قباطية "خزان الثورة".. 7 شهداء ودمار بأضخم عدوان إسرائيلي منذ سنوات

20 سبتمبر 2024
جرافات الاحتلال تهدم منزلاً تحصن فيه مقاومون في قباطية، 13 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

عدوان الاحتلال على قباطية استمر عشر ساعات

دارت اشتباكات مسلحة بين مقاومين وقوات الاحتلال

قوات الاحتلال نكلت بجثامين شهداء بعد إلقائها من أعلى بناية

على مدار عشر ساعات كاملة خاض ثلاثة مقاومين في بلدة قباطية، جنوب مدينة جنين، شمالي الضفة الغربية، معركة غير متكافئة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي حاصرتهم في مبنى مكون من طبقتين، وقصفته بقذائف "إنيرجا" الحارقة، قبل أن يتمكنوا من الصعود إلى سطح المبنى والاشتباك معها مجددا، إلى أن استشهدوا، لكن الأبشع كان التمثيل بجثامينهم بعد إلقائها من أعلى المبنى إلى أسفل، تزامنا مع اجتياح هو الأضخم منذ فترة طويلة للبلدة التي تلقب بـ"خزان الثورة"، تخلله اغتيال مقاوم في قصف مركبته وقتل 3 شبان آخرين، لتبلغ الحصيلة سبعة شهداء.

والشهداء هم: محمد خالد أبو الرب، وعمر حمزة أبو الرب، وأحمد ماهر زكارنة، ومصطفى فيصل زكارنة، وفادي جودت حنايشة، ومحمد عمر كميل، وشادي سامي زكارنة. واحتجزت قوات الاحتلال جثامين أربعة منهم.

وفرض جيش الاحتلال منذ ظهيرة الخميس، طوقاً شاملاً على المنطقة المستهدفة ونشر القناصة على أسطح البنايات العالية المطلة على المبنى المحاصر، وأطلق الجنود الرصاص باتجاه طواقم الإسعاف والصحافيين وأجبروهم على التراجع.

ووثقت الكاميرات تنكيل جنود الاحتلال بجثامين الشهداء وإلقائهم من السطح بعد تفجير جثامينهم، كما أكد الطبيب الميداني مجاهد نزال الذي كان ضمن طواقم الإسعاف. وقال نزال لـ"العربي الجديد"، إن صوت الانفجار الذي سمع في كافة أرجاء قباطية كان ناتجا عن تفجير الاحتلال قنبلة زرعها بين جثامين الشهداء الثلاثة، قبل التنكيل بهم ورميهم من على سطح المنزل، ومن ثم استقدام جرافة عسكرية لنقل جثامنيهم إلى جهة مجهولة.

وأشار نزال إلى أن العدوان الذي يعد الأوسع على قباطية منذ سنوات طويلة أسفر عن استشهاد سبعة أشخاص من أبناء البلدة، ثلاثة منهم في الاشتباك المسلح ورابع هو ابن صاحب المبنى ووجد جثمانه بعد انسحاب قوات الاحتلال، وخامس في قصف طائرة مسيرة لمركبة، واثنان آخران في مواجهات مع جنود الاحتلال داخل البلدة، في حين أصيب ما لا يقل عن 15 شخصاً، ثلاثة منهم جروحهم خطيرة، وسط عمليات تخريب وتدمير للطرق الداخلية في البلدة والطريق الرابط بينها وبين مدينة جنين.

وقال الناشط السياسي حسان نزال لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال رصد على ما يبدو خلية مقاومة بدأت تنشط داخل قباطية بشكل جلي، حيث سبق أن حاصر أفرادها داخل أحد المنازل على أطراف البلدة قبل أيام، إلا أنهم استطاعوا الانسحاب، ولاحقا جرى اعتقال أحد الشبان في عملية خاطفة قبل يومين، مضيفا: "أمس تمت محاصرة منزل مكون من طبقتين قرب الملعب البلدي كان يوجد بداخله ثلاثة من المقاومين، وجرى ضرب طوق أمني كامل على المنطقة، ما حول أكثر من ألف طالب كانوا في مدرستين حكوميتين لا تبعدان عشرات الأمتار عن موقع الحدث لرهائن بيد الاحتلال، خاصة مع انتشار القناصة على أسطح البنايات العالية".

