قالت مصادر في مشيخة الأزهر مقربة من شيخه أحمد الطيب، إن هناك حملة منظّمة بدأت للتمهيد للإطاحة بالطيب، عبر تسريب معلومات مغلوطة بشأن حالته الصحية، والترويج بأن وضعه الصحي قد يحول بينه وبين القيام بمهام موقعه. وأضافت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أنه في أعقاب التصريحات الأخيرة لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بشأن قضية توثيق الطلاق، وإشارته مجدداً إلى الخلاف بينه وبين شيخ الأزهر، وتأكيده أن القانون يتيح له توثيق الطلاق من دون الدخول في صدام مع أي من المؤسسات، في إشارة للأزهر، بات واضحاً أن هناك توجهاً ضد الإمام، عبر مجموعة من الإشارات. وكان من هذه الإشارات، بحسب المصادر، تجاهل السيسي لتواجد الطيب خلال جنازة وزير الدفاع السابق المشير محمد حسين طنطاوي، وصدور تعليمات لوسائل الإعلام التي تتحرك جميعها بإشارة من الأجهزة التابعة للرئيس، بعدم الإشارة للطيب أو إظهاره في أي لقطة مجتمعة مع السيسي.
يجري تسريب معلومات مغلوطة بشأن حالة الطيب الصحية، والترويج بأن وضعه الصحي قد يحول بينه وبين القيام بمهام موقعه
وجاء توثيق الطلاق بشكل مباشر في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد المقدم من الحكومة إلى مجلس النواب، وهو المشروع الذي من المقرر مناقشته خلال دور الانعقاد الجديد. وكان السيسي قد أشار للخلاف بينه وبين الطيب حول المسألة، خلال كلمته أثناء إطلاق "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، لافتاً إلى أنه استوعب رد الفعل العام عندما تحدّث سابقاً عن وثيقة الطلاق. وقال السيسي: "أنا استوعبت الأمور، وقانون الأحوال الشخصية يتيح لي أعمل كده، وأنا هنا بتكلم كدولة مش بتكلم في مواجهة مع حد، والقانون يتيح لي توثيق الطلاق، لأنه تترتب عليه حقوق وواجبات". وأكد السيسي أن قانون الأحوال الشخصية يتيح توثيق الطلاق، وأنه ليس منحازاً لأحد، موضحاً "أنا اتكلمت عن الخطاب الديني وموضوع التوثيق الخاص بالطلاق، ومنشفتش دماغي مع المؤسسة الدينية اللي رفضت ده، أنا سبت الموضوع يتفاعل مع المجتمع ومع المؤسسة الدينية ولم أصطدم معها احتراماً لمنطق الزمن وتغيير الناس، ومش بسهولة نعمل ممارسات في فكرة احترام الآخر والاعتقاد وغير الاعتقاد".
وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن المعركة التي تم تجديدها، وتتجه الأجهزة التابعة للرئيس للتمهيد لمحاولة الإطاحة بالطيب من أجلها، هي معركة "تجديد الخطاب الديني"، والتي يتمسك فيها الإمام بموقف صلب، يعتبر فيه أن الرؤى الرسمية المطروحة من جانب مؤسسات في النظام، ويدعمها بعض أبناء المؤسسة الدينية المحسوبين على النظام، مخالفة تماماً للمنهج الإسلامي الحنيف، وتسيء إلى الشريعة. ويرفض شيخ الأزهر بأي شكل من الأشكال التجاوب مع أي من المؤتمرات والخطابات الخاصة بفكرة "التجديد" التي أشار إليها الرئيس. وقالت المصادر إنه أمام موقف الطيب، والذي يعتبر الطرف الوحيد في الدولة المصرية حالياً الذي يتمسك برأي مخالف لرئيس الدولة، في ظل استجابة كل المؤسسات لأحلام الرئيس وأمنياته حتى قبل النطق بها والتعبير عنها من جانبه، دارت عجلة الإطاحة بشيخ الأزهر.
ووصفت المصادر موقف شيخ الأزهر في الوقت الراهن بأنه ليس في أفضل حالاته، لأسباب عدة، في مقدمتها التغيرات التي طرأت على المشهد الإقليمي أخيراً، خصوصاً التقارب بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين مع قطر، وهو ما يضعف حماس أبوظبي تجاه مجلس حكماء المسلمين الذي يرعاه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، باعتباره كياناً موازياً لاتحاد علماء المسلمين الذي يقع مقره في الدوحة، على حد تعبير المصادر.
