باشرت شركة "المهندس" التابعة لهيئة "الحشد الشعبي" في العراق، أعمالها في مجال المقاولات والبنى التحتية في القطاعين الخاص والعام، عبر مشاريع عدة في العاصمة بغداد ومدن أخرى، وسط مخاوف من سيطرتها على المشاريع المهمة في الدولة العراقية، بهدف تمويل الفصائل المسلحة المنضوية تحت الهيئة.
ويرى البعض في تأسيس الشركة محاولة لتكرار تجربة "الحرس الثوري" في إيران، بهدف السيطرة على مجالات اقتصادية وتجارية في العراق، باتجاه بناء اقتصاد موازٍ، تحت إدارة هيئة "الحشد"، يمنح الأخيرة استقلالاً مادياً، وينهي بالتالي أي مطالبات بحلها.
سميت الشركة تيمناً بالقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس
ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أعلنت الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، تأسيس شركة عامة باسم "المهندس"، برأسمال يبلغ 100 مليار دينار (68.5 مليون دولار أميركي)، استناداً إلى أحكام المادة 8 من قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997.
والشركة سُميت تيمناً بالقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، الذي لقي مصرعه في الغارة الأميركية، التي استهدفت زعيم "فيلق القدس" قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني 2020.
وأبلغ المعاون التنفيذي لهيئة "الحشد الشعبي" أبو علي الكوفي، "العربي الجديد"، أن "شركة المهندس العامة باشرت وبشكل فعلي تنفيذ عدد من المشاريع، كحال باقي الشركات التابعة للدولة العراقية، وهي تنفيذ مشاريع في محافظات الديوانية وميسان والمثنى وصلاح الدين، وبعض مناطق العاصمة بغداد". وأوضح أن الشركة تسلّمت "أكثر من 60 مشروعاً خدمياً، إضافة إلى مشروع زراعة بادية السماوة"، على الحدود العراقية السعودية.
وأضاف الكوفي أن المشاريع التي تعمل الشركة على تنفيذها، "هي وفق المناقصات الرسمية والمعلنة، من دون أي ضغط، أو تفضيل شركة على الشركة الأخرى".
العائدات المالية تعود لخزينة الدولة
وبشأن عائدات وأرباح الشركة، قال الكوفي إن "كل العائدات المالية للشركة تعود إلى خزينة الدولة، وأي حديث عن محاولة شركة المهندس السيطرة والاستحواذ على المشاريع غير صحيح".
وقال المعاون التنفيذي لـ"الحشد الشعبي": "إننا نعمل على تطوير شركة المهندس من حيث الإمكانيات البشرية والفنية، من أجل تنفيذ مشاريع مهمة واستراتيجية خلال المرحلة المقبلة، في عدد من المدن العراقية، خصوصاً المتعلقة بالجانب الخدمي وتطوير وتأهيل البنى التحتية". وتحدث عن أهمية الاعتماد على الشركات المحلية "بدلاً من الاعتماد على الشركات الأجنبية".
الشركة مسنودة سياسياً
لكن مسؤولاً في الحكومة العراقية، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لـ"العربي الجديد"، إن الشركة دخلت منافسة مسنودة سياسياً، ومن بعض الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، أمام شركات عراقية حكومية ومختلطة لها تاريخ قديم في الأعمال الخاصة بالبنى التحتية".
سمير عبيد: محاولة تكرار تجربة الحرس الثوري في إيران داخل العراق تبقى صعبة التحقيق
وكشف عن "سيطرة أطراف معينة على الشركة من الفصائل النافذة، مثل حزب الله والنجباء وعصائب أهل الحق، والإمام علي وسيد الشهداء".
"المهندس" معفية من الضرائب
ويشير القانون الذي بموجبه أقرت حكومة السوداني شركة "المهندس"، إلى أنها معفية من الضرائب وفواتير الماء والكهرباء والوقود وغيرها، مثل الشركات المملوكة للدولة الأخرى، لكنها ستكون تحت إدارة "الحشد الشعبي"، كما أشار نص قرار تأسيسها.
وشركة "المهندس" العامة للمقاولات الإنشائية والهندسية والميكانيكية والأعمال الزراعية والصناعية، سُجّلت رسمياً يوم 26 فبراير/ شباط 2023 في وزارة التجارة العراقية، بعد موافقة حكومية في 28 نوفمبر 2022 من حكومة السوداني، التي شكّلها "الإطار التنسيقي"، الذي يجمع الكتل والأحزاب الموالية لإيران.
ورأى مراقبون أن الخطوة من فكرة إنشاء الشركة تتمثل في تمدد "الحشد الشعبي" داخل الخريطة العراقية، بعد الاستحواذ على مصانع عراقية سابقة، والإعلان عن تدشين قسم للتصنيع العسكري خاص به، إلى جانب الحصول على معسكرات خاصة به، في شمال وشرق وجنوب البلاد.
