ثلاث سنوات مرت منذ اعتلاء الرئيس عبد المجيد تبون سدة الحكم في الجزائر، بعد انتخابات رئاسية أُجريت في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019، لولاية تستمر حتى عام 2024.
وجاء انتخابه في خضم حراك شعبي جارف وانقسام كبير في المشهد السياسي في البلاد، بين مؤيد للخيار الدستوري، ومطالب بتغيير جذري للنظام السياسي القائم، إضافة إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية نتيجة الفساد ونهب المال العام، وشبه غياب دبلوماسي منذ عام 2013.
ماذا حقق تبون من تعهداته الـ54؟
خلال حفل تنصيبه رئيساً للجمهورية في 19 ديسمبر 2019، جدد تبون التزامه بتعهداته الـ54 التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، وبات ذلك معياراً يمكن من خلاله قياس مدى تنفيذ تبون لتعهداته، قياساً بالمنجز السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
بالنسبة للإعلام الرسمي والأحزاب الموالية، فإن "المعالم الناصعة للجزائر الجديدة ارتسمت في سنة 2022، من خلال تجسيد أكثر من 80 في المائة من الالتزامات الـ54 لرئيس الجمهورية، فتجاوزت البلاد بذلك مراحل مهمة وحققت الأصعب وتسير بخطى ثابتة نحو القمة وهي مكانتها المستحقة والطبيعية".
على صعيد الواقع الجزائري، فإن تبون باشر منذ اعتلائه السلطة سلسلة إصلاحات دستورية، بدءاً من إعادة صياغة دستور جديد للبلاد تم الاستفتاء عليه في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على الرغم من المقاطعة الشعبية الواسعة للاستفتاء (23 في المائة نسبة المشاركة).
وهو دستور عزز سلطات الرئيس على حساب المؤسسات التشريعية، وأقر جملة من التعديلات المتعلقة بالحصانة النيابية وحصر الولايات الرئاسية والنيابية أيضاً، فضلاً عن إنشاء عدد من المؤسسات الدستورية الجديدة، كالمحكمة الدستورية ومرصد المجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب وأكاديمية العلوم، وتعديل تركيبة المجلس الأعلى للقضاء.
وبغض النظر عن مدى مساهمة هذه التعديلات الدستورية في إحداث تغيير في الساحة السياسية والعلاقات الوظيفية بين مؤسسات الدولة والحكم من عدمه، فإن القواعد الكبرى لصناعة القرار في البلاد، في السنوات الثلاث الأولى من حكم تبون، ظلت هي نفسها بلا تغيير جدي.
وازداد تهميش المؤسسة التشريعية (البرلمان بغرفتيه)، عبر تمرير قوانين حيوية كقانون الاستثمار من دون نقاش نيابي، عبر الضغط على الأغلبية النيابية الموالية، ما دفع النواب من مختلف الكتل إلى إثارة ذلك في أكثر من مناسبة، رفضاً لما يعتبرونه ضغوطاً من السلطة، والاستياء من الحكومة التي يماطل وزراؤها في الرد على استجوابات النواب، على الرغم من أن ذلك يشكل خرقاً للدستور الذي يحدد أجَل الرد على الاستجواب النيابي بشهر.
وقال النائب عن كتلة حركة "مجتمع السلم" عز الدين زحوف، في حديثٍ مع "العربي الجديد": "إذا تفحصنا المتغيرات السياسية خلال السنوات الثلاث الماضية من حكم الرئيس تبون، فإننا نجد أن السلطة السياسية ما زالت لم تخرج بعد من كثير من الممارسات السابقة، وهذا يبدو واضحاً للجميع، على الرغم من خطابها الذي يبدو إيجابياً. لكن في المقابل هناك مركزة للقرار واستبعاد للمؤسسة التشريعية عن دورها الأساس، وهذا في الحقيقة لا يخدم الجزائر الجديدة والتعهدات المعلنة".
القواعد الكبرى لصناعة القرار ظلت هي نفسها بلا تغيير جدي
وانعكس ذلك بشكل واضح على المجال السياسي، إذ تقلص بصورة لافتة النشاط السياسي في الجزائر، لصالح مقاربة حاول تبون فرضها منذ عام حكمه الأول، تخص توسيع المجال لقوى المجتمع المدني والمنظمات، والارتكاز عليها في تعبئة الشارع لصالح خيارات السلطة.
