يقول الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، في مقابلة مع شبكة "أي بي إين" الأفغانية، في 10 أغسطس/آب الحالي، إنه كان آخر من خرج من كابول، وإن وزير الدفاع الجنرال بسم الله خان محمدي خرج قبله، وإن وزارة الدفاع كانت خالية قبل ظهر 15 أغسطس 2021 قبل دخول حركة "طالبان" إلى العاصمة الأفغانية.
ويؤكد، في المقابلة، أنه دعا إلى اجتماع طارئ في مقر وزارة الدفاع ظهر 15 أغسطس 2021، لكنه وجده خالياً من المسؤولين الكبار، وبالتالي قرر الخروج من البلاد، حتى لا تتكرر تجربة الرئيس الأفغاني الأسبق الدكتور نجيب الله، الذي قتل على يد "طالبان" في سبتمبر/أيلول 1996.
غني يحمّل أميركا مسؤولية انهيار الحكومة
ويُحمّل غني، في المقابلة، المبعوث الأميركي الخاص السابق للسلام الأفغاني زلماي خليل زاد، مسؤولية ما حدث في أفغانستان، معتبراً أن تصرفاته خلقت فجوة كبيرة وخلافات حادة بين الطيف السياسي الأفغاني قبل انهيار الحكومة.
محمد مبين ولي: المشاركون في "المجلس الأعلى للمقاومة" لا يشكلون خطراً على الحركة
كذلك صبّ جام غضبه على أميركا، قائلاً إنها سبّبت كل ما حدث في أفغانستان، ومهدت لانهيار الحكومة، بمنح كل عناصر القوات الخاصة الأفغانية تأشيرات أميركية قبل انهيار الحكومة، وإنها لم تُبق من تلك القوات أي شخص إلا وقد أخرجته من البلاد.
وبعدما سيطرت "طالبان" على كابول في 15 أغسطس العام الماضي، وعلى جميع مناطق أفغانستان، انقسم السياسيون الأفغان والمسؤولون داخل الحكومة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول خرج من البلاد قبيل دخول "طالبان" إلى كابول، إلى دول أوروبية أو تركيا، وهم قيادات في معسكر غني، مثل مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب، الذي يعيش في أميركا حالياً، ومدير مكتب الرئيس السابق فضل محمود فضلي، الذي يعيش في السويد. أما غني نفسه، فيعيش في الإمارات، من دون أي وجود فيها لأي من وزرائه أو قادة معسكره.
وأعلن غني، في المقابلة مع شبكة "أي بي إين" الأفغانية، أنّ من السابق لأوانه أن يتحدث عن تشكيل أي كيان سياسي، لكنه شدد، في المقابل، على أن المقاومة المسلحة ليست الحل، داعياً "طالبان إلى فتح صدرها للشعب وأطيافه المختلفة".
وأكد غني أنه يرفض كل ما من شأنه النيل من اللحمة الوطنية، موضحاً أن الأميركيين طرحوا عليه قبل انهيار الحكومة التخلي عن كل المناطق، والحفاظ فقط على كابول وقندهار، لكنه عارض الفكرة، لأنها تقضي على اللحمة الوطنية وتضر بسيادة الدولة.
"مقاومون" ضد "طالبان"
أما القسم الثاني، فهو المعروف بالمقاومين، الذين انضموا في البداية إلى "جبهة بانشير"، التي يترأسها أحمد مسعود، وهو نجل القائد الجهادي السابق أحمد شاه مسعود، ومنهم نائب الرئيس الأفغاني السابق أمر الله صالح، ووزير الدفاع الجنرال بسم الله خان محمدي.
وحاول هؤلاء في البداية مقاومة "طالبان" في ولاية بانشير وبعض المناطق في شمال أفغانستان المحاذية لبانشير، كوادي أندراب. لكن بعد وقوع بانشير بيد الحركة في 6 سبتمبر/أيلول الماضي، توجه مسعود وصالح ومحمدي إلى إحدى دول آسيا الوسطى، كما يقول قيادي في "جبهة بانشير"، لـ"العربي الجديد".
وفي 17 مايو/أيار الماضي، عقد اجتماع في أنقرة شارك فيه 40 قيادياً ومسؤولاً في الحكومة الأفغانية السابقة، تم خلاله تشكيل جبهة جديدة، أطلق عليها اسم "المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية لإنقاذ أفغانستان".
ضياء الحق أمر خيل: الوضع الحالي يستدعي البقاء في البلد والعمل لتغيير الأوضاع
وشارك في الاجتماع الذي عُقد في منزل القائد الأوزبكي الجنرال عبد الرشيد دوستم، وهو نائب غني في الفترة الأولى من حكمه، مستشار الرئيس الأفغاني السابق للشؤون السياسية وزعيم حزب "الوحدة" حاجي محقق، والرئيس التنفيذي للجمعية الإسلامية وحاكم ولاية بلخ، الجنرال محمد عطا نور، وأمير الحرب السابق عبد الرب رسول سياف، ومندوب "جبهة بانشير" أحمد ولي مسعود، عم زعيم الجبهة أحمد مسعود. يشار إلى أن معظم القادة الذين انضموا إلى "مجلس المقاومة" يعيشون بين إيران وتركيا ودول آسيا الوسطى.