وتابعت المصادر أن "الأمر الآخر الذي يؤثر في قوة موقف الطيب، هو تراجع وسائل الضغط الإماراتية على النظام المصري، بعدما توقف الدعم المالي من جانب أبوظبي للنظام المصري، وهو الضغط الذي أوقف محاولات الإطاحة بالطيب في مرات سابقة، كان أبرزها إثناء السيسي عن التعديل الدستوري الذي كان يسمح لرئيس الجمهورية بإقالة شيخ الأزهر". وأشارت المصادر إلى أنه أمام النص الدستوري الحالي، الذي يحصّن الطيب من الإقالة من جانب رئيس الجمهورية، يبدو أن هناك من أشار على السيسي بمسألة "الوضع الصحي"، ويتم الترويج لذلك على مستويات واضحة، تمهيداً لإجبار الطيب بأي وسيلة على إعلانه الاستقالة، أو التقاعد لأسباب صحية.
يرفض شيخ الأزهر التجاوب مع أي مؤتمر وخطاب خاص بفكرة "تجديد الخطاب الديني" التي أشار إليها السيسي
في مقابل ذلك، أكد مصدر آخر من داخل المشيخة، أن الإمام الأكبر يعي جيداً ما يدور حوله من محاولات للضغط عليه من أجل التنحي، ويعلم تماماً قوة مركزه ومنصبه، ولذلك فإنه لن يتنازل أبداً. ونفى شقيق الطيب، محمد طيب، ما وصفه بالشائعات والأكاذيب والادعاءات الخاصة بصحة شيخ الأزهر، قائلاً في تصريحات إعلامية لإحدى الفضائيات المصرية، إن "صحة الإمام جيدة وتعودنا منذ توليه منصب مشيخة الأزهر على ترويج الأكاذيب والادعاءات والشائعات حول صحته". وتابع الشيخ محمد طيب، أن مثل تلك الشائعات "تصدر عن جهل وحقد"، موضحاً مساء الأربعاء الماضي، أن الإمام الطيب لديه ثلاثة مؤتمرات في إيطاليا، وبين كل مؤتمر والآخر مدة زمنية طويلة، فاستغل الشيخ هذه المدة، وذهب إلى ألمانيا لعمل بعض الفحوصات الدورية التي اعتاد عملها. وأكد أن الإمام لم يجرِ أي عمليات جراحية كما تم الترويج له، لافتاً إلى أنه يحدّثه يومياً للاطمئنان على صحته، ومشيراً إلى أنه يعاني التهابات بسيطة في العمود الفقري.
وأجرى شيخ الأزهر جلسات علاج طبيعي على العمود الفقري في أحد المستشفيات الألمانية المتخصصة، بعدما تلقى توصية من عدد من الأطباء المصريين المختصين بالسفر إلى ألمانيا، لإجراء فحوصات دقيقة على العمود الفقري، فيما أكدت مشيخة الأزهر في بيان رسمي أن الطيب يتمتع بصحة جيدة. وقال مصدر مقرب من الطيب لـ"العربي الجديد"، إن شيخ الأزهر سافر إلى ألمانيا لزيارة الطبيب الذي أجرى له سابقاً عملية جراحية في الفقرات القطنية.
أكد مصدر من المشيخة أن الطيب لن يتنازل أمام الضغط
وأكد بيان لمشيخة الأزهر، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن صحة الإمام الأكبر، بخير. وقدّر الأزهر في بيانه "بكل اعتزاز المشاعر النبيلة، والدعوات الصادقة، والمحبة الحقيقية التي أظهرتها جماهير المصريين والمسلمين من حول العالم لفضيلة الإمام الأكبر، أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف". وأشار البيان إلى أنه من المقرر أن يتوجه الطيب مطلع الأسبوع المقبل، إلى العاصمة الإيطالية روما، للمشاركة في أعمال قمة قادة الأديان من أجل تغير المناخ تحت عنوان "الإيمان والعلم؛ نحو مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغير المناخ"، في 4 أكتوبر/تشرين الأول، والمشاركة أيضاً في اجتماع قادة الأديان بشأن التعليم تحت عنوان "نحو اتفاق عالمي من أجل التعليم" في الخامس من أكتوبر، والذي يوافق يوم المعلم العالمي.
وجاء بيان الأزهر بعد البلبلة التي ثارت في اليومين الماضيين بشأن صحة الطيب، لا سيما مع الخلاف القديم المتجدد مع السيسي. وقال المصدر لـ"العربي الجديد" إن شيخ الأزهر سيلتقي في روما مع قيادات دينية في الفاتيكان، مضيفاً أن لديه بعد ذلك أجندة هامة في العام المقبل ويتم الترتيب لها من الآن، وعلى رأسها زيارة إلى العراق.