لم تفضِ المبادرات الداخلية والخارجية حتى اليوم إلى كسر الجمود الحكومي في لبنان، وإعادة إحياء خطوط التواصل المقطوعة منذ 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري.
وبالتزامن مع الحديث عن زيارة مرتقبة للحريري، الموجود حالياً في أبوظبي، إلى باريس، لبحث الملف الحكومي والعراقيل التي تعترض طريقه وأسس المبادرة الفرنسية مع الرئيس إيمانويل ماكرون، برزت دعوة لافتة من البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة أمس الأحد.
مبادرة الراعي تدعو إلى "طرح قضية لبنان في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة، يثبّت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان ونظام الحياد وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدّي عليه والمسّ بشرعيّته، وتضع حدّاً لتعددية السلاح، وتعالج حالة غياب سلطة دستورية واضحة تحسم النزاعات وتسدّ الثغرات الدستورية والاجرائية، تأميناً لاستقرار النظام، وتلافياً لتعطيل آلة الحكم أشهراً وأشهراً عند كلّ استحقاق لانتخاب رئيس للجمهورية ولتشكيل الحكومة".
وتعدّ مبادرة الراعي اليوم هي الثانية له في خلال أشهر قليلة، إذ كان أعلن في منتصف أغسطس/آب الماضي "مذكرة لبنان والحياد الناشط"، التي ترتكز على عدم دخول البلاد قطعياً في أحلافٍ ومحاور وصراعات سياسية وحروب إقليمياً ودولياً، وامتناع أي دولة إقليمية أو دولية عن التدخل في شؤونه أو الهيمنة عليه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراضٍ عسكرية.
وتلاقي مبادرات الراعي سابقاً وراهناً انقساماً في الآراء على الساحة السياسية المحلية، وتلاقي اعتراضاً خصوصاً عند "حزب الله" و"حركة أمل" (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري) و"التيار الوطني الحر" الذي يرأسه النائب جبران باسيل، وآخرها طرح قضية لبنان في مؤتمر دولي.
ويرى عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ طرح الراعي فيه محاذير كثيرة، والعالم اليوم يمرّ بمرحلةٍ دقيقة في ظلّ تناقض وتقاطع المصالح في بعض الأماكن، وبالتالي، هناك محاذير من أخذ لبنان بهذا الاتجاه، في وقت أنّ الموضوع هو داخلي، ويجب أن يعالج بحلول داخلية لا خارجية.
وشدد هاشم، الذي ينتمي إلى كتلة الرئيس بري، على ضرورة عدم "اقحام وطننا في متاهات الخلافات الدولية والمصالح الخارجية، خوفاً من أن تضيع الكثير من الحقوق، وإدخالنا في آتون أزمات جديدة في ظل تقاطع المصالح الدولية التي تفتش عن كيفية الاستفادة من الظرف، في الوقت الذي علينا فيه أن نفتش عن مصلحة لبنان أولاً قبل أن يفتش الآخرون عن مصالحهم في بلدنا".
وتردّدت معلومات عن انزعاجٍ في أوساط "التيار الوطني الحرّ" ورئيسه باسيل من موقف البطريرك عالي السقف تجاه السلطة الحاكمة والعهد بطبيعة الحال، برئاسة الرئيس عون.
وزار وفد من التيار الراعي، اليوم، وعلق على طرح مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، بأن "مساعدة الأشقاء والمنظمات الدولية والأصدقاء للبنان مشكورة، لكن نحن نرى أن الحلول يجب أن تأتي من الداخل على المستوى المسيحي والوطني، فإذا لم نستطع أن نستنبط حلولاً من الداخل فعبثاً نحاول، وعيشنا المشترك يتطلب أن نجلس سوياً لإيجاد الحلول، من هنا سمعنا نداء البطريرك، ونأخذ كلامه بعين الاعتبار، لكن رأينا أن نركز على الحوار الداخلي، وسنبقى نعمل على هذا الأساس للوصول إلى هذه الغاية".
في غضون ذلك، تتجه الأنظار إلى زيارة الحريري للعاصمة الفرنسية، رغم التكتّم الكبير ضمن أوساط "المستقبل" حول تفاصيل جولاته الخارجية ومواعيدها.
وتجزم أوساط محيطة بالحريري أنّ الأخير سيكون في لبنان في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط الجاري، وستكون له جملة مواقف صريحة للشعب اللبناني في الكثير من المسائل، وعلى رأسها الحكومة ومسار التأليف الشاق، ومحاولات إحراجه فإخراجه وإبعاده من مهامه الحكومية، من هنا أهمية زيارة باريس في تحديد وجهة رئيس الوزراء اللبناني المكلف ومصير حكومته.
ولم يكشف المستشار الإعلامي للرئيس سعد الحريري حسين الوجه عن موعد زيارة رئيس الوزراء المكلف إلى باريس، لكنه قال لـ"العربي الجديد" إن كل جولات الحريري الخارجية تصبّ في إطار إعادة علاقات لبنان مع محيطه العربي والدولي، وتأكيد أهمية المبادرة الفرنسية للنهوض بلبنان اقتصادياً.
وأشار الوجه إلى أنه لا جديد على المستوى الحكومي، فالحريري قال ما عنده، وهو مصرّ ومصمّم على حكومة من 18 وزيراً، في حين تؤكد أوساط التيار الوطني الحر أنّ الرئيس عون حريص على تشكيل الحكومة، ووحدة المعايير، وتحصين موقع رئاسة الجمهورية لا تغييبه من خلال تفرّد الحريري بالتشكيلة الحكومية، مشددة على أنّ الحريري هو من عليه زيارة القصر الجمهوري في بعبدا للتشاور مع الرئيس عون وإيجاد الحلول سوياً.
وفي إطار المبادرات، تتّجه الأنظار إلى عين التينة، مقرّ الرئيس بري الذي يقود مساعي لكسر حال الجمود وفتح قنوات التواصل بين الرئيسين عون والحريري، إذ يؤكد النائب قاسم هاشم أنّ رئيس البرلمان لم ولن يتوانى عن القيام بدوره الجامع وتقريب وجهات النظر وحث الفرقاء على التلاقي ووضع مصلحة لبنان أولاً، ويسعى لأي لقاء من شأنه أن يساهم في التفاهم، وذلك في معرض تعليقه على مساعٍ لجمع باسيل، الذي تعتبره أوساط الحريري أصل التعطيل، مع الحريري.
وراهناً، يلفت هاشم إلى أنّ ملف الحكومة لا يزال في دائرة المراوحة، رغم كل المحاولات والمبادرات، وهذا مؤسف جداً، فالبلاد اليوم هي في أمسّ الحاجة لحكومة قادرة وفاعلة، والوضع يحتّم علينا التخلي عن بعض الحسابات والمكاسب السياسية والطائفية والمناطقية. علماً أنّ من مشاكل التيار الوطني الحرّ إصرار الرئيس بري على وزارة المالية وتسمية وزراء الطائفة.
ويرى التيار أن الحريري يساير بري في مطالبه ويمنحه ما يريد، في حين يريد أن يسمّي هو وزراء الطائفة المسيحية.