استقبلت قوى وأحزاب سودانية، اليوم الجمعة، إعلان المبادئ الموقع بين الجيش وقوات الدعم السريع، بتفاؤل مشوب بالحذر والتخوف، سيما وأنّ الإعلان لم يشر إلى بدء عملية سياسية، وركّز على القضايا الإنسانية في غالب بنوده.
ووقع طرفا الصراع المسلح، أمس الخميس، في مدينة جدة السعودية، على إعلان مبادئ لضمان حسن النوايا وحماية المدنيين، تحت رعاية أميركية سعودية، وهو أول اتفاق من نوعه يتم توقيعه بين الجيش وقوات الدعم منذ اندلاع الاشتباكات بينهما في 15 إبريل/ نيسان الماضي.
وقال أسامة سعيد، الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية في السودان وهو تحالف لأحزاب وحركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام مع الحكومة 2020، إنّ اعلان جدة "بمثابة قاعدة أساسية لانطلاق الحوار حول قضايا وقف إطلاق النار الدائم وآليات المراقبة، وكل محادثات فض النزاعات التي تبدأ من تلك النقطة".
وأبدى سعيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، تفاؤله في أن يؤدي التوقيع إلى وقف الحرب، "إذا توفرت الإرادة عند الطرفين"، موضحاً أنّ المطلوب هو الالتزام الصارم بما تم التوقيع عليه.
وأشار إلى أنّ "المجتمع الدولي توحد حول قضية واحدة وهي وجوب وقف الحرب في السودان، وهذا ما يعزز نجاح إعلان جدة في فتح الطريق لحل الأزمة السودانية بإشراك القوى المدنية في المرحلة الثانية من الحوار؛ لأنّ الأزمة في المقام الأول أزمة سياسية، وحلها سياسي وليس عسكرياً"، بحسب تقديره.
ويتضمن الاتفاق مقدمة تمهيدية و6 بنود أساسية، ولم يتطرق إلى أي قضايا عسكرية أو سياسية، وعمد الطرفان إلى النص على ذلك، وأصرّا على عدم الربط بين الإعلان والانخراط في أي عملية سياسية، كما جاء في مقدمة الاتفاق.
ويُعد الاتفاق، أول اختراق للمبادرة السعودية الأميركية، التي يتوقع أن تواصل مساعيها في الاتفاق على وقف إطلاق نار لفترة طويلة أقلها شهر، وفقاً لمصادر قريبة من المفاوضات تحدثت لـ"العربي الجديد"، ثم يعقب ذلك وقف دائم لإطلاق للنار، وصولاً إلى مرحلة تفاوض سياسي بمشاركة القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري السياسي في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتعتبر المرحلة السياسية، الأصعب، لجهة تمترس كل طرف على مواقف صعبة، فالجيش يصرّ على مناقشة قضايا عسكرية فقط، وعدم الخوض في أي تفاوض سياسي، لأنّ القضية وفق وجهة نظره، أزمة تمرد قوات الدعم السريع التي كانت جزءاً من المنظومة العسكرية والأمنية في البلاد، بينما تصرّ قوات الدعم السريع على نقاش سياسي يفضي إلى تسليم الحكومة للمدنيين وإجراء إصلاح عميق داخل الجيش بما يشمل إبعاد مؤيدي النظام السابق، والتحقيق في منْ بدأ الحرب، وفق قولها.
ولم يؤثر إعلان المبادئ في التطورات على الأرض أو يظهر حسن نوايا الطرفين، فبعد ساعات منه تواصلت الاشتباكات، مساء أمس الخميس، وصباح اليوم الجمعة، وتحديداً المناطق الساخنة هذه الأيام مثل وسط الخرطوم ومنطقة شمال بحري حيث سُمع دوي انفجارات في مناطق شمبات والحلفايا في ساعات المساء، وبدأ الاشتباك بوسط الخرطوم في ساعات الصباح، فيما يعم هدوء حذر غالب المناطق بالعاصمة الخرطوم.
من جانبه، قال مستشار قوات الدعم السريع أحمد عابدين، إنّ توقيع إعلان جدة "خطوة في الاتجاه السليم نحو التمهيد لبناء تفاهمات لبناء أمل للسودانيين في إمكانية تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، لبدء محادثات سياسية تفضي إلى حل الإشكال الكلي".
وأشار عابدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ العراقيل أكبر، وترجيح كفة الحرب هو المسيطر الآن، رغم الإعلان، مضيفاً أنّ "الجيش السوداني يعاني ضغطاً عالياً من مناصريه لتحقيق انتصار ولو رمزيا في العاصمة الخرطوم، لذا معارك الأرض الآن تحتدم للسيطرة على مواقع استراتيجية كالقصر أو القيادة العامة أو مطار الخرطوم أو مصفاة الجيلي؛ وهي مواقع أحكمت قوات الدعم السريع قبضتها عليها، وبدأت في الانفتاح على مناطق أخرى مثل كبرى الحلفايا، التي تؤدي مباشرة إلى القاعدة الحربية الرئيسية (وادي سيدنا)".
