اتخذت الجزائر مزيداً من قرارات تصعيد الموقف تجاه باريس، على ضوء الأزمة السياسية التي أعقبت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المثيرة للجدل، على الرغم من إطلاق ماكرون، اليوم الثلاثاء، دعوات لتهدئة الموقف وتجاوز الأزمة السياسية الراهنة، قابلتها السلطات الجزائرية بالرفض لحين الاعتذار عن التصريحات السابقة لماكرون.
ورفضت الجزائر دعوات لتهدئة الأزمة السياسية، كان وجهها اليوم الرئيس ماكرون، عبر تصريحات جديدة، وردت الجزائر على لسان دبلوماسي رفيع على هذه الدعوة، بقوله لقناة محلية إن "من الواضح أن الهوس القهري بالانتخابات الرئاسية المقبلة، قد جر الرئيس الفرنسي إلى عاصفة المزايدة ضد كل ما هو جزائري وضد المهاجرين، وهذه المزايدة يغذيها وبطريقة مصطنعة اليمين المتطرف".
وأوضح نفس المصدر أن تصريح الرئيس الفرنسي بشأن استناده إلى تقرير المؤرخ بنجامين ستورا حول آليات معالجة ملف الذاكرة مع الجزائر "يمثل ذريعة مناسبة لإعادة التموقع الانتهازي، والجزائر لا يهمها تقرير ستورا، لأنه يستجيب بشكل أساسي لدوافع أحادية الجانب، وهو تقرير يتجاهل السؤال المركزي المتعلق بالاعتراف الرسمي من قبل فرنسا بجرائمها الاستعمارية التي ارتكبت في الجزائر، خاصة عشية احتفال الجزائر بذكرى أحداث 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961 في باريس، حيث قتلت قوات الشرطة الفرنسية المئات من العمال الجزائريين وألقت بجثثهم في نهر السين". ويُتوقع أن تؤدي الجالية الجزائرية في فرنسا فعاليات إحياء لهذه الذكرى الأليمة.
وجاء تعليق الدبلوماسي الجزائري، رداً على تصريحات الرئيس ماكرون اليوم الثلاثاء في مقابلة مع "فرانس إنتر"، عبر فيها عن "ثقته في الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون"، وقال "أُكن احتراماً كبيرا للشعب الجزائري، وأُقيمت علاقات ودية فعلا مع الرئيس تبون".
ودعا الدبلوماسي الجزائري إلى التهدئة، مضيفاً "أتمنى حصول تهدئة لأنني أظن أنه من الأفضل التحاور والمضي قدما"، وحث الجزائر على "الاعتراف بالذاكرات كلها والسماح لها بالتعايش"، ودافع عن جهوده ومواقفه إزاء الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر، لافتاً إلى أن" التوترات الحالية سببها الجهود المبذولة في فرنسا حول عمل الذاكرة بشأن حرب الجزائر".
وضمن منحى التصعيد، وفي تطور لافت للقرار الذي اتخذته الجزائر بإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية التي كانت تستخدم المجال الجزائري للعبور إلى دول الساحل وأفريقيا، يجري الحديث في الجزائر، بحسب مصادر متطابقة، عن تجميد جزئي لبعض مجالات التعاون العسكري بين البلدين، بينها إلغاء تنقل الوفود والزيارات العسكرية بين البلدين مؤقتا، ومنع تزويد الطائرات العسكرية الفرنسية العاملة في منطقة الساحل والصحراء بالوقود، والتي كانت تستفيد من التزود بالوقود في جنوبي الجزائر، سواء عند عبورها، أو عند قيامها بمهام في منطقة الساحل خلال العمليات العسكرية التي تقودها فرنسا ضمن مجموعة الخمسة ساحل ضد الجماعات الإرهابية في شمالي مالي والنيجر.
وفي نفس السياق، نقل موقع "مينا ديفانس"، المتخصص في الشؤون العسكرية، أن الجزائر قررت أيضاً، إلغاء رسو البوارج والقطع البحرية العسكرية الفرنسية في الموانئ الجزائرية حتى إشعار آخر.
وقال الخبير المتخصص في الشؤون العسكرية أكرم خريف، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "مثل هذه القرارات متوقعة ومرتبطة بقرار غلق الأجواء أمام الطائرات الفرنسية، وتشمل وقف التعاون في عدة مجالات ذات صلة، وهي دليل على أن التوتر كبير في هذا الظرف"، إذ سيؤثر القرار الجزائري في كلفة العمليات العسكرية التي تقوم بها فرنسا في الساحل، حيث ستكون الطائرات الفرنسية ملزمة بالعبور عبر المغرب بشكل خاص للوصول إلى مناطق تمركز القوات الفرنسية في الساحل.
وتأتي هذه التطورات في أعقاب تصريحات غير مسبوقة للرئيس ماكرون إزاء الجزائر، خلال لقائه الخميس الماضي مع مجموعة من الطلبة الجزائريين ومزدوجي الجنسية والفرنسيين من أبناء "الأقدام السوداء" (المستعمرين السابقين في الجزائر)، قال فيها "لدي اتصالات جيدة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لكن الأخير يعيش ضمن نظام صعب" في تلميح إلى أن الرئيس تبون محاصر بسبب هيمنة العسكر على السلطة.
كما شكك ماكرون، في تصريحاته، في وجود كيان للأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وقال "هل كانت أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، كان هناك استعمار سابق، (يقصد الوجود العثماني في الجزائر)"، وهو ما أثار غضبا سياسيا رسميا وشعبيا متصاعدا، إذ وصفتها الرئاسة الجزائرية "بالاستفزازية وغير المقبولة"، وقررت استدعاء السفير الجزائري من باريس للتشاور.