وظهر ذلك واضحاً خلال الانتخابات النيابية التي أُجريت في مايو/ أيار 2021، إذ تم دعم المرشحين المستقلين وممثلي الجمعيات والتنظيمات، لكن النتائج لم تكن في صالح هذه الكتلة، ما دفع تبون إلى الإقرار بفشل الرهان، والعودة للبحث عن حزام حزبي لتأمين الحكومة.
في الشق الاقتصادي، أبدى تبون انحيازاً كبيراً لبناء اقتصاد وطني يعتمد بالأساس على الإنتاج المحلي وخلق الثروة والتحرر الفعلي والمتدرج من التبعية لعائدات النفط. وبدا أن ثلاثة عوامل لعبت لصالح تبون وساعدته في تثبيت خياره الوطني الذي تحمست له مجموع القوى الوطنية، إذ أدت أزمة كورونا وتعطل حركة التوريد، دوراً في إجبار الجزائريين على الاعتماد على المقدرات المحلية وتطوير الإنتاج في بعض القطاعات خصوصاً الزراعة.
كما استفاد تبون من إدارته السابقة لقطاعات ذات صلة على المستوى المحلي والمركزي (شغل منصب وال ووزير للتجارة والسكن ورئيس للحكومة)، لفهم مداخل أزمة الاقتصاد الجزائري والمخارج الممكنة، عبر كبح الواردات ومنع استيراد السلع والبضائع التي يتوفر إنتاجها محلياً.
كما ساهمت أزمة الطاقة العالمية في تعزيز موقف الجزائر المالي، وسمحت لتبون بتنفيذ وتمويل خطة إصلاح اقتصادي ترتكز على تطوير القطاعات المنتجة، كالزراعة والسياحة وإعادة هيكلة القطاع الصناعي، وتحرير أكثر من ألف من المشاريع الاستثمارية المعطلة، وإطلاق مشروع واعد لتشجيع الشباب على إنشاء الشركات الناشئة، وهو ما ساعد الجزائر للمرة الأولى على بلوغ عائدات بسبعة مليارات دولار خارج المحروقات.
وتحدث الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد المجيد سجال عما يصفه بـ"المحراث التشريعي والمقلاع الاقتصادي" الذي حدث خلال السنوات الثلاث من حكم تبون.
وقال في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "الرئيس تبون ورث تركة ثقيلة كبّلت المبادرة الاقتصادية وأصابتها في مقتل، وكان أمام تحدي تفكيك الألغام القانونية المقيدة للاقتصاد الجزائري، وإعادة تهيئة المؤسسات لقواعد اللعبة الاقتصادية"، مضيفاً: "لذلك جرى التركيز في السنوات الماضية على تغيير التشريعات المنظمة للاقتصاد، فجاء قانون الاستثمار لكسر شوكة البيروقراطيين، وقانون المقاول الذاتي الذي يدمج الحرفيين في عالم الاقتصاد الرسمي، وقانون المؤسسات الناشئة وحاضنات الأعمال، وإنشاء بنك البذور والرقمنة وتعزيز أسطول الشحن البحري والجوي".
وتابع: "صحيح أن مؤشرات الاقتصاد الكلي لم ترقَ للطموحات على الرغم من تقليص فاتورة الاستيراد وتحسن معدل النمو الاقتصادي، لكني متفائل بأن تنعكس هذه الإصلاحات إيجابياً على حياة الجزائريين ومستواهم المعيشي".
أولوية للجانب الاجتماعي
وفي السياق، ارتكزت سياسات تبون خلال سنوات حكمه الثلاث الأولى على إيلاء الأولوية للجانب الاجتماعي، إذ أطلق خطة بقيمة ثلاثة مليارات دولار لتحسين معيشة سكان ما تعرف بمناطق الظل (الريف)، والتي تضم بحسب الإحصاءات الرسمية ثمانية ملايين نسمة، وتوصيل الطرق والمياه والكهرباء والغاز، كما أقر منحة بطالة بقيمة 100 يورو للشباب العاطلين من العمل، ومنحة للشباب حاملي الشهادات الجامعية ولم يحصلوا على وظائف.
