة الثانية.
ووفق عميري، فإن سيطرة الأغلبية على مجلس المستشارين تجعل قدرة المعارضة على دعوة رئيس الحكومة لعرض الحصيلة المرحلية لعمل حكومته، طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 100 من الدستور والمادة 274 من النظام الداخلي للمجلس، غير ممكنة، على اعتبار ما يتطلبه ذلك من توفر نصاب أغلبية أعضاء المجلس، لافتا إلى أن الحكومة لن تجد بناء على ذلك، من يعارض سياستها سواء في مجلس النواب أو مجلس المستشارين.