استمع إلى الملخص
- "هيئة المساءلة والعدالة" تواصل منع الأفراد المرتبطين بحزب البعث من الترشح وتولي المناصب، رغم عدم وجود فعلي للحزب، وسط انقسام سياسي حول أهمية هذه الإجراءات.
- يُعتبر الحديث عن عودة حزب البعث وسيلة للابتزاز السياسي، بينما يرى بعض السياسيين أن الحزب يحاول استغلال الأوضاع لإعادة تنظيماته، رغم عدم وجوده الفعلي.
تُظهر بيانات وأرقام السلطات العراقية مواصلة عمليات الاعتقال التي تطاول أفراداً متهمين بالانتماء إلى حزب البعث العراقي المنحل، وذلك بالتزامن مع عودة الجدل السياسي والقانوني إزاء جدوى استمرار ملاحقة حزب البعث في العراق بعد مرور 21 عاماً على الغزو الأميركي. وقال جهاز الأمن الوطني في بغداد، في بيان الثلاثاء الماضي، إنه اعتقل 143 شخصاً متهماً بالترويج لحزب البعث خلال العام 2024، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع).
لكن مسؤولاً أمنياً كبيراً في بغداد، قال لـ"العربي الجديد"، معلقاً على هذه الحصيلة إنها "تخص جهازاً أمنياً واحداً"، في إشارة إلى كون الرقم 143 يخص جهاز الأمن الوطني فقط. ولفت إلى أن الشرطة والاستخبارات وأمن "الحشد الشعبي" نفذت عمليات اعتقالات أيضاً خلال الفترة الماضية، طاولت العشرات، وذلك بتهمة الترويج أو الانتماء إلى حزب البعث في العراق. وقد شملت الاعتقالات، وفق المسؤول نفسه، كباراً بالسن فوق عمر السبعين عاماً وآخرين شباناً كانوا بعمر عشر سنوات أو أقل عند احتلال العراق، عام 2003.
تم اتخاذ المئات من عمليات الإبعاد ومنع الترشح أو تولي مناصب إدارية أو القبول في أنشطة اجتماعية بحق مرتبطين بحزب البعث
اجتثاث حزب البعث في العراق
في غضون ذلك أكد مصدر داخل "هيئة المساءلة والعدالة"، التي تُعرف باسم "هيئة اجتثاث البعث"، لـ"العربي الجديد"، أنه خلال العام الماضي، تم اتخاذ المئات من عمليات الإبعاد ومنع الترشح أو تولي مناصب إدارية أو القبول في أنشطة اجتماعية مثل منظمات المجتمع المدني (بحق من يرتبطون بحزب البعث). ويوم الخميس 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وجّه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، رئيس وأعضاء هيئة المساءلة بـ"تقديم تقرير مفصل للحكومة، يتضمن مجمل إجراءاتها وما أنجزته من بيانات، والمتبقي من عملها الذي رسمه لها الدستور والقوانين النافذة"، وفقاً لبيان صدر عن مكتب الحكومة ببغداد.
وواجه هذا البيان موجة من ردات الفعل، خصوصاً أن حزب البعث في العراق غير موجود على أرض الواقع. لكن رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، علّق على بيان الحكومة قائلاً إنه "حفاظاً على التجربة الديمقراطية وحماية المكتسبات الدستورية ومنع هذا الحزب من العودة مجدداً، يجب دعم هيئة المساءلة وتقويتها وإدامة دورها في التصدي لحماية مؤسسات الدولة من تسلل البعث المقبور والعودة إلى الحياة السياسية، وكل مجالات الحياة الأخرى".
لعبة إعلامية
في السياق، قال ثلاثة أعضاء في مجلس النواب، لـ"العربي الجديد"، إن "المسؤولين وتحديداً أعضاء حزب الدعوة، يحذرون دائماً من عودة حزب البعث إلى السلطة، وهذا الكلام غير صحيح، لأن حزب البعث في العراق مندثر عملياً ولم تعد لديه أي تنظيمات على الأرض، ولا توجد لديه أي حاضنة شعبية واضحة". وشدّدوا على أن هذه المخاوف "لا تمثل غير لعبة إعلامية لحرف الرأي العام إزاء المشاكل الكبرى التي يعاني منها العراق". وأضاف أحد هؤلاء النواب، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أن استخدام ملف حزب البعث في العراق وهيئة المساءلة والعدالة "غرضه الابتزاز السياسي وليس المحاسبة القانونية، مع العلم أن هذه الهيئة كان من المفترض أن ينتهي دورها كونها شكلت لغرض انتقالي، وليس العمل لمدة 21 عاماً".
معين الكاظمي: حزب البعث يحاول دائماً العودة إلى السلطة، لكننا لن نسمح بذلك
في المقابل، اعتبر عضو البرلمان، القيادي في منظمة بدر، معين الكاظمي، أن حزب البعث في العراق "يستغل عادة أي حدث أمني أو سياسي داخل العراق، أو الأحداث الإقليمية ليعيد تنظيماته ونشاطه، لكن هذا لن يحدث أبداً"، موضحاً أن "القيادة الأمنية والسياسية في العراق تستشعر هذا الأمر، لذلك تطلق تحذيراتها باستمرار". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حزب البعث في العراق "تراجع كثيراً، وهذا مؤكد لدينا، لكنه لا يزال يستخدم الجماعات الإرهابية من أجل النيل من العملية السياسية، ويحاول دائماً العودة إلى السلطة، لكننا لن نسمح بذلك، وسنقتل كل المحاولات". أما الناشط السياسي من بغداد أيهم رشاد، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب العراقية، جميعها، لا تملك أي منجز على الأرض، وهي مشغولة بميادين الفشل والفساد والسرقات، وتحاول أن تبرر إخفاقاتها من خلال الحديث عن عودة حزب البعث، لكن العراقيين صاروا يعرفون ألاعيب السياسيين التقليدية".
وأضاف أن "الأحزاب الحالية مرفوضة كما حزب البعث في العراق مرفوض، والأحزاب الحالية فشلت في أن تكون بديلاً ناجحاً عن الحزب الواحد الذي حكم البلاد بالحديد والنار". من جهته، قال الباحث في الشأن العراقي إياد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "عودة حزب البعث غالباً ما تكون شماعة تلجأ إليها الحكومات كلما شعرت بالحرج أمام جمهورها"، مضيفاً أن "حزب البعث في العراق لا يملك أي تنظيمات، سواء داخل العراق أو خارجه". وأوضح أنه "ما تبقّت من قيادات الحزب التي فرت خارج العراق عقب الغزو الأميركي فشلت في تجميع نفسها في كيان واحد وتعرضت لانشقاقات داخلية خطيرة وكبيرة أنهت ما تبقّى من هيكل تنظيمي للحزب".