واعتبر في تصريح سابق أن الجزائر هي الدولة الوحيدة التي تقدّم منحة بطالة للعاطلين في دول العالم الثالث، كما قرر إدماج 700 ألف عامل وموظف كانوا يشتغلون في التعليم والإدارات والمؤسسات بعقود مؤقتة، كان آخرها قراره الإدماج الفوري لـ60 ألف معلم كانوا يعملون بعقود مؤقتة. وعززت هذه القرارات شعبية تبون في الأوساط الشعبية.
في الفترة الأخيرة تُقدّم التقارير الرسمية استمرار حملة مكافحة الفساد وملاحقة المسؤولين والوزراء ومدراء المؤسسات العمومية، في قضايا نهب للمال العام أو سوء تسيير، على أنها إحدى أبرز الالتزامات السياسية التي يعمل الرئيس تبون على الإيفاء بها.
وعزز تبون ذلك بإنشاء هيئة الشفافية ومكافحة الفساد، إضافة إلى إطلاق يد الأجهزة الأمنية في التحقيق في شبهات الفساد، وملاحقة الكارتل المالي السابق وتفكيك ارتباطاته السياسية، وإفشال ما وصفته وكالة الأنباء الرسمية بـ"محاولات بقايا العصابة التي ما زالت تحلم بعودة النظام القديم".
كما أنشأ تبون المفتشية العامة لرئاسة الجمهورية لمراقبة عمل المسؤولين والسهر على تنفيذ القرارات الحكومية. على الصعيد الدبلوماسي، يبدو الإجماع قائماً في الجزائر على أن هناك عودة لافتة للجزائر بقوة إلى المنتظم الإقليمي والمحفل الدولي، بعد سنوات من الغياب والارتباك منذ مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في ربيع عام 2013.
تمركزات الجزائر في المشهد الإقليمي
وفي هذا السياق، أعطى عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري عبد الوهاب يعقوبي تقييماً إيجابياً لتمركزات الجزائر في المشهد الإقليمي.
وقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر نجحت خلال هذه الفترة في تركيز جديد وبعث لعلاقاتها مع الدول العربية ومحور الشرق، تركيا والصين وروسيا، وأعادت رسم علاقاتها مع فرنسا في حدود من الندية، وفرض قواعد جديدة في هذه العلاقة وفي كل ما يتعلق بمنطقة الساحل ضمن قضايا الجوار والأمن القومي، وفي الأزمة الليبية، وهي تحولات مهمة بالنسبة للجزائر ومصالحها".
وأضاف: "كما عادت للعب دور مهم في الملف الفلسطيني، إذ احتضنت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مؤتمر المصالحة الفلسطينية"، يضاف إلى ذلك احتضان الجزائر للقمة العربية في مطلع الشهر الماضي.
برزت مشاكل في قضايا الحريات وتمت ملاحقة صحافيين وسجنهم
في مقابل ما تصفها السلطة وأحزاب الموالاة بالمنجزات المحققة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على طريق إنشاء الجزائر الجديدة، تبرز مشكلات أخرى ظلت طاغية بشكل أو بآخر على المشهد الجزائري، تخص ملفات النشاط السياسي والحريات والإعلام، وعدت أبرز الإخفاقات المسجلة.
في خطاب تنصيبه عام 2019، تعهد تبون "بسقف غير محدود لحرية الصحافة"، لكن هامش الحريات الإعلامية تقلص بشكل غير مسبوق، وترددت السلطة في إصدار القوانين المنظمة لقطاع الإعلام والإشهار.
كما برزت قضايا الحريات وتمت ملاحقة وسجن صحافيين بسبب مواقف ومقالات رأي، وملاحقة عدد كبير من الناشطين المعارضين، بعضهم ما زالوا في السجون، وطُرحت في سياق ذلك مسألة استقلالية المؤسسة القضائية، كما زادت الضغوط على الأحزاب السياسية المعارضة، وتمت المطالبة بحل حزبين سياسيين معارضين (العمال الاشتراكي والاتحاد من أجل التغيير)، وتهديد حزبين آخرين بالحل (حزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية)، والتضييق عليها في أنشطتها، وإغلاق المجال الإعلامي في وجهها.