تسير حكومة الوحدة الوطنية الليبية في حقول أشواك خلفتها أزمات البلاد المتراكمة، وتكافح من أجل تجاوز عقبات لم تنته، على رأسها محاولات الطبقة السياسية السابقة إعادة إنتاج نفسها، والتموضع في السلطة الجديدة للبقاء في المشهد لوقت أطول.
ورغم إصدار رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، عدة قرارات لمواجهة الفساد المستشري في مفاصل الدولة، إلا أن مجلس النواب في طبرق، برئاسة عقيلة صالح، لا يزال يسعى للي ذراع الدبيبة وفريقه الحكومي، على حد وصف مصادر مقربة من الحكومة في طرابلس، من خلال استغلاله لعدة أوراق لا تزال في يد المجلس.
وتكشف ذات المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن نواباً مقربين من صالح أبلغوا الدبيبة رغبتهم في الدفع بعدد من الأسماء المرشحة من قبلهم، لشغل وكالات وزارات بالحكومة لقاء موافقتهم على اعتماد مجلس النواب لميزانية الحكومة.
وفي الوقت الذي يكافح فيه الدبيبة لتحرير قراراته من الابتزازات التي يتعرض لها من جانب النواب ليتمكن من تعيين وكلاء وزاراته من شريحة التكنوقراط لدعم عمل وزاراته، قالت المصادر إن الشرط الثاني لدى النواب المقربين من صالح أن تنعقد جلسة اعتماد الميزانية في طبرق، بدلاً من طرابلس التي اقترحها الدبيبة مكاناً لانعقاد الجلسة في محاولة لكسر حدة سيطرة صالح وحلفائه في طبرق على قرار المجلس.
ويتعين على الدبيبة تكليف وكيلين لكل وزارة في حكومته التي اضطر لتوسيع تشكيلتها حتى بلغت 27 حقيبة وستة وزراء للدولة، وتؤكد المصادر أن سبب توسعها جاء لتلبية مطالب النواب الراغبين في تعيين مقربين منهم على رأس الوزارات، مشيرة إلى أن صالح والمقربين منه يحاولون استغلال ورقة أخرى، وتتمثل في شاغلي المناصب السيادية الثمانية التي اتُفق بشأن تحديد معايير شاغليها مع ممثلي المجلس الأعلى للدولة، خلال اجتماعات بوزنيقة المغربية في 23 من يناير/كانون الثاني الماضي.
وأعلن عقيلة صالح، الثلاثاء الماضي، عن تشكيل لجنة لاستقبال ملفات المترشحين لتولي المناصب السيادية الثمانية وهي مصرف ليبيا المركزي، وديوان المحاسبة، وجهاز الرقابة الإدارية، وجهاز مكافحة الفساد، والمفوضية العليا للانتخابات، والمحكمة العليا، والنائب العام.
ووفق القرار، فقد تشكلت اللجنة من ستة أعضاء من مجلس النواب "يتولون التحقق من السير الذاتية للمترشحين للمناصب القيادية والسيادية والوصول إلى توافق حول الأسماء المقترحة قبل عرضها على مجلس النواب".
وعلى الفور، أكد عضو مجلس النواب، عبد المطلب ثابت، أن قرار عقيلة صالح جاء لــ"عرقلة عمل الحكومة الجديدة"، مشيراً إلى أن قراره يناقض ما اتُفق عليه في بوزنيقة بشأن تشكيل اللجنة بالمشاركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، كما أكد، في تصريحات صحافية، أن عقيلة "لا يحق له أن يتخذ قراراً فردياً بتشكيل لجنة جديدة"، وأن أكثر النواب لم يشاركوا في جلسة التحضير لتشكيل اللجنة.
ويحذر الباحث السياسي الليبي ياسين العريبي من سعي الطبقة السياسية في مجلسي النواب والدولة للتموضع مجدداً في مفاصل الحكومة ومؤسسات الدولة، وبالتالي عودة الصراع بينهما واستمرار مشهد الفساد الإداري والسياسي.
وفي آخر قرارات الدبيبة، أعلن مساء الجمعة، عن تشكيل وزاري لتقديم مقترح بشأن رفع الدعم الحكومي عن المحروقات، وهو قرار جاء بعد قرارات أخرى اتجهت لتجميد حسابات المؤسسات والهيئات الحكومية، وحل اللجنة العليا لمكافحة وباء "كورونا"، ويعتبرها العريبي "خطوات إيجابية تعكس عزم الدبيبة على اجتثاث جذور الفساد، ووقف الباب أمام الساعين للتصرف في ما تبقى من ميزانيات الحكومات السابقة".
لكن من يصفهم العريبي، في حديثه لــ"العربي الجديد"، بــ"لوبيات الفساد المتصارعة والساعية للبقاء بأي شكل في مشهد السلطة الجديدة سيشكلون العرقلة الأكبر أمام الدبيبة، في الوقت الذي تبدو فيه مؤشرات النجاح واضحة في حراك الحكومة خارجيا".
ووفق رؤية العريبي، فإن خارطة الطريق التي صادق عليها ملتقى الحوار السياسي برعاية الأمم المتحدة وضعت عدة احتياطات للسيطرة على نفوذ مجلس النواب وطيف عقيلة صالح، منها لجوء الدبيبة إلى ملتقى الحوار السياسي لاعتماد أي إجراء يفشل مجلس النواب في إنجازه أو الموافقة عليه.