وقال عابدين إنّ "تعدد مراكز القرار داخل الجيش وضبابيتها، لا يمنحان ثقة في توقيع وقف لإطلاق النار، حيث يستميت أنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير في دعم خيار الحرب لسحق قوات الدعم السريع؛ العقبة الصلبة في سبيل سعيهم للعودة إلى الواجهة، والسيطرة على المشهد السياسي الكلي"، مضيفاً أنّ "هذا هو الهدف الرئيس الذي اندلعت بسببه الحرب".
واعتبر أنّ "عدم تحمّس المجتمع الدولي وكل جيران السودان للحرب كفيل بردع المتشددين لاستمرار الحرب ولو أنه سيحتاج لوقت أطول"، مبيّناً أنّ "إصرار قادة الجيش وعلى رأسهم ياسر العطا مواصلة القتال، ربما تحول ضدهم في ظل تفوق قوات الدعم السريع في قتال الشوارع والمدن، والذي قد يؤدي لسيطرتها على العاصمة كلياً ما يضع البلاد في تعقيدات مؤسفة". وقال إنّ "أحداً لا يرغب في إذلال الجيش الوطني من فصيل يتبع له".
من جهتها، رحّبت قوى إعلان الحرية والتغيير، اليوم الجمعة، بالتوقيع على إعلان الالتزام بحماية المدنيين. وقالت، في بيان، إنّ "ما جرى خطوة أولى مهمة صوب إنهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ 15 إبريل/ نيسان الماضي".
وحثّ البيان، الطرفين على "الالتزام الصارم والجاد بما اتفق عليه، والمضي قدماً إلى الأمام وصولاً إلى وقف دائم ونهائي لإطلاق النار و"إنهاء الخلافات بالحوار بعيداً عن استخدام للعنف والقوة المسلحة، لحين الوصول إلى وقف شامل ودائم ونهائي وتحقيق تطلُّعات الشعب السوداني في الانتقال المدني الديمقراطي والإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود لجيش مهني وقومي واحد ملتزم بواجباته الدستورية وخاضع لأجهزة الحكم المدنية ولا علاقة له بالسياسة".
وعلّق الصحافي السوداني مجدي عبد العزيز على الاتفاق "الإنساني"، باعتباره "صيغة حكيمة وأداة فعالة إن قدر لها التنفيذ، لإيقاف جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني التي شرعت في ارتكابها مجموعات المليشيات المتمردة، بعد فقدانها للقيادة والسيطرة ولقدرة تنفيذ خطط عسكرية ذات اهداف تكتيكية او مرحلية".
وقال عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنّ مفاوضي القوات المسلحة والدولة السودانية ذهبوا إلى جدة بهدف إخراج تلك المليشيات بطرق غير عسكرية من المستشفيات والمرافق الخدمية.
وحول الصعوبات التي يمكن أن تواجه تنفيذ إعلان المبادئ، رأى عبد العزيز أنّ أغلبها سيكون على الأرض، "إن لم تستطع قيادة المليشيا السيطرة على قواعدها وتنفيذ تعليماتها لأنّ كثيراً من الشواهد تشير إلى أنّ بعض هذه المجموعات أصبح فقط هدفها الحصول على أموال البنوك المنهوبة أو الاستيلاء على سيارات وممتلكات المواطنين، ولم تعد تنضوي تحت منظومة متماسكة تسعى لتنفيذ خطة حربية ذات أهداف محددة كما كان عند انطلاقها في 15 إبريل/ نيسان" الماضي.
ولفت عبد العزيز، إلى استحالة العودة إلى المسار السياسي بنسخة الاتفاق الإطاري، لأنّ ذلك الاتفاق، بحسب وجهة نظره، "وصل إلى نهاياته".
وتوقع إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة لمواجهة آثار هذه الحرب وما أحدثته من دمار، "وربما تشكل حكومة تصريف اعمال لذلك الغرض"، مبيّناً أنّ "قيادة القوات المسلحة وعدت بالتشاور السياسي المفتوح هدفه النظر في وضع صيغة سياسية لانتقال البلاد إلى مرحلة الشرعية الديمقراطية".
ونص إعلان جدة على حماية المدنيين وكيفية تقديم الدعم الإنساني لهم، وأكد الطرفان التزاماتهما الأساسية بموجب القانون الدولي الإنساني لتيسير العمل الإنساني من أجل تلبية احتياجات المدنيين، كما أكدا التزامهما الراسخ بسيادة السودان والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه، وتعهدا بضمان حماية المدنيين في جميع الأوقات، ويشمل ذلك السماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق الأعمال العدائية الفعلية، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، والامتناع عن أي هجوم من المتوقع أن يتسبب في أضرار مدنية عرضية.
كما اتفق الطرفان على إجراءات انسانية متعلقة بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات لهم، وعدم استخدامهم كدروع بشرية، إضافة إلى جدولة المناقشات الموسعة اللاحقة لتحقيق وقف دائم للأعمال العدائية.