وبعد اشتباك مسلح استمر عدة ساعات بدأ مع الظهيرة وانتهى قبل غروب الشمس تقريبا، وإطلاق الاحتلال قذائف "إنيرجا" على المنزل، اضطر الشبان للصعود إلى السطح والاشتباك مع القوات المتمركزة على الأسطح المجاورة، قبل استشهادهم.

وقال رئيس بلدية قباطية أحمد زكارنة لـ"العربي الجديد"، إن "ما جرى يندرج في إطار التصعيد بالضفة، لكن العدوان هذه المرة مارس وحشية كبيرة، خاصة أن الاقتحام تزامن مع قرب انتهاء دوام طلبة المدارس، ولولا يقظة المسؤولين وحرصهم على سلامة أبنائهم لكان المشهد مختلفا".

وأضاف "حوصرنا لساعات طويلة داخل مبنى البلدية برفقة الموظفين والمراجعين وعدد كبير من الطلبة الذين لجأوا للاحتماء بالبلدية مع بدء العدوان، في حين كان نحو ألف طالب في مدرستين حكوميتين يعيشون رعبا حقيقيا، ولم نتمكن نحن وهم من المغادرة إلا مع انسحاب الاحتلال". 

قباطية.. "خزان الثورة"

ويقول الناشط السياسي حسّان نزال إن بلدة قباطية كانت على مدار الثورة الفلسطينية "خزانا لا ينضب"، مضيفا أن المئات من أبناء البلدة "خاضوا غمار الفعل المقاوم بكل أشكاله، وكلما اعتقد الاحتلال أن بركان قباطية قد خمد، يُفاجأ بخروج مجموعات جديدة تواجهه وتنال منه". ويشير الناشط إلى أن لقباطية دوراً كبيراً في الدعم والإسناد للمقاومين داخل جنين ومخيمها، مضيفا "رغم كل محاولات تقويض الفعل المقاوم، من خلال الاعتقالات والملاحقات والتهديد والابتزاز، لكن قوات الاحتلال لم تنجح في إنهاء الوضع الثوري في بلدتنا، خاصة أنه يستند إلى إرث وتاريخ مشهود على مستوى الوطن".


وقال إن البلدة أدت دورا في الدعم المادي والإغاثي في فترات محاصرة مدينة جنين، "فقد كانت تتحول لخلية نحل تستقبل المساعدات القادمة من المحافظات الأخرى وتعمل على فرزها وتنظيم إدخالها للمناطق المحاصرة".

تاريخ من المقاومة

يتحدر من بلدة قباطية العديد من المقاومين الذين واجهوا الاحتلال الإسرائيلي ومن قبل الانتداب البريطاني. من بينهم، محمد سباعنة، الذي أطلق عام 1930 النار على المستشار القضائي لحكومة الانتداب في فلسطين وهو الصهيوني نورمان بنتويش. وفي عام 1937 قتل محمد أبو جعب، وهو أحد رجال الشيخ عز الدين القسام، حاكمَ اللواء الشمالي "أندروز"، وبعدها بعام اغتال أحمد أبو الرب الحاكم العسكري لمدينة جنين المعروف بـ"موفيت"، الذي عُرف بعداوته للفلسطينيين.

وفي ستينيات القرن الماضي التحق عشرات من أبناء البلدة في صفوف الثورة، واختارها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قاعدة انطلاق للعمل المقاوم وأقام بين أبنائها وفي جبالها، وخرج من إحدى مغاورها عام 1967، بعد قدومه من الأردن. 

ومن قباطية انطلقت الأجنحة العسكرية لمختلف الفصائل، مثل مجموعات الفهد الأسود، وشكّلت مصدراً رئيسياً حيوياً لسلاح المقاومة على مستوى الضفة. وكان الشهيد رائد زكارنة من قباطية وراء واحدة من أبرز العمليات الاستشهادية، حيث فجّر سيارته المفخخة في مدينة "العفولة" في الداخل الفلسطيني عام 1994، موقعاً عشرات القتلى والجرحى.