بعد عام من انتخاب البرلمان الجزائري (12 يونيو/ حزيران 2021)، الذي شهد تغييراً في خريطة أعضائه، بوجود كتلة من الناشطين في الحراك الشعبي، ترشحوا كمستقلين أو ضمن لوائح أحزاب سياسية، وأقل من العام على انتخاب مؤسسات الحكم المحلي (البلديات والمجالس الولائية)، يطرح سؤال جدي عما إذا كان قد أمكن لهؤلاء تحقيق قدر من التغيير، وممارسة الرقابة على الشأن والسياسات العمومية، من داخل المؤسسات النيابية؟
كما يطرح سؤال عما إذا كان الواقع، الذي تحتكم إليه هذه المؤسسات، والعلاقات الوظيفية المعقدة بين السلطة والبرلمان والمجالس المحلية التمثيلية، هي من التعقيد والتداخل ما يجعل تحقيق الكثير من منجزات التغيير خياراً صعباً.
تباين بين كتلتين من الناشطين بشأن المشاركة بالانتخابات
وخلال الحراك الشعبي برز تباين لافت بين كتلتين من الناشطين السياسيين. ودعت الأولى إلى التمسك بخيار الشارع والحراك والاحتجاج السياسي لإجبار السلطة على القبول بالتغيير السياسي وإتاحة المجال للانتقال الديمقراطي.
عز الدين زحوف: حين دخلنا الانتخابات كنا ندرك أن تراكم 60 سنة لن يتغير في سنة واحدة
في المقابل، تبنّت كتلة ثانية خيار "التغيير من داخل المؤسسات"، وانحازت إلى فكرة نقل الحراك الشعبي من الشارع إلى البرلمان ومؤسسات الدولة والحكم المحلي، لتحقيق تغيير سياسي متدرج، وقبلت على أساس ذلك المشاركة في المسار الانتخابي، وترشحت في الانتخابات النيابية.
ويضم البرلمان الجزائري 407 نواب، يتوزعون على ثلاث كتل رئيسية. وتمثل كتلة الحزام الحكومي، الداعم للسلطة وللرئيس عبد المجيد تبون، الأغلبية الساحقة بمجموع 327 نائباً، وتضم حزب جبهة التحرير الوطني (98 مقعداً)، وكتلة المستقلين (84 مقعداً)، والتجمع الوطني الديمقراطي (58 مقعداً)، وجبهة المستقبل (48 مقعداً)، وحركة البناء الوطني، وهي حزب إسلامي (39 مقعداً).
في المقابل، تنفرد حركة مجتمع السلم بكتلة معارضة بـ65 مقعداً، تليها كتلة أخرى تضم 15 نائباً يمثلون مجموعة من الأحزاب الفتية التي حصلت على تمثيل ضعيف، مثل صوت الشعب بثلاثة مقاعد، والحرية والعدالة، وجبهة العدالة والتنمية، والفجر الجديد، والحكم الراشد، بمقعدين لكل منهم، وجيل جديد، والجبهة الوطنية الجزائرية، وجبهة الجزائر الجديدة، وحزب الكرامة، بمقعد واحد.
ويضم البرلمان 307 نواب تساوي أو تقل أعمارهم عن 40 سنة، ما يمثل نسبة 65.60 في المائة من مجموع أعضاء مجلس النواب الـ407. كما أن 305 نواب لديهم مستوى جامعي، بنسبة 74 في المائة من مجموع أعضاء البرلمان، الذي وصل إليه للمرة الأولى 373 عضواً جديداً.
رصيد البرلمان "التشريعي" صفر
ولم يشهد أداء البرلمان الجزائري في عامه الأول تطوراً لافتاً، إذ لا يزال رصيده من المبادرات التشريعية صفر، فيما اقتصر نشاطه على مناقشة القوانين التي تقترحها الحكومة حصراً، وإجراء بعض التعديلات الطفيفة عليها.
ولم يتمكن النواب من إحالة مسودة قانونين اقترحتهما كتل نيابية، يخص الأول قانون تجريم الاستعمار، والثاني تجريم التطبيع. كما لم يتمكن المجلس من تشكيل لجان تحقيق حول قضايا محلية، كانت بعض الكتل قد طالبت بها.
في المقابل، أجبر النواب على تشكيل لجان تحقيق حول أزمة المواد الغذائية وغيرها، تحت إدارة مجلس الأمة، الذي يضم 174 عضواً، بينهم فقط أربعة أعضاء من المعارضة.
وكان أول مؤشر على استمرار الأداء السابق نفسه، هو الطريقة التي تم عبرها انتخاب رئيس للبرلمان في الجلسة الأولى. فبتوجيه من الرئاسة الجزائرية تم التصويت للنائب المستقل إبراهيم بوغالي، بدلاً من أن تؤول رئاسة البرلمان إلى الحزب الفائز بالانتخابات، وهو جبهة التحرير الوطني.
