ما إن سلّمت حركة "حماس" ردّها على التصور المطروح لإبرام صفقة تبادل أسرى بين حكومة الاحتلال والمقاومة في غزة، للوسطاء في مصر وقطر المعنيين بمباحثات غزة، حتى انطلقت سلسلة من اللقاءات والاتصالات بين الوسطاء وأطراف الأزمة، في محاولة للوصول إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن، من أجل نزع فتيل انفجار الوضع في الإقليم واتساع دائرة الصراع، وسط تصاعد الأعمال العسكرية على جبهة لبنان، وتهديدات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشنّ عملية عسكرية واسعة في رفح.
مباحثات غزة: لقاءات مثمرة لـ"حماس" بالقاهرة
في هذا الإطار، عقد وفد حركة "حماس" الذي بدأ زيارة إلى القاهرة، لقاءات ماراثونية مشتركة مع المسؤولين عن ملف الوساطة في كل من مصر وقطر، لشرح وجهة نظر المقاومة و"حماس" بشأن الرد المقدم على عرض تبادل الأسرى.
وكشفت مصادر مصرية مطلعة على محادثات غزة، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، عن أن "اللقاءات التي عقدها وفد الحركة في القاهرة كانت مثمرة"، مشيرة إلى أن "التقديرات المصرية للرد المقدم من المقاومة، ترى أنه واقعي إلى درجة كبيرة، على عكس ما تراه الإدارة الأميركية أو الجانب الإسرائيلي، وأن النقاط التي يرى المسؤولون المصريون صعوبة في تمريرها، لا تتعدى نقطتين على أقصى تقدير، وأنه يمكن حسمها في وقت سريع، حال توفرت الإرادة السياسية من الجانب الإسرائيلي، وإخراج تلك المفاوضات من دائرة الصراع السياسي الداخلي في إسرائيل".
ترى تقديرات القاهرة أن ردّ "حماس" كان إيجابياً
وكشف مصدر مصري مطلع عن أن "حكومة الاحتلال فوجئت بشكل الرد الذي تقدمت به حماس للوسطاء"، قائلاً: "كان هناك تصور أو توقع لدى مجلس الحرب الإسرائيلي، بأن حماس ستقدم رداً مقتضباً بإجابة موافقة أو رافضة على اتفاق الإطار، يتبعها عملية تفاوض غير مباشرة لصياغة التفاصيل، إلا أن حماس فاجأت الجميع بالرد بصياغة تفاصيل شديدة الدقة للمراحل التي اقترحها اجتماع باريس بشكل عام دون الخوض في التفاصيل".
وتابع: "ربما يكون شكل رد حماس وفصائل المقاومة، هو ما تسبب في ارتباك داخل الحكومة الإسرائيلية، التي كانت تتهيأ لإطالة أمد عملية التفاوض على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، بالشكل الذي يجعلها تخرج من المأزق الذي تواجهه أمام أسر الأسرى والمعارضة وكذلك الإدارة الأميركية".
في مقابل ذلك، كشف المصدر المصري عن "عدم صحة التسريبات الواردة في الإعلام الإسرائيلي بشأن رفض حكومة الاحتلال الانسحاب من غزة حتى السياج الفاصل أو السماح بعودة السكان إلى مناطق الشمال والوسط"، قائلاً إن "حكومة الاحتلال ممثلة في رئيس الموساد ديفيد برنيع، أبدت استعدادها للقبول بذلك خلال لقاء باريس".
وأوضح المصدر أن "أبرز الاعتراضات الإسرائيلية، تتمثل في جزئيتين من رد الحركة، إحداهما، ما تصفه حكومة الاحتلال بإجمال كافة مطالب المقاومة الملزمة لإسرائيل في المرحلة الأولى، مع إبقاء النقاط الهامشية لباقي المراحل، في الوقت الذي ترجئ فيه إطلاق سراح كامل الأسرى إلى آخر المراحل لإطالة أمد الاتفاق، وأنه حتى الآن ترفض إسرائيل تقديم أي تعهدات بشأن الانخراط في مفاوضات جادة لوقف شامل لإطلاق النار عقب المرحلة الأولى من الاتفاق".
