شهرٌ جديدٌ أخر يُضاف إلى مدة تكليف رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية، الأمر الذي لم يتحقق بعد منذ 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في وقت ما زال يتغلب منطق المحاصصة الوزارية الطائفية على المصلحة الوطنية العليا، بينما ينهار البلد اقتصادياً واجتماعياً وأخيراً صحياً.
ويدير لبنان مجلس وزراء محصورة مهامه بتصريف الأعمال منذ استقالة الحكومة برئاسة حسان دياب في 10 أغسطس/آب الماضي، العاجز عن تحقيق أي إنجاز ميداني في مختلف الوزارات، واليوم يفقد السيطرة على إدارة أزمة كورونا، بقرارات الإقفال العشوائية. وقد بدأت احتجاجات تسجل في الشارع اعتراضاً على تمديد التعبئة العامة حتى 8 فبراير/ شباط المقبل، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، جرت محاولات كثيرة لتقريب المسافة وإزالة العقد الوزارية بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون، ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي يتهمه فريق الحريري بالتعطيل بصفته "الرئيس الظلّ".
وأبرز تلك المحاولات مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي، وآخرها جولات دياب بين عون والحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري لكسر الجمود الحاصل، وكلّها باءت حتى الساعة بالفشل، في ظلّ عدم تسجيل أي لقاء جديد بين عون والحريري منذ حوالي الشهر، وارتفاع وتيرة معركة البيانات بين أوساطهما ومكتبيهما الإعلاميين.
تعليقاً على ذلك، شدد عضو "تيار المستقبل" النائب هادي حبيش، في حديث مع "العربي الجديد"، على أن "الاعتذار أو التراجع غير وارد حالياً، ورئيس الوزراء المكلف مصمِّمٌ على تشكيل حكومة مستقلّة من أصحاب الاختصاص وفق المبادرة الفرنسية لإنقاذ البلاد والنهوض بها اقتصادياً".
وأكد حبيش أنّ "الحريري لا يضيّع الوقت أبداً، حتى في فترة الأعياد، جال على عددٍ من الدول بهدف إعادة لبنان الى محيطه ولا سيما العربي من الباب السياسي، وكسر العزلة بتداعياتها القاسية على الداخل اللبناني".
وبخصوص الزيارات التي قام بها الحريري إلى باريس وتركيا فالإمارات، وجولات أخرى سيقوم بها قريباً، يرى حبيش أنها تأتي في إطار "تعبيد الطريق أمام مشوار النهوض الاقتصادي والإنقاذ فور تشكيل الحكومة، وليس بالضرورة تأجيل هكذا خطوات إلى ما بعد التأليف"، قبل أن يضيف "ولا سيّما أن مواقف الحريري واضحة والكرة في ملعب رئاسة الجمهورية، وهو ثابت بأنه لن يعطي الثلث المعطّل لأي فريق سياسي، وبالطبع لن يحصل التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل وفريق رئيس الجمهورية على تسع وزراء".
من جهته، قال مستشار باسيل أنطوان قسطنطين، لـ"العربي الجديد"، إن "الانطباع الذي تكوّن تجاه رئيس الوزراء المكلف أنه غير مستعجل على تشكيل الحكومة وإلا كان أمضى ما بين بيت الوسط (مقرّ إقامة الحريري) والقصر الرئاسي الجمهوري نصف الوقت الذي أمضاه في التجول ما بين تركيا وفرنسا والإمارات ودول أخرى، وكأنّ هناك قراراً بشراء الوقت، لا نعرف خلفيّاته أو الأسباب الداخلية أو الخارجية التي تدفع به إلى التأخير".
وأضاف قائلا "فريق الحريري وكي يتمكن من تبرير التأخير، دائماً ما يبحث عن شمّاعة يعلّق عليها الأزمة، وإذ به يتهم رئيس التيار الوطني الحر بأنه يقف وراء عرقلة تشكيل الحكومة، علماً أنّ لا أساس لهذه الفرضية من الصحة".
وتابع "الرئيس الحريري تجاوز أكثر من مرّة روحية الدستور التي تدعو إلى تعاون بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لتشكيل الحكومة معاً، لا أن يكون رئيس الجمهورية ملحقاً أو صندوق بريد أو معقّب معاملات مهمته فقط التوقيع على التشكيلة التي يقدّمها إليه الحريري".
ويرى قسطنطين أنّ "رئيس الجمهورية، وبحسب الدستور، هو الشريك الأول والأوحد لتشكيل الحكومة، أما قراءة تيار المستقبل فتوحي وكأن رئيس الحكومة هو الذي يشكل وإذا شاء يستمزج رأي رئيس الجمهورية، وهنا الخلاف الدستوري"، مشيراً إلى أنّ "الرئيس عون لا يمانع مطلقاً لقاء الحريري الذي له أن يصعد إلى قصر بعبدا ويعيد فتح النقاش على قاعدة تشكيل حكومة تحظى بثقة المجتمع الدولي وخصوصاً بشرعية الناس، حاملاً هذه المرّة معه نهجاً مختلفاً في التعاطي مع رئيس الجمهورية".
إلى ذلك، عاد الملف اللبناني إلى الطاولة الفرنسية الأميركية، هذه المرّة من بوابة الاتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، إذ أشار ماكرون إلى أن بلاده ستتعاون مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني والوضع في لبنان.
وأكد مصدر دبلوماسي فرنسي، لـ"العربي الجديد"، اشترط عدم ذكر اسمه، أن مبادرة ماكرون مستمرّة، وباريس تراقب الوضع اللبناني، وتأسف لحالة الجمود الحاصلة في أكثر وقت تحتاج فيه البلاد إلى استقرار سياسي وحكومة فاعلة وتعاون بين القوى السياسية لوضع مصلحة المواطن اللبناني فوق أي مصلحة أخرى.
وأشار إلى أنّ "ماكرون مهتم بالملف اللبناني وكان قد أرجأ زيارته إلى لبنان الشهر الفائت بسبب إصابته بفيروس كورونا، لكن هذا لا يعني أنه سيتراجع أو ينسحب، فهو مدرك لخطورة الوضع في لبنان وتداعياته الكارثية المدمّرة للشعب اللبناني وخصوصاً معيشياً، ولن يتخلّى عنه وسيكون الملف اللبناني ضمن أولوياته".