والشركة، التي يُتوقع أن تكون نسخة مماثلة لما عليه أذرع تجارية واقتصادية تابعة إلى "الحرس الثوري" الإيراني، قال عنها الناشط السياسي سمير عبيد إنها "تكرار لتجربة الحرس الثوري في إيران، تعمل على تنفيذه الجهات المتنفذة في الحشد الشعبي للسيطرة على مجالات اقتصادية وتجارية في البلاد، بعد هيمنتها سياسياً وأمنياً".
وأضاف عبيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "محاولة تكرار تجربة الحرس الثوري في إيران داخل العراق تبقى صعبة التحقيق. فظروف العراق وطبيعة الشعب العراقي وهوية النظام السياسي في العراق تختلف اختلافاً جذرياً عن ظروف وشعب ونوعية النظام في إيران، وبالتالي من الصعب تحقيق ذلك". وشدد على أن "تجربة السيطرة الاقتصادية للفصائل، أمر مرفوض دولياً، إضافة إلى وجود رفض شعبي واسع لنقل هذه التجربة الإيرانية".
تحول "الحشد" للاستقلال الاقتصادي
من جهته، لفت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الموصل، الباحث في معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية فراس إلياس، إلى أن دخول هيئة "الحشد الشعبي" إلى قطاع الأعمال "يمثل أحد أبرز أوجه تحوّل الحشد للاستقلال الاقتصادي، وبناء هرم مالي وتجاري خاص به، فيما يمكن اعتباره اقتصاداً موازياً، يمثل الضلع الثالث من أضلاع الدولة الموازية في العراق".
فراس إلياس: دخول هيئة "الحشد الشعبي" لقطاع الأعمال يمثل أحد أبرز أوجه تحوّل الحشد للاستقلال الاقتصادي
وأضاف: "بعد امتلاك جناح سياسي وقوة عسكرية، أصبحت الحاجة لقوة اقتصادية مستقلة ضرورة ملحّة، وهي حالة تشبه إلى حد كبير صعود الحرس الثوري في إيران، حيث أصبح الحرس القوة الاقتصادية الثانية في إيران بعد المؤسسة الرضوية، من حيث هيمنته على الاقتصاد الإيراني".
ورأى إلياس، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "استقلالية الحشد في المجال الاقتصادي تمثل رغبة واضحة لإنهاء أي مطالبات تتعلق بإعادة هيكلته. فامتلاك الحشد لقوة اقتصادية، عبر الدخول على خط الاستثمار والتجارة والمال والأعمال في العراق، سيجعله في مأمن عن أي تغيرات سياسية تجري في البلاد".
وتابع: "تدرك قيادات الفصائل المسلحة المنضوية ضمن الحشد الشعبي، أنها بحاجة لغطاء مشروع اقتصادياً، لشرعنة الأملاك والاستثمارات التي تم الحصول عليها بعد الحرب على داعش، عبر السلوكيات التي مارستها (المكاتب الاقتصادية). ومن ثم فإن إدماج كل هذه المزايا ضمن المؤسسات الاقتصادية، التي ستنضوي ضمن شركة المهندس، أو تلك التي ستؤسس حديثاً، ستجعل منه قوة راسخة في صلب النظام السياسي، فضلاً عن توفير مدخل مهم لإدامة التأثير السياسي والأمني في البلاد".
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي غازي فيصل، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "الهدف من تأسيس شركة المهندس، كان منذ البداية، من أجل أن تكون إحدى أدوات الحشد الشعبي وفصائله المسلحة للاستثمار والاستقلال الاقتصادي".
بناء دولة داخل الدولة
وبيّن فيصل أن "قيادة الحشد الشعبي تعمل على استغلال نفوذها الأمني والسياسي، لتحقيق أهداف اقتصادية. والهدف من تأسيس شركة المهندس، هو تأسيس قاعدة لبناء دولة داخل الدولة العراقية، وتحقيق تنافس بين المؤسسات التابعة للحشد والمؤسسات الرسمية الحكومية".
واعتبر أن "إعلان شركة المهندس تنفيذ أعمال مقاولات وغيرها في المدن العراقية، يعني أن الشركة بدأت مشروع التوغل داخل قطاع الاقتصاد والمال والأعمال العراقي. وهذا يؤكد أن الحشد يريد، من هذه الخطوة، الاعتماد على تمويل نفسه ربما خلال المرحلة المقبلة، بعيداً عن الدولة. وهذا يدل على وجود تحدٍ داخل العراق من تمرد الحشد على الكثير من قرارات الدولة".
ويشكل بدء شركة "المهندس" عملها في سياق توسع جديد لمظلة "الحشد" التي تضم أكثر من 70 فصيلاً مسلحاً يوصف أغلبها بالحليف أو المرتبط بإيران، مثل "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"بدر"، و"النجباء"، و"الخراساني"، و"الإمام علي"، و"سرايا عاشوراء"، و"البدلاء"، وغيرها من الجماعات المسلحة، التي يبلغ إجمالي قوامها العددي أكثر من 204 آلاف مقاتل، وفقاً لبيانات حكومية صدرت في عام 2023، ضمن مشروع الموازنة المالية المخصصة لهم.