تُعزز الضربات الإسرائيلية المتلاحقة على مواقع يُعتقد أنها إيرانية في سورية، الاعتقاد بأن تل أبيب عززت تفاهمات غير معلنة مع موسكو أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت إلى مدينة سوتشي ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هناك في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لاستمرار قصف أهداف تابعة للحرس الثوري الإيراني في سورية، حيث ازدادت أخيراً وتيرة العمليات الإسرائيلية خصوصاً في محيط العاصمة السورية دمشق.
وذكر موقع "صوت العاصمة" الإخباري الذي ينقل أنباء دمشق وريفها، أن سلاح الجو الإسرائيلي، شنّ ليل الأربعاء غارات جوية استهدفت مواقع تابعة للمليشيات الإيرانية داخل منطقة الفرقة السابعة في ريف دمشق الجنوبي الغربي. ونقل الموقع عن مصادر محلية قولها إن الطائرات الإسرائيلية استهدفت نقطتين تابعتين للمليشيات الإيرانية، داخل "كتيبة الكيمياء" التابعة للفرقة السابعة، والواقعة على أطراف بلدة زاكية. وأشارت إلى أن الغارات الإسرائيلية استهدفت نقطة لتجمع العناصر، ومستودعاً للأسلحة الإيرانية، مؤكدة أن الاستهداف أسفر عن انفجار المستودع بالكامل. ولفتت المصادر إلى أن منطقة الفرقة السابعة شهدت سلسلة انفجارات عقب انفجار مستودع الأسلحة، استمرت لأكثر من ساعة، تزامناً مع اندلاع النيران في منطقة الاستهداف.
هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل مقرات الفرقة السابعة في قوات النظام السوري
من جهتها، قالت وكالة "سانا" الرسمية التابعة للنظام "أنه حوالي الساعة الثانية عشرة و58 دقيقة من فجر (الأربعاء)، نفذ العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً بعدد من الصواريخ من اتجاه شمال فلسطين المحتلة مستهدفاً إحدى النقاط في ريف دمشق بمنطقة زاكية، مما أدى لوقوع بعض الخسائر المادية". وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل مقرات الفرقة السابعة في قوات النظام السوري، إذ نشر الجيش الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الفائت صوراً أظهرت الدمار الذي لحق بمقر هذه الفرقة جراء غارة نفذتها مقاتلات إسرائيلية رداً على زرع ثلاث عبوات ناسفة في المنطقة التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية في هضبة الجولان المحتل.
وجاء قصف ليل الأربعاء بعد أيام قليلة من قصف مماثل استهدف مواقع في ريف دمشق الشمالي الغربي، حيث ذكرت مصادر متقاطعة أن إسرائيل قصفت بصواريخ أرض- أرض في 30 أكتوبر الماضي، مواقع بالقرب من ضاحية قدسيا، إضافة إلى مواقع أخرى في منطقة الديماس، يُعتقد أنها استهدفت اللواء الـ94 التابع للدفاع الجوي. بينما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن القصف استهدف مستودعات للسلاح والذخائر لـ"حزب الله" اللبناني والمليشيات التابعة لإيران، ومقارّ عسكرية لقوات النظام والفرقة الرابعة.
في السياق، رأى اللواء المنشق محمد الحاج علي، في حديث مع "العربي الجديد"، في ازدياد عمليات القصف الإسرائيلي لمواقع في سورية دليلاً "على ازدياد وتيرة توريد السلاح من قبل طهران إلى سورية، وبشكل خاص المسيّرات ووسائط الدفاع الجوي". واعتبر الحاج علي أن التفويض الروسي للإسرائيليين "ليس مطلقاً في سورية"، مضيفاً أن "هناك تفاهمات على تحديد نوع الأهداف، على ألا تضرب إسرائيل أهدافاً يمكن أن تزعزع استقرار النظام".
ويأتي التصعيد الإسرائيلي اتجاه مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في سورية عموماً، وفي محيط العاصمة السورية دمشق على وجه الخصوص، بعد أيام قليلة من لقاء بينت وبوتين في مدينة سوتشي. وبعد ساعات من عودته، قال بينت في كلمة خلال اجتماع للحكومة الإسرائيلية: "توصلت مع الرئيس الروسي إلى تفاهمات جيدة ومستقرة بشأن سورية". وأضاف: "ناقشنا الوضع في سورية بالطبع. بطريقة ما الروس هم جيراننا في الشمال (سورية)، ومن المهم أن ندير الوضع الدقيق والمعقد هناك بسلاسة ومن دون وقوع حوادث".