تعترض إسرائيل على إجمال المقاومة كافة مطالبها الملزمة للاحتلال في المرحلة الأولى
وكشف المصدر المصري عن أن "ما يثار بشأن رفض إسرائيل إرسال وفد ممثل لها في القاهرة ليس دقيقاً"، مشيراً إلى أن الأيام القليلة المقبلة "ستشهد وصول وفد إسرائيلي للوقوف على موقف حماس والمقاومة، في أعقاب اللقاءات التي شهدتها القاهرة، وذلك من أجل بلورة ورقة كاملة بالنقاط التي تحتاج إلى مزيد من التفاوض والتشاور، قبل وصول رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز إلى القاهرة".
مهمة مزدوجة لوليام بيرنز
كما كشف المصدر عن أن بيرنز "سيأتي للقاهرة في مهمة مزدوجة، فبالإضافة إلى مهمة دفع مباحثات غزة وعملية التفاوض بين حكومة الاحتلال وحماس والعمل على حسم النقاط الخلافية، فإنه سيعمل أيضاً على تلطيف الأجواء المصرية الأميركية في أعقاب تصريحات الرئيس جو بايدن التي سبّبت حرجاً للقيادة المصرية، والتي أشار خلالها إلى أنه أقنع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بفتح معبر رفح أمام المساعدات بعد ما كان هناك رفض من السيسي لتلك الخطوة".
وقال بايدن في كلمة مفاجئة بالبيت الأبيض إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يرد في البداية فتح معبر رفح لدخول المساعدات إلى غزة، لكنه تحدث معه وأقنعه بفتحه، بحسب قوله.
سيعمل بيرنز على تلطيف الأجواء بين واشنطن والقاهرة بعد تصريحات بايدن
وقالت المصادر إنه "في ما يتعلق بمسار المفاوضات الحالي، فإن المسؤولين المصريين أنهوا اجتماعاتهم مع وفد حركة حماس الذي زار القاهرة أخيراً لبحث الرد على الورقة الخاصة بمقترح باريس، بالتوصل إلى تفاهمات إيجابية، ولكن الأزمة تتركز حول موقف حكومة بنيامين نتنياهو المتشدد تجاه التوصل لاتفاق". ورجحت المصادر "ألا يوقف نتنياهو إطلاق النار، في الوقت الحالي"، قائلة إنه "من المستبعد أن يذعن لتحذيرات الولايات المتحدة وتحذيرات دول الجوار".
وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما قدمته حركة حماس من شروط يرتبط بمجموعة من الملفات الأساسية التي تعبّر عما سعت الحركة إلى تحقيقه من هذه العملية وهو ملف الأسرى بالدرجة الأولى، ثم ملف إعادة الإعمار، ثم ملف رفع الحصار، وكذلك ملف المسجد الأقصى، إلى جانب ما يرتبط أيضاً بإعادة البنية التحتية في القطاع، وهذه الملفات الأساسية التي تضمنتها المطالب".
وشدّد عبد الشافي على أن "تلك المطالب، لم يكن سقفها مرتفعاً كما تحدث الرئيس الأميركي، عندما قال إنها مبالغ فيها بعض الشيء، ولكن خروج نتنياهو في مؤتمره الصحافي ليعبر عن تحفظه على هذه المطالب، ولن أقول رفضه، واستمراره في العمليات العسكرية حتى تحقيق ما أسماه النصر الساحق، فهذا من وجهة نظري لغة للاستهلاك المحلي، يخاطب بها الداخل ولا يخاطب بها الأطراف الخارجية، لأنه يعلم أنه طالما قبل الدخول في هذه المفاوضات فلا بد من تقديم تنازلات".
وعن زيارة الوفد الفلسطيني برئاسة القيادي في الحركة خليل الحية إلى مصر، قال أستاذ العلوم السياسية إنها "تأتي في إطار استكمال هذه المفاوضات، ومن وجهة نظري تتجه الأمور نحو توقيع اتفاق هدنة مرحلي".
في سياق آخر، أكد قيادي في حركة "حماس"، لـ"العربي الجديد"، أن الحركة "جادة في التوصل إلى تفاهمات مع السلطة الفلسطينية، بشأن تصورات اليوم التالي في غزة عقب وقف العدوان". وأوضح أن الحركة "سلّمت القاهرة تصوراً يتضمن رؤيتها لإدارة قطاع غزة عقب انتهاء العدوان"، قائلاً: "حماس جادة في عدم تصدر المشهد وعدم تمسكها بإدارة القطاع في حل فلسطيني - فلسطيني من دون تدخلات خارجية"، مشدداً على أن الحركة "لا تعارض تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة القطاع والضفة الغربية".