يطرح تعيين تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" قائداً جديداً له، هو أبو عبيدة العنابي، الكثير من الأسئلة عن التوجه الذي سيعتمده التنظيم في الجزائر والساحل بعد فترة ضعف وتراجع لافت لنشاطه بسبب الضربات الموجعة التي وجّهها إليه الجيش الجزائري بتحييد أكثر من 500 من عناصره بين قتل واستسلام منذ عام 2018، ونجاح أجهزة الأمن الجزائرية في تفكيك مجموعاته، وماهية خططه في تنفيذ تهديداته باستهداف المصالح الجزائرية ودول الساحل والقوات الفرنسية المتمركزة في المنطقة.
وأوجدت "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" قيادة جديدة لها خلفاً لعبد المالك دروكدال، الذي قضت عليه القوات الفرنسية في يونيو/ حزيران الماضي في شمال مالي، بعد مبايعة مجلس شورى التنظيم لمبارك يزيد، المعروف باسم أبو عبيدة العنابي (من عنابة، شرقي الجزائر)، أميراً جديداً على التنظيم. وأعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، في 5 يونيو، أن القوات الفرنسية تمكنت بدعم من الشركاء، من تحييد دروكدال والعديد من المقربين منه، خلال عملية جرت في منطقة تلهندك بمنطقة تساليت بشمال مالي القريبة من الحدود مع الجزائر، في عملية وصفتها الوزيرة بأنها "نجاح باهر وضروري للأمن والاستقرار في المنطقة"، في إشارة إلى تعاون استخباراتي بين أطراف أخرى.
وفي 18 يونيو الماضي، أقر تنظيم "القاعدة" بمقتل دروكدال، قبل الإعلان في الأيام الأخيرة عن تعيين أبي عبيدة العنابي خلفاً له. والأخير التحق بأولى المجموعات الإرهابية في الجزائر عام 1992، وكان عضواً في مجلس أعيان التنظيم المسلح عندما كان يسمى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، قبل عام 2007. أصبح رئيس أعيان تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بعد ذلك، وقاد عمليات إرهابية عدة ضد الجيش الجزائري. وفي سبتمبر/ أيلول 2015، أدرجته الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب. وفي فبراير/ شباط 2016، أدرجته لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي على لائحة الإرهاب.
العنابي قد يعمد إلى محاولة إظهار وجوده وتأثيره ميدانياً، عبر تنشيط مزيد من المجموعات الموالية للقاعدة
ودفع تعيين الأخير، بعض القراءات الأمنية إلى إطلاق تحذيرات استباقية من أن يكون ذلك مقدمة لفصل دموي جديد يخطط له التنظيم في المواجهة مع الجيش وأجهزة الأمن الجزائرية، على غرار ما شهدته الجزائر عام 2007، مباشرة بعد اعتلاء دروكدال موقعه أميراً لـ"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، إذ عرفت الجزائر في تلك السنة وما بعدها سلسلة تفجيرات انتحارية دامية، استهدفت قصر الحكومة ومقر المحكمة العليا ومقر بعثة الأمم المتحدة ومراكز أمنية في العاصمة ومقر وحدة بحرية قرب العاصمة ومقار للدرك في ورقلة وتمنراست، جنوبي الجزائر، إضافة إلى سلسلة كمائن استعراضية نفذتها مجموعات "القاعدة" في مناطق عدة من الجزائر.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية محمد بلعالية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العنابي قد يعمد إلى محاولة إظهار وجوده وتأثيره ميدانياً، عبر تنشيط مزيد من المجموعات الموالية للقاعدة، والعودة للتركيز على الجزائر بتنفيذ عمليات إرهابية"، لافتاً إلى أن "هذه المخاوف تدعمها ظروف وعوامل طارئة لصالحه، إذ سيحاول التنظيم الاستفادة من عودة تعزيز صفوفه بأكثر من 200 متشدد أُفرج عنهم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ضمن الصفقة الأخيرة مع فرنسا، وكذلك الفدية المالية التي حصل عليها من باريس بقيمة تفوق تسعة ملايين يورو، ويمكن أن توجّه لشراء الأسلحة والمتفجرات لاستهداف الجزائر". وهي مخاوف عبّرت عنها وزارة الدفاع الجزائرية بوضوح في آخر بيانين أصدرتهما بمناسبة اعتقال الجيش لعنصرين من المتشددين المفرج عنهم في مالي.