لكن ذلك لم يمنع عدداً من النواب الشباب، من الناشطين السابقين في الحراك الشعبي، من التحرك لنقل مشكلات ولاياتهم إلى البرلمان. ففي حين فتح بعضهم مكاتب في ولاياتهم للتواصل مع المواطنين، فضح آخرون بعض الممارسات السلبية للمسؤولين، إذ كشف نواب من حركة مجتمع السلم بولاية عنابة عن فضيحة في تسيير مستشفى الولاية، ما دفع وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد إلى زيارة المنطقة، وإقالة مسؤولين عن القطاع الصحي في الولاية.
وتمكن نواب يمثلون الجالية الجزائرية في الخارج، مثل إبراهيم دخينات وعبد الوهاب يعقوبي وتوفيق خديم، من حل مشكلات تخص تنقل الجالية وغلاء أسعار تذاكر السفر وغيرها.
نقل شعارات الحراك لمستوى التطبيق
وقال النائب عز الدين زحوف، وهو أحد الوجوه الشابة التي برزت في فترة الحراك الشعبي في العاصمة الجزائر، إن الشعارات التي رفعها الشعب خلال الحراك "تتطلب توفير آليات لتنقُلها إلى مستوى التطبيق، ومن الشارع إلى التشريع، ومن الميدان إلى البرلمان".
وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد": "اقتنعنا بعد أكثر من سنتين من الحراك أنها معركة أدوات وليس شعارات، ومن وجود برلمانيين شرعيين يمثلون الشعب. وبناء على ذلك خضنا غمار الانتخابات مقتنعين بأن الصندوق أحد وسائل التغيير".
ودافع زحوف عن خيار المشاركة في التغيير من الداخل، معتبراً أن هناك منجزاً تحقق بفعل ذلك، وأشار إلى أنه "بعد سنة داخل قبة البرلمان استطعنا إيصال ونقل انشغالات المواطنين، وحل العديد منها، عبر الضغط على السلطات. وهذا أمر لم يكن ممكناً لو اكتفينا بالنقد في الشارع".
التغيير لا يكون في سنة
وأضاف: "حين دخلنا الانتخابات كنا ندرك أن تراكم 60 سنة لن يتغير في سنة واحدة، وهناك فعلاً برلمانيين نزيهين يمثلون الشعب بصدق. أن تكون داخل المؤسسات وتمتلك أدوات الرقابة والتشريع والوساطة والتمثيل خير من البقاء متفرجاً. فمهما خرج الملايين إلى الشارع، فإن التغيير تصنعه المؤسسات".
نور الدين خذير: ما حصل بعد الحراك هو إعادة إنتاج الأطر المؤسساتية نفسها مع بعض التحسينات الهامشية
لكن حل بعض المشكلات الاجتماعية لقاطني حي أو مدينة، بجهد نواب ورؤساء البلديات من النشطاء الذين انحازوا إلى فكرة "التغيير من داخل المؤسسات"، تبقى بالنسبة للبعض غير كافية، طالما أنه ليس هناك تغيير حقيقي على مستوى الممارسة السياسية العامة والفصل بين السلطات والحريات والديمقراطية.
ويذهب نشطاء في الحراك الشعبي الى الاعتقاد بأن "التغيير من داخل المؤسسات" لن يؤدي إلى تحقيق المطالب الرئيسية للجزائريين، المُعلن عنها في الحراك الشعبي، بسبب تحكم السلطة فيها بشكل أو بآخر، وعدم القدرة على تغيير قواعد الحكم وإدارة الشأن العام.
إعادة إنتاج الأطر المؤسساتية نفسها
وأكد الناشط نور الدين خذير، الذي رفض خيار المشاركة في المسار الانتخابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التغيير الذي نادى به الجزائريون خلال الحراك الشعبي منذ فبراير/ شباط 2019، كان يتعلق بالتغيير السياسي والديمقراطي، والذي يبدأ بحوار وتوافقات مشتركة، بينما ما حصل في الجزائر بعد الحراك هو إعادة إنتاج الأطر المؤسساتية نفسها مع بعض التحسينات الهامشية".
واعتبر أن "هذا الأمر يظهر أن الحديث عن التغيير من الداخل غير ناجع، والدليل مثلاً أداء البرلمان الحالي، الذي لا يختلف عن السابق، حتى لو سلمنا بوجود نواب نزيهين".
ولفت خذير إلى أن "خيار التغيير من داخل المؤسسات يمكن أن ينجح عندما تتوفر الظروف السياسية المناسبة، ونزاهة الانتخابات في كل مراحلها، وعندما يتم وضع قواعد اللعبة بصورة مشتركة. لكن بالواقع الجزائري الحالي فإنه ليس خياراً ناجحاً".
وأوضح أن "هناك قوى سياسية كانت قد تبنت هذا الخيار منذ عقدين، وشاركت في الحكومات والمؤسسات النيابية وغيرها، لكن ذلك لم يؤد إلى تحقيق أي تغيير حقيقي. والسبب أن السلطة نجحت في كل مرة في الإبقاء على قواعد الحكم نفسها، ولم تترك للمعارضة هوامش كبيرة للتحرك عبرها داخل المؤسسات".