لم يكن أمام أعضاء الكنيست الإسرائيلي، من مختلف تيارات الصهيونية بيسارها ويمينها، إلا أن يصوّتوا ضد مقترح قانون للنائبة عايدة توما، قدمته الأربعاء الماضي، للاعتراف بمسؤولية الدولة الإسرائيلية عن مجزرة كفر قاسم، التي لا تزال أحد جروح الشعب الفلسطيني النازفة، لكنها أيضاً جريمة الحرب بامتياز، التي ارتكبتها دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق مدنيين من مزارعي القرية، تحت أصوات مدافع وطيران العدوان الثلاثي على مصر.
وقد صوّت 93 نائباً في الكنيست الإسرائيلي ضد القانون، ليس لأنهم لا يريدون توسيع نطاق الرواية الصهيونية بشأن المجزرة الفظيعة من "خطأ"، يجسد الأمر العسكري غير القانوني الظاهر للعيان وترفرف فوقه راية سوداء، بحسب التوصيف القضائي للمحكمة الإسرائيلية للمجزرة، بل لأنه لا يمكن للمجرم أن يعترف بجرائمه ضد الإنسانية ما لم تكن هناك قوة تجبره على مثل هذا الاعتراف.
هذا أولاً، وثانياً لأنه لا يمكن للصهيونية بأحزابها المختلفة أن تسمح بسابقة في اعترافها بمجازر وجرائم حرب ضد الإنسانية قامت بها "الدولة" بحق "مواطنيها" بعد النكبة، حتى لا يفتح ذلك الباب على باقي الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية خلال حرب النكبة، ونجحت من خلالها، وبفعل الإرهاب التي أوقعته في نفوس الأبرياء، في تنفيذ مسلسل التهجير والاقتلاع والتطهير العرقي، فيما فشلت جريمتها في كفر قاسم بإكمال مشروع التطهير العرقي بعد النكبة بثماني سنوات، عندما حاصرت القرية وأبقت مدخلها الشرقي باتجاه الضفة الغربية مفتوحاً على مصراعيه، لدفع أهل القرية إلى الفرار من الويلات باتجاه الضفة التي كانت تقع تحت الحكم الأردني.
هي مجزرة وحيدة إذاً في نتائجها، ليس تلك الفظيعة في قتل 49 مواطناً بريئاً من أهل القرية، ولكن لأن القتل والمجزرة لم يحققا المخطط الذي أريد له أن يتم تحت ستار العدوان الثلاثي على مصر، ولأن البقية الباقية في فلسطين لم تستسلم ولم تقبل بالمصير الذي أرادته لها دولة الاحتلال، وظلت كالصبار في حلوقهم. الإجماع الإسرائيلي الصهيوني على التنكّر لمذبحة كفر قاسم هو إجماع قومي على التنكّر لكل فظائع إسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية، سواء وقعت قبل النكبة أم وقعت بعدها، في الجليل والمثلث أم في الضفة والقطاع، وكل من يعوّل على "اعتراف" إسرائيلي طوعي بجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني يعيش حالة وهم، آن له أن يستيقظ منها.