امتنع النظام السوري حتّى الساعة عن التعليق على الموقف الأميركي الأخير من الجولان السوري المحتلّ، والذي ربط الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان بالتهديدات الأمنية التي تتعرّض لها إسرائيل، بسبب استمرار بقاء بشار الأسد في الحكم ووجود إيران ومليشياتها في سورية، في وقت سارع مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى التأكيد أن الجولان سيبقى إسرائيلياً.
وألمح وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن في تصريحات لشبكة "سي أن أن"، وأعادت وزارة الخارجية الأميركية نشرها بالنص الحرفي أمس الثلاثاء، إلى أن اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتلّ ليس ثابتاً، وهو مرتبط بالتهديدات الأمنية التي تتعرض لها إسرائيل بسبب استمرار بقاء بشار الأسد في الحكم ووجود إيران ومليشياتها في سورية.
ولم يصدر ردّ فعل رسمي من جانب النظام على تصريحات بلينكن، كذلك لم يتخذ مباشرة موقفاً في وقت سابق إزاء إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب سيادة إسرائيل على الجولان، واكتفى بداية بوضع صورة لجندي على صفحة رئاسة الجمهورية، كتب تحتها "الحق لا يموت"، ما اعتُبر أوّل موقف إزاء تلك التصريحات، لكنه عاد بعد عدة أسابيع عبر مندوبه في الأمم المتحدة بشار الجعفري ليدلي بتصريحات تؤكد أن الجولان سوري باعتراف الأمم المتحدة، ولن تغير التصريحات من هذه الحقيقة.
وأوضح الوزير الأميركي أن "الأسئلة القانونية (حول شرعية الاعتراف بضم إسرائيل الجولان) شيء آخر، وبمرور الوقت، إذا تغيّر الوضع في سورية، فهذا شيء سننظر إليه، لكننا لسنا قريبين من ذلك".
وقال إن الجولان في الوقت الحالي مهمّ لأمن إسرائيل، وفي هذا الصدد "إذا ما نحينا جانباً الجوانب القانونية لهذا السؤال، فمن الناحية العملية، الجولان مهم جداً لأمن إسرائيل". وتابع: "طالما أن (رئيس النظام السوري بشار) الأسد في السلطة في سورية، وطالما أن إيران موجودة في سورية، فإن الجماعات المسلّحة المدعومة من إيران ونظام الأسد نفسه، كلّ هذه تشكل تهديداً أمنياً كبيراً لإسرائيل، ومن الناحية العملية، أعتقد أن السيطرة على الجولان في هذا الوضع تظل ذات أهمية حقيقية لأمن إسرائيل".
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اعترف، في مارس/آذار 2019، بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السوري التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 وضمتها في العام 1981. ولم تحظَ الخطوة الأميركية باعتراف المجتمع الدولي.
وسبق أن قال مستشارون للرئيس الأميركي جو بايدن إنه لن يسحب اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، إلا أنه من اللافت ربط استمرار اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان ببقاء بشار الأسد في الحكم، في وقت لم تتحدث فيه الإدارتان الأميركيتان، الجديدة والسابقة، عن عدم شرعيته.
وبعيد تصريحات الوزير الأميركي، سارع مكتب نتنياهو إلى التأكيد أن الجولان سيبقى إسرائيلياً، في حين أكد مسؤول كبير في مكتبه فضّل عدم كشف اسمه لوكالة "فرانس برس"، الثلاثاء، أن "موقف إسرائيل واضح". وبحسب المسؤول الإسرائيلي، فإن مرتفعات "الجولان ستبقى إسرائيلية بغض النظر عن أي سيناريو مستقبلي محتمل".
ورأى المحلل السياسي حسن النيفي أن تصريح الوزير الأميركي فيه الكثير من البراغماتية المعهودة لدى الإدارات الديمقراطية السابقة، فهو من جهة يشير بشكل غير مباشر إلى انتفاء الصفة القانونية لضم إسرائيل الجولان، ولكنه في الوقت ذاته يبرّر لها ذلك نظراً للضرورة الأمنية على حدّ تعبيره، تلك الضرورة، التي يمليها وجود مليشيات إيرانية على الأرض السورية، من شأنها أن تهدّد أمن إسرائيل، حسب ادعائه.
وقال النيفي لـ"العربي الجديد" إن هذه النزعة البراغماتية في جواب بلينكن شجعت نتنياهو على إصدار بيان من مكتبه يتضمن رداً على تصريحات بلينكن، مؤكداً إصرار إسرائيل على قرارها ضم الجولان. وأضاف: "على أية حال لا أعتقد أن تصريحات بلينكن يمكن أن يكون لها تأثير فعلي على قرار إسرائيل، طالما أن الرفض القانوني لقرار ضم الجولان يبقى مبطّناً بقبول أميركي تحت ذريعة الضرورات الأمنية، التي اتخذها الكيان الصهيوني ذريعة له في معظم ممارساته العدوانية.
واحتلت "إسرائيل" ثلثي هضبة الجولان خلال حرب 1967، ثم أعلنت ضمّ هذا الشطر عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، بينما قرّر الكنيست في 14 ديسمبر/كانون الأول 1981، عبر ما يُسمّى بـ "قانون الجولان"، "فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان"، وأيضاً لم يعترف المجتمع الدولي بالقرار ورفضه مجلس الأمن في القرار رقم 497، وتشير وثائق الأمم المتحدة إلى منطقة الجولان باسم "الجولان السوري المحتلّ".
ولتكريس قرار الضم الإسرائيلي للجولان المحتل، عقدت الحكومة الإسرائيلية في إبريل/نيسان 2019 أول اجتماع رسمي لها في الجولان منذ احتلاله عام 1967 ليقوم الرئيس السابق دونالد ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الهضبة.
وبقيت جبهة الجولان هادئة منذ احتلالها في العام 1967 في ظل نظام الأسد الأب والابن، في حين جرت مفاوضات بين إسرائيل وبين النظام على مدى سنوات، بدأت من مؤتمر مدريد في العام 1991 على أساس الأرض مقابل السلام، سرت بعدها أنباء عن أن النظام رفض إقامة سلام مع إسرائيل على الرغم من إبداء الإسرائيليين استعدادهم لإعادة الجولان إلى سورية، بموجب ما عُرف حينها بوديعة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين.
وتحدث محللون إسرائيليون، ومن بينهم البروفسور إيال زيسر، عن أن اعتراف الرئيس ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان هو نتيجة مباشرة للحرب في سورية ولسلوك بشار الأسد، الذي فيه ما يضمن مستقبل الوجود الإسرائيلي في الجولان أكثر من كلّ فعل أو تصريح لزعيم أجنبي أو لزعيم إسرائيلي، بحسب ما نقله عنه موقع "إسرائيل اليوم".