- التغييرات الدبلوماسية تعكس استراتيجية الجزائر لتعزيز موقعها السياسي والاقتصادي في أفريقيا، خاصةً في ظل الأزمات الدبلوماسية مع دول مثل مالي والنيجر، وتسعى لفتح صفحة جديدة من العلاقات.
- توجه الجزائر نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول غرب ووسط أفريقيا، من خلال تعيين سفراء جدد وتعزيز مشاريع الطاقة والتجارة، يهدف إلى تحقيق اختراق اقتصادي وتعزيز مكانتها كشريك اقتصادي رئيسي في القارة.
تكشف لائحة التغييرات التي أقرّها الرئيس عبد المجيد تبون في الجهاز الدبلوماسي الجزائري عن تغيير كبير لسفراء الجزائر في دول الساحل ومنطقة غرب أفريقيا، وهي خطوة تتزامن مع معطيين أساسيين، الأول تداعيات الأزمة الدبلوماسية الطارئة بين الجزائر وبعض دول الساحل، كمالي والنيجر، في مقابل تطوّر باتجاه تصاعدي لعلاقات الجزائر مع دول غرب ووسط أفريقيا، ضمن مسعى جزائري لافت للعودة إلى التمركز السياسي والاقتصادي في القارة.
ومن بين 28 سفارة عرفت تغييراً بفعل قرار الرئيس تبون، تبرز التغييرات التي مسّت أربعة من سفراء الجزائر في دول الساحل، هي مالي التي عُيّن فيها كمال رتياب، والنيجر التي عُيّن فيها أحمد سعدي، وكلاهما عملا سابقاً في الدولتين اللتين عُيّنا فيها، بالإضافة إلى تشاد التي عُيّن فيها جاوتي فيصل، وبوركينا فاسو التي عُيّنت فيها سلمى منصوري، وهي دول تمثل بالنسبة للجزائر، بحكم الجوار والقرب الجغرافي وتماثل التحديات الأمنية والسياسية، محل تركيز واهتمام خاص، بسبب الظروف والمعطيات التي تحكم هذه الدول في الفترة الأخيرة، من حيث عدم الاستقرار والهشاشة السياسية من جهة، وبفعل المخاوف الجزائرية الجدية من تطورات غير محمودة، عبّرت عنها الرئاسة الجزائرية بما وصفتها بـ"توترات مخطط لها" في المنطقة من جهة أخرى.
وتفسر هذه العوامل رغبة الجزائر في إحداث تغييرات في سفاراتها، وتجديد الواجهة الدبلوماسية في دول الساحل هذه، خاصة بالنسبة لدول طرأت بعض المتغيرات على علاقتها مع الجزائر، كمالي والنيجر، بعد أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع هذين البلدين، نتج عنها تجميد الاتصالات السياسية لفترة، وتبادل استدعاء السفراء.
وعلى مستوى آخر، يُفهم من سياق التغيرات في سفارات الجزائر في دول الساحل، إرسال الجزائر إشارات إيجابية إلى قادة وحكام هذه الدول، خاصة مالي والنيجر، برغبة أكيدة لطي كامل لتداعيات الأزمة الدبلوماسية الأخيرة، وانفتاح جزائري على مسعى لصفحة اتصال وتواصل جديدة، عبر قنوات ودبلوماسيين لا تقف الأزمة السابقة حائلاً بينهم وبين السلطات في هذه الدول.
وفيما تفسر الحكومة الجزائرية هذه التعيينات بمسعى "تفعيل الجهاز الدبلوماسي، وتحسين أداء العمل الدبلوماسي في ظل الرهانات الحالية"، يعتقد الباحث في الشؤون السياسية والأمنية خالد خلاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تغيير السفراء في دول الساحل يكون في الغالب مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للسلطات الجزائرية"، مشيراً إلى أن "هذه الدول ذات أهمية خاصة بالنسبة للجزائر على الصعيد السياسي والأمني، لكن هذه المرة أعتقد أن تغيير السفيرين في كل من مالي والنيجر كان ضرورياً بعد الأزمة الدبلوماسية، وفي العادة، مثل هذه الأزمات تترك مخلّفات في العلاقة بين الدبلوماسي وسلطة البلد المعتمد، لذلك يصبح التغيير حتمياً، وفي الحالة الجزائرية يمكن أن نفسرها بأنها رسالة إيجابية من الجزائر إلى حكام بماكو ونيامي بالرغبة في فتح صفحة جديدة".