لكن تحليلات أخرى تعتبر أن هذه المخاوف لا تحمل قدراً كبيراً من الواقعية، لأن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بات ضعيفاً وبلا أثر يذكر في الجزائر، ولم يعد قادراً على إحداث أي ضرر، إذ يعيش منذ أربع سنوات نزيفاً حاداً في صفوفه، بسبب نجاح السياسة الأمنية التي انتهجتها قيادة الجيش الجزائري منذ إطلاقها عملية "اجتثاث الإرهاب" في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، مباشرة بعد إقالة وتحييد القائد السابق لجهاز المخابرات محمد مدين. وتتعلق تلك العملية بتجديد عرض قدمته قيادة الجيش للمسلحين يقضي بتسليم أنفسهم وأسلحتهم، مقابل الاستفادة من تدابير العفو المتضمنة في قانون السلم والمصالحة الوطنية الصادر عام 2005، من جهة، وفرض ضغط كبير على المجموعات الإرهابية الموالية لـ"القاعدة" في مناطق تمركزها، شرقي الجزائر خصوصاً، وفي الجنوب على خطوط التماس مع النيجر وليبيا ومنطقة شمال مالي تحديداً، من جهة أخرى. سمحت هذه الخطة الأمنية باستدراج الجيش والأمن لعدد كبير من مسلحي "القاعدة" لتسليم أنفسهم، بلغ عددهم 132 إرهابياً عام 2018 سلموا أنفسهم للسلطات العسكرية، وبالقضاء على 32 إرهابياً، فيما نجح الجيش الجزائري في القضاء على 46 إرهابياً واستسلام 44 آخرين خلال العام التالي، 2019، وتوقيف 245 عنصراً كانوا ينشطون في شبكات دعم وتموين الجماعات الإرهابية في العام نفسه.
ساهم هذا الوضع في منع "القاعدة" من تنفيذ أي عمل إرهابي لافت في الجزائر، أو ضد أهداف جزائرية انطلاقاً من منطقة الساحل، إذ لم تُسجل خلال السنوات الأخيرة أي عمليات نوعية للتنظيم في الجزائر. وخلال العام الحالي، 2020، لم تسجل سوى ثلاث عمليات محدودة تمثلت في محاولة فاشلة لاستهداف ثكنة عسكرية في بلدة تيماوين الحدودية مع شمال مالي بسيارة مفخخة فجرت قبل وصولها إلى الثكنة ولم تخلف سوى مقتل جندي واحد وإصابة أربعة آخرين، في فبراير/ شباط الماضي، وتنفيذ كمينين ضد الجيش في شهري مارس/ آذار ويونيو/ حزيران الماضيين في منطقتي عين الدفلى والشلف، غربي البلاد، خلّفا خمسة قتلى من عناصر الجيش وإصابة 10 آخرين، فيما نجحت الأجهزة الأمنية في إحباط مخططين لتنفيذ تفجيرات انتحارية في شهري فبراير ثم سبتمبر/ أيلول الماضيين.
خسر التنظيم في الفترة الأخيرة عدداً من أبرز قياداته
وإضافة إلى محاصرة نشاطه في الجزائر، لفت الباحث في الشؤون الأمنية حسام غالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى عوامل أخرى تجعل من نشاط "القاعدة" في الجزائر وباتجاهها ضعيفاً، بعدما خسر التنظيم الإرهابي في الفترة الأخيرة عدداً من أبرز قياداته. وإذا كان مقتل زعيمه الأول عبد المالك دروكدال على يد الجيش الفرنسي في الثالث من يونيو الماضي، أكبر ضربة يتلقاها، فإنه كان قد خسر قبل ذلك قيادات ميدانية بارزة، على غرار أمير "كتيبة الصحراء" أبو يحيى الجزائري، ويحيى أبو الهمام، العضو القيادي في مجلس أعيان تنظيم "أنصار الإسلام" الموالي لـ"القاعدة"، كما خسر التنظيم القيادي مختار بلمختار، مؤسس "كتيبة الصحراء"، والذي يرجح مقتله في ليبيا قبل فترة من ذلك، وكان يتمتع بعلاقات ونفوذ وسط قبائل شمال مالي. كما قتل الجيش الجزائري سرباح أحمد، المدعو أبو العباس، والذي كان مسؤولاً عن الجماعة الإرهابية التي تنشط على محور عين الدفلى وتيسمسيلت والمدية، غربي الجزائر. وأشار غالي إلى أن "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بات يواجه أيضاً في شمال مالي والنيجر وعموم منطقة الساحل، منافسة دامية مع تنظيم داعش للسيطرة على النشاط الإجرامي في المنطقة التي تشهد مواجهات بينهما".