علوان: موسكو مستفيدة من القصف الإسرائيلي لضبط النفوذ الإيراني
من جهته، اعتبر الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القصف الإسرائيلي لجنوب دمشق فجر أمس الأربعاء "استمرار لنسق استهداف كل المواقع التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله؛ سواء القديمة أو المستحدثة وخاصة في الفرقتين السابعة والرابعة والحرس الجمهوري"، مضيفاً أن هذه الجهات تدعم النفوذ الإيراني في سورية. وتابع أن "التفاهمات بين موسكو وتل أبيب تسمح للأخيرة بالتعامل الناري المباشر مع الفرقتين المذكورتين، في حين أن المواقع التابعة للروس أو التي خارج النفوذ الإيراني من غير المسموح للإسرائيليين استهدافها".
وأشار علوان إلى أن الوقائع تشير إلى أن نتائج لقاء بينت وبوتين "مرضية لإسرائيل"، مضيفاً: "إذ باشرت تل أبيب بعدها جولة من الاستهداف الواسع لمواقع الحرس الثوري الإيراني داخل مقرات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في محيط دمشق وفي وضح النهار على غير العادة، كما حصل في الثلاثين من الشهر الفائت". وتوقع علوان أن يستمر القصف الإسرائيلي على أهداف تابعة للجانب الإيراني في سورية "بناء على التفاهمات التي حُدّثت بين الروس والإسرائيليين في مدينة سوتشي أخيراً"، لافتاً إلى أن "موسكو مستفيدة من القصف الإسرائيلي لضبط النفوذ الإيراني، بما يتوافق مع المصالح الروسية في سورية".
بدوره، رأى المحلل العسكري، العميد أسعد الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القصف الاسرائيلي "يستهدف الحد من الدور الإيراني في سورية"، مشيراً إلى أن الضربات الأخيرة "كانت تستهدف ضرب الأسلحة والصواريخ التي ستذهب إلى حزب الله أو ستنشر في سورية، وتسهم برفع قدرات الحزب القتالية أو قدرات إيران وحزب الله في جنوب سورية".
زيادة: سورية مجال لتوجيه الرسائل لإيران بشكل يومي تقريباً
أما المحلل السياسي رضوان زيادة، فرأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "موقف موسكو لم يتغير، إذ سمحت لتل أبيب بضرب المواقع الإيرانية متى تشاء وأينما تشاء". ووصف زيادة الوضع في سورية بـ"العجيب، إذ إن روسيا متحالفة مع النظام وإيران للإبقاء على الأسد، وفي الوقت نفسه متحالفة مع إسرائيل لإخراج إيران من سورية". وتابع بالقول: "هذا يكشف مدى تعقد التحالفات وهشاشتها، ما يجعل حل الصراع في سورية مسألة طويلة الأمد بسبب تضارب المصالح". وأشار إلى أنه "ليس هناك مؤشرات على أن إسرائيل ستتوقف عند حد معيّن في عمليات القصف"، مضيفاً أن "سورية مجال لتوجيه الرسائل لإيران بشكل يومي تقريباً".
وعلى مدى سنوات الصراع في سورية، لم تنقطع الهجمات الإسرائيلية على مواقع إيرانية، وخصوصا في جنوب البلاد ووسطها، ووصلت في بعض الأحيان إلى ريف حلب الجنوبي الشرقي. ووفق وقائع ومصادر مطلعة في المعارضة السورية، بات النفوذ الإيراني طاغياً في الجنوب السوري، حيث يتخذ الإيرانيون من مقرات فرق عدة تابعة لقوات النظام مراكز لمليشيات يدعمونها. ومن أبرز هذه الفرق، الفرقة الأولى والسابعة في ريف دمشق الجنوبي الغربي، ومقرات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في غربي وشمال غربي العاصمة دمشق. ويُعتبر "البيت الزجاجي" من أبرز القواعد الإيرانية في سورية، وهو موجود في الجهة الشمالية الغربية من مطار دمشق الدولي، وفق دراسة نشرها مركز "حرمون" للدراسات في مايو/أيار من عام 2019. وبيّنت الدراسة أن "البيت الزجاجي" بناء "يتألف من 180 غرفة موزعة على خمسة طوابق؛ اثنان فوق الأرض والباقي تحت الأرض، فيما الطابق الأخير تحت الأرض يحتوي خزائن مليئة بملايين الدولارات التي تنقل جواً من طهران".