تواصل المعارضة التونسية نضالاتها ضد الانقلاب منقسمة، دون أي بوادر لتوحيد صفوفها، في وقت ازداد فيه تضييق السلطات على المعارضين مستفيدة من تشتتهم لاستكمال تنفيذ أجندتها.
وتستقبل الأحزاب والتنظيمات السياسية الذكرى الثانية لانقلاب 25 يوليو/ تموز متفرقة، حيث تستعد لإحياء عيد الجمهورية المتزامن مع ذكرى الانقلاب في مواعيد وأماكن مختلفة، ما يترجم حالة التشظي الذي تعيش على وقعه ساحة المعارضة.
وتحشد جبهة الخلاص الوطني "لاجتماع عام" أمام المسرح البلدي، وسط تونس العاصمة، للاحتجاج والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، اليوم الثلاثاء، فيما دعت تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية إلى مسيرة "مواطنية" تنطلق من أمام مبنى ستوديو 38 بشارع الحبيب بورقيبة في اتجاه ساحة "مية الجريبي".
وينتظر أن تصدر أحزاب معارضة أخرى بيانات بالمناسبة تتضمن موقفها المعارض والمندد بسياسات التفرد بالسلطات وما آلت إليه الأوضاع على غرار ما حدث في العام الماضي.
وتعيش المعارضة التونسية أحلك فتراتها، إذ ورغم إدراكها خطورة الوضع بتزايد استهداف المعارضين بشكل مباشر عبر الاعتقالات والمنع من السفر أو التضييق على النشاطات، فإنها ترفض أي شكل من أشكال التقارب أو التنسيق في نشاطات ميدانية أو لقاءات حول قضايا جامعة، منها استهداف الحريات العامة والفردية وضرب المسار الديمقراطي والتضييق على حقوق الأحزاب.
وتقف جبهة الخلاص، التي تضم حركة النهضة، وحراك تونس الإرادة، وائتلاف الكرامة، وقلب تونس، وقادة من حراك مواطنون ضد الانقلاب، وعدد من الأحزاب المعارضة والشخصيات، في مقدمة التيارات المعارضة الأكثر استهدافا، وحظيت بـ"نصيب الأسد" من الاعتقالات والتضييقيات على رموزها ومقراتها.
ويعد حراك مواطنون ضد الانقلاب من أبرز التيارات المعارضة للانقلاب منذ 25 يوليو/ تموز 2021، ونجح في تحفيز المعارضين والمترددين للانخراط في ساحات النضال، غير أن الحراك عاش خلافا داخليا منذ اندماج قيادته المركزية بجبهة الخلاص التي تأسست في مايو/ أيار 2022، حيث تمسكت بعض رموزه بأشكال نضالية ومواقف مختلفة عن التزامات الجبهة.
بدورها، تعرف تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية (التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل والعمال والقطب) انحسارا وخلافات داخلية حول المواقف من جبهة الخلاص ومسارات مقاومة الانقلاب.
ورغم أن قيادة النهضة رحبت بتوحيد الصفوف مرات عدة مع بقية قوى المعارضة لما تقتضيه المرحلة، تعتبر مكونات الأحزاب الاجتماعية أن التقارب مع حزب النهضة غير ممكن بسبب عدم اعتذاره عما ارتكبه خلال سنوات الحكم وعدم قيامه بمراجعات، متمسكة برأيها بأن النهضة هي المتسبب في ما بلغته البلاد بما في ذلك التمهيد للانقلاب.
ويبدو أن توحيد الصفوف والتنسيق مع جبهة الخلاص يمثل سببا في تذبذب تنسيقية الأحزاب الاجتماعية، ومن ذلك استقالة أمين عام حزب التيار المعتقل غازي الشواشي، وانسحاب الحزب الجمهوري وأمينه العام المعتقل أيضا عصام الشابي، الذي تبين للرأي العام أن سبب حبسهما هو التنسيق بينهما واجتماعاتهما لتوحيد الصفوف، بحسب منسق جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي.
إلى ذلك، عرفت الساحة المعارضة انحسارا غير مسبوق بسبب تراجع مستوى الحريات العامة والتضييقيات بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي طاولت رموز المعارضة من مختلف التيارات السياسية.
واختفت أحزاب كانت بارزة سابقا، على غرار نداء تونس، وتحيا تونس، وقلب تونس، التي كانت في الحكم، فيما ما زالت بعض الأحزاب تقاوم من أجل البقاء، على غرار آفاق تونس والاتحاد الشعبي الجمهوري.
وفي جانب آخر، يواصل الحزب الحر الدستوري معارضة الرئيس سعيد وأيضاً استهداف باقي الأحزاب المعارضة متبعا نهجا مخالفا عن باقي المعارضين، حيث لم تمسسه الاعتقالات، فيما يعتبر مراقبون أنه مستفيد من إنهاك خصومه وخاصة حركة النهضة وجبهة الخلاص.
ويرى المحلل السياسي محمد بن ضيف الله، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة التونسية لم تلتقط رسالة الانقلاب وتواصل العمل منقسمة ومشتتة بعد نحو سنتين من التضييقيات والاستهداف المباشر لرموزها ولنشاطاتها، وهي تفضل اندثارها والتمسك بالمناكفات والاختلافات الأيديولوجية والصراعات التاريخية على العمل المشترك".
وأشار المحلل إلى أن "هناك أحزابا اضمحلت وتلاشت بطميمها وهناك أحزاب بقيت حبيسة البيانات والبلاغات وحتى الجبهات فهي منهكة ومفرغة من رموزها وقواها ومحركاتها".
وتابع "قيس سعيد استفاد من انقسام المعارضة وتشتتها وهو يواصل تنفيذ برنامجه"، مستنتجا أن "سعيد ليس الطرف الأقوى في الساحة السياسية بسبب الدعم الشعبي، بل بسبب ضعف المعارضة وتشظيها".
واعتبر المتحدث الرسمي باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب والقوى الديمقراطية اختارت النزول في مسيرة احتجاجية يوم 25 يوليو/ تموز في شارع الحبيب بورقيبة نظرا لرمزيته وارتباطه بذكرى الثورة وذلك في اتجاه ساحة المناضلة الراحلة مية الجريبي لما تحمله الساحة أيضا من رمزية في مقاومة الديكتاتورية منذ حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي".
وبيّن الصغير أن المعارضة باختلافاتها ستتجمع في شارع الحبيب بورقيبة وقد تلتقي في الشعارات الاحتجاجية لتقاسمها الانتهاكات والصعوبات والإجراءات نفسها.