يحيط الغموض بصفقة "تبادل الأسرى" بين النظام السوري ودولة الاحتلال، إذ تغيب بعض التفاصيل وسط تكتم من جانب السلطات الإسرائيلية، وارتباك لدى سلطات النظام بسبب رفض المعتقلين، اللذين ورد اسماهما أولاً في الصفقة، المغادرة إلى سورية، ما فوت على النظام فرصة استغلال ذلك إعلاميا كما جرت العادة في حالات سابقة.
وحسب وكالة "سانا" الرسمية، فقد تم "تحرير الأسيرين السوريين محمد أحمد حسين وطارق غصاب العبيدان من أهالي محافظة القنيطرة، وذلك في إطار جهود الدولة السورية لتحرير مواطنيها من سجون الاحتلال الإسرائيلي".
وأضافت الوكالة أن ذلك يأتي "استكمالاً لعملية التبادل التي بدأت الأربعاء بوساطة روسية".
وفي هذا السياق، ذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن الشخصين المذكورين هما من رعاة الأغنام، واجتازا الحدود في منطقة القنيطرة الحدودية بطريق الخطأ قبل أسبوعين، ولم يطالب بهما النظام أو يأتي على ذكرهما قبل الآن، لكنه تذكرهما اضطراريا بعد الإشكالات التي رافقت إتمام الصفقة الأولى، والتي كانت تشمل نهال المقت من الجولان المحتل وذياب قهموز من قرية الغجر".
من جانبها، ذكرت القناة "13" الإسرائيلية إن إطلاق سراح الراعيين السوريين يأتي في إطار صفقة لإطلاق سراح الإسرائيلية التي عبرت الحدود إلى سورية، مشيرة إلى أن "هناك تقديرات بأن إطلاق إسرائيل سراح الراعيين، يأتي كبديل عن إطلاق سراح الأسيرين السوريين نهال المقت وذياب قهموز، اللذين رفضا الشروط التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية للإفراج عنهما مقابل إخلاء سبيل الفتاة الإسرائيلية".
وبحسب قناة "i24" الإسرائيلية، لم يوافق الأسيران على شروط الصفقة التي تنص على ذهابهما إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وإبعادهما عن مسقط رأسهما في الجولان السوري، إذ يريدان البقاء في بلدتيهما في الجولان.
لم يوافق الأسيران على شروط الصفقة التي تنص على ذهابهما إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وإبعادهما عن مسقط رأسهما في الجولان السوري
وذكرت القناة أن ذياب قهموز يقضي محكومية مدتها 14 عامًا منذ 2016، بينما تقضي نهال المقت فترة اعتقال بقيود مشددة في بيتها في انتظار جلسات المحاكمة، مشيرة إلى أن اعتقالهما تم على خلفية تورطهما بالتعاون مع "حزب الله"، وفق لوائح الاتهام.
وقالت المقت، في تصريحات لوسائل إعلام النظام السوري إن قوات إسرائيلية وصلت إلى منزلها، صباح الأربعاء، لإخبارها عن مفاوضات تجري لإغلاق ملفها وإلغاء الحكم الصادر بحقها لمدة ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، إضافة إلى 6 أشهر مراقبة تستدعى خلالها في أي لحظة إلى مراكز القوات الإسرائيلية.
وتبين بحسب حديث نهال المقت أنها تقيم في منزلها في مجدل شمس في الجولان المحتل ومحكوم عليها بتقديم خدمات للمجتمع أي العمل يوميا 8 ساعات لمدة ستة أشهر، وقالت إنه طلب منها الانتقال إلى دمشق مقابل إنهاء ملفها إلا أنها رفضت ذلك.
وفيما يتعلق بذياب قهموز فقد رفض أيضا الانتقال إلى دمشق مقابل إطلاق سراحه، وهو بحسب آخر الأنباء لا يزال موجودا في سجن النقب كما أفاد نادي الأسير الفلسطيني.
وشكر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء أمس الخميس الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على وساطته في هذه المسألة.
وقال نتنياهو بحسب تسجيل مصور نشره عبر "تويتر"، إن "فتاة إسرائيلية اجتازت الحدود السورية قبل عدة أيام، تحدثت مرتين مع صديقي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، طلبت مساعدته في استعادتها وهو عمل على ذلك".
وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، تسليم راعيي ماشية سوريين إلى الصليب الأحمر الدولي عبر معبر القنيطرة.
ومطلع عام 2020، أطلقت إسرائيل سراح الأسيرين السوريين في سجونها، صدقي المقت (شقيق نهال المقت) وأمل أبو صلاح، كبادرة حسن نية مقابل إعادة رفات الجندي الإسرائيلي زيخاريا باومل الذي تسلمته بمساعدة روسيا.
من جهته، فتح جيش الاحتلال الإسرائيلي تحقيقًا عاجلًا لمعرفة كيفية تسلل الفتاة الإسرائيلية إلى سورية عبر الحدود في هضبة الجولان المحتلة.
ونقل موقع "ويللا" الإسرائيلي مساء أمس الخميس تفاصيل التحقيق العسكري التي تفيد أن الفتاة عبرت إلى الأراضي السورية قبل أيام في طقس عاصف وتحت المطر والبرد، من منطقة بلا سياج أو عائق يسهل فيها العبور بين جانبي الحدود.
وأضاف أنه بعد عبور الحدود بدأت الفتاة تمشي في أحد الجداول المائية ونزلت منحدراته باتجاه سورية، حتى وصلت إلى إحدى القرى في المنطقة، بحسب التحقيق، الذي ذكر أن الجيش الإسرائيلي لم يعلم الوقت الفعلي لحادثة العبور، ولم يُحدد الموقع الدقيق له حتى الآن.
وأوضحت مصادر أمنية أنه إلى الآن لم يُعثر على صورة دقيقة أو فيديو يوثق المعبر في المنطقة، وجاء التحقيق بناء على طلب المسؤولين الروس في سورية لهذه القضية.
وقال الموقع إنه منذ عبور الفتاة الحدود في الأسابيع الماضية، زاد الجيش الإسرائيلي من مستوى حساسيته تجاه الرعاة في "منطقة الخط الأزرق"، وقدرت مصادر أمنية أن اعتقال الراعيَين السوريين "حدث ليكونا بمثابة ورقة مساومة للمفاوضات المستقبلية".
جدير بالذكر، أن النظام السوري يرفض مناقشة ملف مئات آلاف السوريين في معتقلاته أو إحداث انفراج فيه، برغم المناشدات الدولية، فيما لا تمارس روسيا أية ضغوط جدية على النظام لإطلاق سراح المعتقلين السوريين في سجونه، والذين توفي عشرات الآلاف منهم تحت التعذيب.