تتخوف نحو 11 ألف عائلة سورية تقطن أحياء درعا البلد في مركز مدينة درعا، جنوبي سورية، من عدم التزام النظام السوري باتفاق أُبرم منذ أيام، ينهي الحصار الذي فرضه على هذه الأحياء لأكثر من شهر، والذي تزامن مع مرور ثلاث سنوات على اتفاقات "تسوية" أجراها في محافظتي درعا والقنيطرة برعاية روسية، ولم تُنفذ مضامينها. وذكرت مصادر محلية أن مجموعة تابعة للفرقة الرابعة في قوات النظام، داهمت أمس الثلاثاء، منازل في أحياء درعا البلد، في خرق لاتفاق التسوية الذي أبرم منذ أيام، ودخل حيّز التنفيذ أول من أمس الإثنين، مشيرة إلى أن عدداً من شبّان المنطقة بادروا بإطلاق النار تحذيراً لهذه القوات من الاقتراب أكثر من منازل المدنيين. من جهته، أكد "تجمع أحرار حوران"، أمس، أن مجموعات من الفرقة الرابعة التابعة للنظام، والتي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام، بشار الأسد، قامت بسرقة محتويات العديد من المنازل على أطراف حيّ طريق السد ودرعا البلد بعد مداهمتها، ونصبت حاجزاً عند بئر الشيّاح في محيط درعا البلد، وأطلقت النار بواسطة مضادات أرضية باتجاه السهول والمزارع المحيطة بالمنطقة.
قامت قوات النظام بمداهمات ونصب حواجز، مخالفةً بذلك الاتفاق
وينصّ الاتفاق، الذي أبرم بين اللجنة المركزية في محافظة درعا والنظام، والذي يفترض أن يُنفذ على مراحل عدة، على تسليم أنواع من الأسلحة التي طالبت بها قوات النظام خلال مدة خمسة أيام، مقابل وقف العمليات الاستفزازية من قبلها، وسحب السلاح من اللجان الأمنية والقوات الرديفة للأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وإيقاف عملها داخل المدينة. كما ينص الاتفاق على دخول لجنة تسوية، بمرافقة لجنة من الأهالي، إلى أحياء درعا البلد لإجراء تسويات لمطلوبين، يبلغ عددهم 135 شخصاً، وفتح المعابر وإنهاء الحصار.
وبيّنت مصادر محلية فضّلت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أن "علم النظام رُفع (أمس) للمرة الأولى منذ سنوات عدة فوق مخفر العباسية في درعا البلد، بالتزامن مع انتشار لقوات النظام ونصب للحواجز في منطقة المزارع (الشياح والنخلة والبحار) والتمركز في جمرك درعا القديم بدبّابتين وخمس سيارات عسكرية". وأشارت المصادر إلى أن قوات النظام "تعتزم إقامة أكثر من 15 نقطة وحاجزا عسكريا في درعا البلد وحي طريق السد"، مشددة على أن ذلك "مخالف لبنود الاتفاق المعلنة". وأبدت المصادر تخوّفها من وجود بنود غير معلنة في الاتفاق، مشيرة إلى أن البنود المعلنة تنص على إقامة ثلاث نقاط عسكرية فقط، وتسليم سلاح المجموعات التي تعمل مع الفرقة الرابعة وجهاز الأمن العسكري، وإجراء تسويات جديدة. وتابعت: "لكننا اليوم نشهد إقامة أكثر من 15 نقطة عسكرية، بينما لم يُسحب السلاح من المجموعات العاملة مع النظام، وعدد عناصرها نحو 200، بل وقفوا مع قوات النظام على الحواجز ونقاط التفتيش التي أقامتها". ووصفت المصادر الاتفاق بـ"المجحف بحق العائلات في أحياء درعا البلد"، مشيرة إلى "دخول قوة أمنية وعسكرية من النظام، إلى المنطقة، أمس (أول من أمس الإثنين)، من دون أي مرافقة من لجنة التفاوض". وشرحت المصادر كيف "حوّلت هذه القوة مخفر العباسية مقراً لعقد التسويات، مع رفعها علم النظام، ما يدل على أن الأخير أحكم السيطرة على المنطقة".
