استمع إلى الملخص
- تميزت هذه الأدوات بقدرتها على الوصول إلى مناطق صعبة واستخدامها في عمليات هجومية، بينما تحاول المقاومة الفلسطينية التصدي لها.
- تعود أسباب استخدام هذه الأدوات إلى توفيرها قدرات عسكرية متطورة بتكلفة منخفضة، مما يعزز حضورها الميداني دون تعريض القوات البرية للخطر.
منذ بدء الحرب البرّية على قطاع غزة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي وسائل عسكرية جديدة في تصيّد الفلسطينيين وتفجير وتدمير منازلهم، ومنها طائرة مسيّرة صغيرة تسمى "كواد كابتر" والتي تمشط من الجو المناطق المحيطة بالتوغلات، و"الروبوتات المتفجرة" التي تستخدم في عمليات تفخيخ الأحياء السكنية والمربعات، كما هو الحال في حرب غزة بمناطق شمالي القطاع وجنوبه.
وسائل قتالية جديدة في حرب غزة
ويشهد القطاع الذي يعيش الحرب الأعنف في تاريخه، استخداماً مركزاً لهذه الوسائل القتالية وحضوراً في مجازر عدة شهدتها الأحياء والمدن المختلفة على مدار عمر العملية العسكرية التي تتواصل للشهر الخامس عشر على التوالي. وتستند هذه الأدوات بدرجة أساسية إلى تقنية الذكاء الاصطناعي عبر تزويدها المسبق بالمعلومات الاستخبارية من قبل القوات العاملة في الميدان، وعمليات المسح الجوي المكثفة التي تجري بشكل دائم من قبل سلاح الجو التابع لجيش الاحتلال، إلى جانب عنصر المباغتة والسرعة والدخول إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها.
تستند الوسائل القتالية الجديدة إلى تقنية الذكاء الاصطناعي عبر تزويدها المسبق بالمعلومات الاستخبارية، وعمليات المسح الجوي المكثفة، إلى جانب عنصر المباغتة والسرعة
وتشكّل هذه الأدوات حضوراً لافتاً في حرب غزة مقارنة مع وسائل عسكرية أخرى كانت تحضر في الحروب وجولات التصعيد الماضية، حيث نشر الاحتلال عشرات المقاطع التي تظهر دخول المسيّرات إلى مناطق يصعب الوصول إليها، كان من أبرزها مشهد الطائرة المسيّرة خلال اقتحام المنزل الذي تحصن فيه رئيس حركة حماس السابق، الشهيد يحيى السنوار، قبل أكثر من شهرين. وبالتوازي مع ذلك، يستخدم الاحتلال الإسرائيلي المسيّرات في مجالات عدة، منها النداء الصوتي على السكّان لإخلاء الأحياء السكنية والطلب منهم المغادرة، أو لإلقاء القنابل الصوتية والمتفجرة عليهم في مناطق نزوحهم، أو حتى لإرهاب السكّان والتحليق على ارتفاعات منخفضة للغاية. وإلى جانب ذلك، فإن الاحتلال يستخدم "كواد كابتر" على نحو واسع من أجل التصوير الجوي أو إطلاق النار عبر رشّاش معلّق على هذا النوع من المسيّرات طوال أيام حرب غزة المتواصلة للعام الثاني على التوالي، بالتوازي مع محاولات مضنية تقوم بها المقاومة الفلسطينية وأذرعها العسكرية لإسقاط هذا النوع من المسيّرات أو غيرها من الطائرات المسيّرة نظراً لسهولة إسقاطها والسيطرة عليها.
وقد تتابعت الإعلانات من قبل الأذرع العسكرية للمقاومة التي تتحدث عن السيطرة على المسيّرات وتحديداً سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي)، وكتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس). وتعمل المقاومة الفلسطينية على إعادة تدوير هذه المسيّرات المنتجة إسرائيلياً في العمليات البرّية والتصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، نظراً للخبرة المسبقة في التعامل مع طائرات الاحتلال من قبل الطواقم الهندسية. لكن استخدام الاحتلال الإسرائيلي في حرب غزة لهذه المسيّرات تسبب في مجازر عدة بصفوف الفلسطينيين، لا سيما في شمالي القطاع، نظراً للاستخدام الكبير لها من قبل جنود الاحتلال وعدم التحرك ميدانياً إلا باستخدامها بشتى الوسائل. وتحوّل هذا النوع من المسيّرات نذير شؤم بالنسبة للفلسطينيين في القطاع، نظراً لسهولة حركتها وقدرتها على التخفي وإصدارها أصواتاً مخيفة بالذات في ساعات الليل وقدرتها على الانخفاض الشديد والاقتراب من سطح الأرض.