اهتمام اقتصادي
على صعيد آخر ومختلف نسبياً في الدوافع، تبرز في لائحة الحركة الدبلوماسية تغييرات مسّت سفارات الجزائر في عدد من الدول في غرب ووسط أفريقيا، وهي دول باتت تمثل بالنسبة للجزائر محور اهتمام خاص على الصعيد الاقتصادي، حيث تسعى الجزائر لبناء وتوسيع خط شراكة اقتصادية، يتضمن فتح مسارات جديدة لتدفق السلع والبضائع الجزائرية إلى غرب ووسط أفريقيا، تزامناً مع قرب انتهاء الطريق الصحراوي، وطريق تندوف الجزائري والزويرات الموريتاني، وعودة شبكة النقل الجوي الجزائري إلى عمق أفريقيا، وبداية تمركز شركة المحروقات الجزائرية "سوناطراك" للعمل في بعض الدول الأفريقية.
ضمن هذه التصورات الاقتصادية، قرّرت الجزائر إيفاد سفير جديد إلى نيجيريا، هو حسين مزود، خصوصاً أن نيجيريا تمثل في الوقت الحالي اهتماماً خاصاً بالنسبة للجزائر في مجال الطاقة ومشروع أنبوب الغاز (نيجيريا - النيجر - الجزائر) الذي يعبر إلى أوروبا، وهو خط تسعى الجزائر إلى إقناع أبوجا بإنجازه، في ظل منافسة من جانب المغرب الذي يسعى للحصول على المشروع.
كذلك، يدخل تعيين السفير امقران مراد في كامبالا ضمن نفس السياق، إذ ومنذ زيارة الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيي إلى الجزائر في مارس/ آذار 2023، تم فتح الباب واسعاً للسلع الجزائرية في أوغندا، وبدأت مناقشات حول إمكانية إقامة شراكة في التنقيب عن النفط في هذا البلد، ويعزز هذا التوجه الجزائري بحثاً عن تحقيق اختراق نحو العمق الأفريقي بعد غياب لافت منذ 15 سنة بحسب وزير الخارجية أحمد عطاف، تعيين عبد الكريم طواهرية، وهو أحد أبرز الدبلوماسيين الجزائريين، سفيراً في غينيا كوناكري، بعد تحقيقه لنجاحات مهمة في العلاقات الجزائرية الإيطالية، اقتصادياً خاصة، في غضون السنوات الثلاث الماضية، فيما ينطوي تغيير سفير الجزائر في أديس أبابا، وإيفاد سلمى مليكة حدادي سفيرة جديدة، على مسعى لتنشيط عمل البعثة الجزائرية في الاتحاد الأفريقي، تماشياً مع رهانات قارية، بينما شملت التغيرات دول بوروندي، وغانا، وزامبيا.
وبالنسبة لمحلل شؤون الاقتصاد والتجارة مراد ملاح، فإن الدوافع الاقتصادية تبدو حاضرة في المتغير الدبلوماسي الأخير، مؤكداً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما يمكن ملاحظته أن التغييرات الدبلوماسية ركزت هذه المرة على دول القارة الأفريقية، وأعتقد انها جاءت من منطلق تصور يسعى إلى ربط الجهد الدبلوماسي بالعامل الاقتصادي مع دول أفريقية أصبحت في قلب الاهتمام الجزائري، تزامناً مع انضمام الجزائر رسمياً لمنطقة التجارة الأفريقية الذي سينظم بشأنها حفل رسمي في 15 إبريل/ نيسان".
وتحدث عن أنه "في الفترة الأخيرة، هناك اهتمام من قبل الجزائر بسوق شرق أفريقيا كأوغندا وبوروندي، والذي يضم كتلة سكانية مهمة تتميز بقدرة شرائية مقبولة".