ويأتي اتفاق التسوية في أحياء درعا البلد متسقاً مع اتفاقات مماثلة أبرمت في يوليو/تموز 2018، وأنهت حالة الحرب في محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي سورية، ولكنها فتحت الباب واسعاً أمام النظام لقضم كلّ المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته على مراحل. وتدخلت أطراف إقليمية في حينها لدفع فصائل المعارضة السورية التي كانت تسيطر على جانب كبير من محافظة درعا المتاخمة للأردن، إلى توقيع الاتفاقات، على الرغم من أن المعطيات التي ظهرت لاحقاً، أكدت أن هذه الفصائل كان يمكنها التصدي لقوات النظام أو الخروج باتفاقات أفضل. وتخلى الجانب الروسي عن مسؤولياته كضامن لهذه الاتفاقات، بحيث لم يتوقف النظام عن اعتقال أهالي درعا من مدنيين وعسكريين، بل إن البعض قضى تحت التعذيب في المعتقلات. كما أن النظام لم يفرج عن معتقلين على مدى سنوات الثورة السورية، كما نص الاتفاق الذي كان مدخلاً واسعاً للأجهزة الأمنية للقيام بعمليات انتقام واسعة النطاق، وخلق الفوضى الأمنية.
لم يُسحب السلاح من المجموعات العاملة مع النظام، وعدد عناصرها نحو 200
ولم تشهد المحافظة منذ ذلك الحين أي استقرار أمني أو عودة للنازحين أو المهجّرين إلى الأردن إلى بلداتهم وقراهم، حيث لا تزال المحافظة تحت وطأة أزمات معيشية وأمنية كبيرة. ولا يكاد يمر يوم من دون حادث اغتيال في المنطقة، يستهدف خصوصاً الشبان الذين كانوا في صفوف مقاتلي المعارضة وأجروا تسويات مع النظام. وبحسب "مجلس حوران الثوري"، تهجرت بموجب اتفاقات التسوية في 2018، حوالي 1700 عائلة توزعت على مدينة إدلب وريفها وريف حلب الشمالي. من جهته، أوضح "تجمع أحرار حوران"، وهو كما يصف نفسه "مؤسسة إعلاميّة محليّة تنقل أحداث الجنوب السوري"، في تقرير له، أن عدد القتلى من المدنيين في محافظة درعا خلال النصف الأول من العام الحالي وحده بلغ 113 قتيلاً، من بينهم 10 أطفال ذكور و4 إناث، و44 قتيلاً نتيجة لعمليات الاغتيال والتصفية المباشرة، و29 قتيلاً من العناصر والقياديين السابقين في فصائل المعارضة الذين أجروا التسوية، وأصبح تصنيفهم بحكم المدني لعدم انخراطهم ضمن أي تكتل عسكري، وفق "التجمع". وبيّن "تجمع أحرار حوران"، أنه "قتل 16 مدنياً من أبناء محافظة درعا تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري، 9 منهم اعتقلوا عقب سيطرة النظام على المحافظة في 2018، من بينهم خمسة منشقين عن قوات النظام سّلموا أنفسهم عقب إجرائهم التسوية". وذكر "التجمع" أن "عدد المعتقلين من أبناء محافظة درعا خلال النصف الأول من العام الحالي، والموثق لديه، هو 178 معتقلاً، بينهم نساء".
وأشار أبو محمود الحوراني، المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قوات النظام بدأت عملياً الانتشار في عموم محافظة درعا مطلع أغسطس/آب عام 2018 بعد أيام من إبرام الاتفاقات، مشيراً إلى أن الاتفاقات "فُرضت بقوة السلاح وتحت التهديد". وأشار أبو محمود الحوراني إلى أن اللجان المركزية التي فاوضت النظام "أجبرت على الموافقة على بعض الأمور تحت التهديد". كما لفت إلى أن "الجانب الإيراني حاول ولا يزال يحاول إفشال هذه الاتفاقات عن طريق الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام"، موضحاً أن هذه "القوات لا تسيطر عملياً على الكثير من المدن والبلدات في محافظة درعا، ولهذا السبب يخرج الأهالي بالتظاهرات المناهضة للنظام بشكل دائم". وأشار إلى أن "النظام يعتمد على الحواجز بين المدن والبلدات والقرى"، متحدثاً عن وجود "130 حاجزاً لقوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له في عموم محافظة درعا اليوم".