وصف دبلوماسيون مصريون زيارة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس إلى مصر ولقاءه الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي اختُتمت الخميس الماضي، بأنها تأتي في إطار تعميق العلاقات بين البلدين، وتحقيق التوازن في علاقات مصر الإقليمية بمنطقة البحر المتوسط، خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو إلى مصر في مارس/آذار الماضي، والتي مهدت للتقارب أكثر بين القاهرة وأنقرة.
وزيارة الرئيس القبرصي إلى مصر، هي الأولى خارجياً له منذ انتخابه في فبراير/شباط الماضي، وهو ما يفسره الدبلوماسيون، بأنه تأكيد لاستراتيجية العلاقة بين البلدين، وأن أي تقارب محتمل للقاهرة مع أنقرة، لن يؤثر بأي حال من الأحوال على العلاقة مع نيقوسيا.
ويرى هؤلاء أن تعميق العلاقة مع قبرص، يخدم الجهود المصرية لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة التي أصبحت تمثل حاجة ماسة لأوروبا.
علاقات مصر بتركيا وقبرص
وفي مقابل ذلك، يعتبر مصدر مطلع على سير المفاوضات المصرية التركية، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لا تزال معلّقة ببعض المسائل، منها المطالب المتبادلة في ملف التعامل مع المعارضين لكل منهما، والتسويات النهائية في الملفين الليبي، وغاز شرق المتوسط".
علاقات مصر بتركيا لا تزال تنتظر حل بعض القضايا العالقة
بدوره يرى مساعد وزير الخارجية السابق، رخا أحمد حسن، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "علاقة مصر بقبرص ليست حديثة العهد، وتجمعهما علاقة تعاون مشتركة وثيقة وقوية منذ أيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وذلك بغض النظر عن مشاكلهما مع دول أخرى، وأُضيف لهذه العلاقة خلال السنوات الأخيرة، التعاون المشترك في مجال الطاقة، وإنتاج وتصدير الغاز، في إطار منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم أيضاً اليونان والأردن وفلسطين وإيطاليا وفرنسا وإسرائيل، إلى جانب مصر وقبرص".
ويشدّد على أنه "دائماً ما يؤكد الرئيس القبرصي ورئيس وزراء اليونان (كيرياكوس ميتسوتاكيس)، أن التجمّع الثلاثي، مصر وقبرص واليونان، ليس موجّها ضد أحد، والمقصود هنا الدولة التركية، لأنها أبدت قلقها عند بدء هذا التشكل الثلاثي، خصوصاً في ما نُص عليه بحماية المصالح المشتركة في المنطقة الاقتصادية المجاورة للدول الثلاث".
ويضيف حسن: "هناك أسباب للخلاف بين تركيا وقبرص واليونان، ولكن مصر ليست طرفاً فيها، كما أن كل دولة حرة ولها استقلالية القرار في علاقاتها مع الدول الأخرى، ولا يمكن أن يؤثر ذلك في طبيعة العلاقات الثنائية بين الدول، ما لم يكن هناك ضرر مباشر أو تحالف عسكري ضد الدولة نفسها".
رخا أحمد حسن: هناك مسار مختلف بين مصر وتركيا
ويلفت حسن إلى أن "وزير الخارجية التركي، وفي زيارته الأخيرة لمصر، تقدّم بدعوة مفتوحة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، لتناول الإفطار خلال شهر رمضان، وسنرى هل سيتم هذا اللقاء أم يؤجل".
ويعتبر أن "هناك مساراً جديداً ومختلفاً لاستعادة العلاقات الطبيعية بين مصر وتركيا، وفُتح المجال لإعادة السفراء، وأصبحت القضية مسألة وقت. والسؤال هنا، هل يعود التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء بين البلدين قبل الانتخابات التركية (المقررة في 14 مايو/أيار) أم بعدها؟".
انسجام مصر وقبرص واليونان
من جهته، يشير عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية (مركز دراسات مصري غير حكومي) أيمن سلامة، إلى أن "مصر وقبرص واليونان، ثلاثي منسجم في التوجهات والمنظمات الدولية، بمواقف واحدة، ولا يوجد أي خلاف أو تنازع في كافة الملفات المشتركة".
ويوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما يجمع الدول الثلاث هو معطى مهم ومحدد وهو منتدى غاز شرق المتوسط، وهو معاهدة دولية نافذة، ومقره في القاهرة، وهي قضية مهمة وتؤطر التعاون في مجالات عديدة بين مصر وقبرص".
ويؤكد سلامة أن مواقف البلدان الثلاثة، مصر واليونان وقبرص، حتى هذه اللحظة، واحدة ومنسقة تجاه التوسع التركي في شرق البحر المتوسط، وتحديداً في مسائل التنقيب عن الغاز والاستكشافات في المياه الاقتصادية والجرف القاري سواء لقبرص أو اليونان.
وينوّه إلى أن "قبرص هي الدولة الأولى التي وقّعت معها مصر اتفاقية إطارية لتقاسم مكامن الهيدروكربون، وهي اتفاقية وقعتها حكومتا البلدين في 12 ديسمبر/كانون الأول 2013، وتدور حول تنمية خزانات الهيدروكربون، على أساس خط المنتصف الذي تم إرساؤه في اتفاقية تعيين الحدود البحرية في عام 2003".
ويضيف أن "ما يميز العلاقات المصرية القبرصية في هذا الصدد أن قبرص تعد سابقة في اتفاقيات تعيين الحدود البحرية والاستكشافات، مقارنة باليونان والسعودية ومقارنة بالدول التي لم يتم تعيين الحدود البحرية معها بعد". مع العلم أن التوتر في العلاقات بين تركيا من جهة، وقبرص واليونان من جهة أخرى، بلغ ذروته في صيف عام 2020 حول حقول الغاز في شرق المتوسط.