ورحب المجلس، في بيان وقتها، بعدم اعتراف المجتمع الدولي بحكومة "طالبان"، مطالباً الحركة بتشكيل حكومة شاملة. لكنه أعلن، في المقابل، دعمه لأي مقاومة مسلحة ضده، معتبراً أن المقاومة ضد "طالبان" في بعض مناطق الشمال الأفغانية شرعية. إلا أن المجلس لم يعلن، منذ اجتماعه في مايو الماضي، أي نشاط سياسي أو أمني.
وقال المحلل السياسي الأفغاني محمد مبين ولي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأفغان لا يتوقعون كثيراً من المجلس، وهم يعتبرون هؤلاء (المشاركين فيه) سبباً أساسياً في فشل التجربة الديمقراطية في البلاد".
وأشار إلى أن "جل قادة تلك الجبهة يعتبرون أنفسهم سياسيين، إلا أنهم في حقيقة الأمر أمراء حرب، كان لهم دور في خلق الأزمة" في البلاد. وأعرب عن اعتقاده أن "هؤلاء لا يشكلون خطراً حقيقياً على حكومة طالبان، إذ لا شعبية لهم".
والقسم الثالث من السياسيين والمسؤولين الأفغان هم من فضلوا البقاء في البلاد. وعلى رأس هؤلاء الرئيس الأسبق حامد كرزاي، ورئيس "المجلس الأعلى الوطني" عبد الله عبد الله، الذي كان يسيطر على نصف الحكومة نتيجة التوافق مع غني بوساطة أميركية، ومستشار الرئيس السابق ضياء الحق أمر خيل، ورئيس مجلس الشيوخ فضل هادي مسلم يار، والسفير السابق في باكستان ووزير المالية محمد عمر زاخيلوال.
وفيما عقدت "طالبان" اجتماعات مع كرزاي وعبد الله، بعد أن كانت قد خرجت تسريبات عن أنها تفكر في تشكيل "مجلس استشاري وطني"، يكون كرزاي وعبد الله ومسلم يار من بين أعضائه، فإن هذا الأمر لم يحصل، بالإضافة إلى أنهم تحت ما يشبه الإقامة الجبرية، إذ لا يمكن المسؤولين السابقين مغادرة البلاد إلا بعد تقديم ضمانات بعودتهم إليها.
ودافع ضياء الحق أمر خيل عن بقائه في أفغانستان. وقال، لـ"العربي الجديد": "إننا نشعر بأمان في بلدنا، ولا بد أن نؤدي دوراً في تطوير أوضاع الشعب وتحسينها". وشدد على أن "الخروج من الوطن ليس حلاً، بل إن الوضع الحالي يستدعي البقاء (في البلد)، والعمل لتغيير الأوضاع، التي تتحسن رويداً رويداً".
"طالبان" تؤلف لجنة للتواصل مع السياسيين السابقين
وأعلنت حكومة "طالبان" في 21 مايو الماضي، تشكيل لجنة برئاسة وزير المعادن وعضو المكتب السياسي شهاب الدين دلاور للتواصل مع السياسيين الذين خرجوا من أفغانستان. وأثمرت مساعي تلك اللجنة عودة بعض المسؤولين السابقين، منهم غلام فاروق وردك، الذي تولى مناصب عديدة في حكومة أشرف غني، ومنها وزارة التعليم، ووزارة الشؤون البرلمانية (عاد إلى أفغانستان في 8 يونيو/حزيران الماضي).
رفض أخوند زاده أن يكون للمسؤولين السابقين أي دور في الحكومة
وعاد إلى أفغانستان في 5 يونيو الناطق السابق باسم وزارة الدفاع الجنرال دولت وزيري، وفي 8 الشهر ذاته رجع النائب السابق لرئيس البرلمان كمال ناصر أصولي، فيما عاد في 9 يونيو رئيس إدارة الطاقة والكهرباء أمان الله غالب.
وسبق أن عاد إلى كابول في 12 فبراير/شباط الماضي رئيس هيئة التفاوض مع "طالبان" عبد السلام رحيمي. وعلى الرغم من الحفاوة الكبيرة التي خصتهم بها الحركة لدى عودتهم إلى البلاد، إلا أنه لم يسمح لهم القيام بأي نشاط سياسي.
"طالبان" ترفض أي دور للمسؤولين السابقين
وجاءت كلمة زعيم "طالبان" الملا هيبت الله أخوند زاده، خلال اجتماع علماء الدين والزعامة القبلية في الأول من يوليو/تموز الماضي لتوضح رؤية الحركة في التعامل مع المسؤولين السابقين.
وقال، وقتها، إن "طالبان" أعلنت العفو عن المسؤولين السابقين، لكن هذا لا يعني أن يكون لهم دور في الحكومة، إذ إن في ذلك "خيانة لدماء الشهداء".
وقالت سفيرة أفغانستان السابقة في النرويج، شكرية باركزاي، لـ"العربي الجديد"، إن "طالبان بحاجة إلى تغيير طريقة تعاملها مع الشعب والشريحة السياسية، وهذا ما يتطلبه الوضع الراهن، وإلا فإن الأمور ستخرج عن سيطرتها".