يعود السبب الرئيسي وراء استخدام الروبوتات المفخخة لتفادي التعرض لكمائن المقاومة وتفجير المنازل
أما الروبوتات المتفجرة، فهي ذات طابع هجومي عملياتي يستخدمه جنود الاحتلال في عمليات تفجير المنازل والأحياء خلال الساعات المتأخرة من الليل، وهو الأمر الذي كان يؤدي إلى عمليات نسف وتدمير واسعة للمربعات السكنية. ويعود السبب الرئيسي وراء استخدامها من قبل جنود الاحتلال لتفادي التعرض لكمائن المقاومة وتفجير المنازل، وهو الأمر الذي سبق أن وقع به جنود الاحتلال في مناطق عدة في القطاع، لا سيما وسط وجنوبي القطاع. وسبق أن نجحت المقاومة الفلسطينية في تفكيك عدد من الروبوتات المتفجرة قبل أن يقوم جنود الاحتلال بتفخيخها، إلا أن استخدامها المكثف وحالة التثبيت الناري الذي تخضع له المناطق، يجعل عناصر المقاومة غير قادرين بشكل دائم على التعامل مع هذه الآليات العسكرية.
الاقتصاد الحربي
في هذه الأثناء، يقول العميد المتقاعد في الجيش العراقي، الخبير العسكري صبحي ناظم توفيق، إن السبب وراء لجوء القوات البرّية في عموم أنحاء العالم لاستخدام المسيّرات يعود إلى الاقتصاد في استخدام الموارد البشرية إضافة للنجاحات التي حققتها القوات الجوية في مجال المسيّرات بالحروب التي شهدها العالم. ويضيف توفيق في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحرب في أوكرانيا والتدخل التركي بالمسيّرات في ليبيا والحرب الأرمينية الأذربيجانية عزّزت حضور المسيّرات في العالم، لا سيما مع الكلفة الزهيدة للغاية وسهولة الاستخدام وعدم الحاجة إلى مطارات أو قواعد جوية للانطلاق منها مثل الطائرات الحربية التقليدية.
ويلفت الخبير إلى أن التأثيرات المتعلقة بالميدان في حرب غزة تتضح من خلال المهام الاستطلاعية التي تقوم بها هذه الطائرات والمراقبة لتحركات المقاومة والمشاركة الميدانية في عمليات الاغتيال باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويشير إلى أن استخدامها يمكّن من تعقب القوات والكوادر المقاتلة للمقاومة في الميدان البرّي على وجه الخصوص وهو ما أضاف سلاحاً جديداً في مجال استهداف المقاومين خلال المعارك وعمليات التوغل. وبحسب العميد المتقاعد في الجيش العراقي والخبير العسكري، فإن المقاومة الفلسطينية، ورغم حالة الحصار التي عاشتها، إلا أنها نجحت في إدخال المسيّرات في مجال عملها لا سيما المراقبة الجوية إلى جانب بعض المسيّرات الانتحارية التي استخدمتها في حرب غزة الحالية المتواصلة للعام الثاني على التوالي مع فارق الإمكانيات التي يمتلكها جيش الاحتلال.
أكرم خريف: انخفاض ثمن هذه الأدوات هو السبب الرئيسي وراء استخدامها على هذا النحو الواسع
الاتجاه الإسرائيلي: أدوات تكتيكية
إلى ذلك، يؤكد الخبير العسكري أكرم خريف أن لجوء الاحتلال الإسرائيلي لهذه الأدوات، وتحديداً المسيّرات، يعود لأسباب تكتيكية وعملياتية، نظراً لكون هذه الأدوات دقيقة جداً إلى جانب انخفاض ثمنها. ويقول خريف لـ"العربي الجديد"، إنّ انخفاض ثمنها هو السبب الرئيسي وراء استخدامها على هذا النحو الواسع من قبل جيش الاحتلال، عند المقارنة مع الصواريخ الدقيقة أو الطائرات الحربية المتطورة. ووفقاً للخبير العسكري، فإن الانعكاسات الميدانية سلبية على عمل المقاومة الفلسطينية، نظراً لتوفير هذه المسيّرات قدرات عسكرية متطورة ومنحها حضوراً ميدانياً أوسع دون أن تتعرض القوات البرّية التابعة للاحتلال للانكشاف الميداني.
ويشير خريف إلى أن هذه المسيّرات تمكّن جنود الاحتلال من نسف طوابق معينة في الأبنية المختلفة أو ضرب أشخاص بدقة شديدة، وهو ما يجعل التعامل مع هذه المسيرات دقيقاً ويحتاج إلى انتباه ويقظة شديدين. ويعرب خريف عن اعتقاده بأن المقاومة الفلسطينية تتعامل بتكثيف الاختباء في مناطق القتال الصعبة لإحباط عمل الطائرات المسيّرة، إلى جانب عمليات الاعتماد على عمليات المراقبة الصوتية للأصوات الصادرة عن المسيّرات ومعاملة هذه المسيّرات بإطلاق الرصاص بشكل مكثف، ما يؤدي إلى تفجيرها عن بعد وإسقاطها، وهو ما تحقق عشرات المرات منذ بداية حرب غزة.