تشهد جزيرة لامبيدوزا الإيطالية منذ أيام توافداً غير مسبوق لمراكب المهاجرين الذين تجاوز عددهم عشرة آلاف مهاجر خلال أيام قليلة، ما دفع السلطات الإيطالية إلى إعلان حالة استنفار وإطلاق صيحات فزع نحو أوروبا لدعمها أمام هذا الوضع الصعب.
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني فقدت ابتسامتها العريضة التي كانت تعلو وجهها عندما كانت تتباهى بالتوصل إلى اتفاق للحد من موجة الهجرة المقبلة من تونس وليبيا، واصطدمت بالحقيقة المرّة التي تؤكد أن مقاربتها الأمنية من أجل ذلك لم تنفع وسقطت في الماء.
وسرعان ما حاولت ميلوني أن تبحث عن شماعة تعلّق عليها فشلها الذريع، وقالت إن الاتفاقية التونسية الأوروبية (التي بذلت جهداً كبيراً من أجلها) كانت تهدف للحد من موجة الهجرة من جهة، ودعم الاقتصاد التونسي من جهة أخرى. وقالت في فيديو لها، السبت، إن "جزءاً من أوروبا يأخذ الاتجاه المعاكس للأسف، وهناك بعض القوى السياسية التي تعتبر أن تونس فيها نظام قمعي لا يمكن الاتفاق معه". وأضافت: "إن هذه القوى تعتبر أيضاً أن تونس ليست بلدا آمناً، وعلى هذا الأساس لا يمكن إعادة المهاجرين السريين إليه"، متابعة: "على الرغم من الاتفاق الموقّع مع الاتحاد الأوروبي الذي يقضي بتسليم تونس 250 مليون يورو، إلا أنه لم يجر تحويلها بعد".
في الجهة الأخرى من المتوسط، كانت السلطات التونسية تحاول إنقاذ ماء الوجه أمام فشل الوعود بإيقاف نزيف القوارب المتوجهة إلى إيطاليا. وقامت القوات الأمنية التونسية (الشرطة والدرك) بحملة أمنية استعراضية غير مسبوقة في مدينة صفاقس، جنوبي البلاد، وداهمت وحدات من الحرس الوطني التونسي منازل تؤوي عدداً كبيراً من المهاجرين.
فشلت تونس وإيطاليا في الحد من موجات الهجرة السرية، على الرغم من كل الاتفاقات وكل العتاد الذي سُلّم إلى تونس لمراقبة حدودها. وهناك قراءات تذهب إلى تأويل التراخي التونسي بأنه رسالة إلى أوروبا للوفاء بوعودها المالية تجاه تونس سريعاً، لأن الأزمة الاقتصادية تشتد هناك، والنظام يواجه ضغوطاً اجتماعية وسياسية غير مسبوقة.
والخميس، رفضت تونس دخول نواب أوروبيين إلى أراضيها، ما اعتُبر أمراً غير مسبوق في علاقات الطرفين، ويعكس مدى التبرم التونسي من ضغط بعض القوى الأوروبية في ملف الحريات في تونس. ولكن النظام في تونس فشل بالخصوص في منح أمل للتونسيين يبقيهم في بلادهم، على الرغم من كل الشعارات، وادعاءاته بأنه أفضل من سابقيه، وستظل لامبيدوزا شاهدة على هذا الفشل.
وعلى الرغم من أن ميلوني لا تعتبر الديمقراطية أمراً ضرورياً في تونس، وكذلك صديقها الرئيس التونسي قيس سعيّد، فإن الأيام ستثبت أن لا توقّف للمراكب المهاجرة إلا بالتنمية، ولا تنمية إلا بالديمقراطية والحرية.