لقاء منوتشين-السيسي: مقترحات لتطوير وتفعيل الشق الاقتصادي لـ"صفقة القرن"

14 يناير 2021
يخصص بـ"صفقة القرن" مليارا دولار للنهوض بسيناء (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وغربية بالقاهرة، لـ"لعربي الجديد"، عن تطرق المباحثات التي دارت بين وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة الأسبوع الماضي، إلى أفكار ومقترحات مصرية لزيادة الدعم المنصوص عليه في البرنامج الذي كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلنته في ورشة المنامة. وكانت الورشة، عقدت في يونيو/حزيران 2019، وخصصت لعرض الشق الاقتصادي لما يسمى بـ"صفقة القرن" أو ما بات يعرف بـ"خطة أبراهام" لتطبيع الدول العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت المصادر إن جولة منوتشين في المنطقة، والتي كانت مقررة منذ بداية الشهر الماضي، وشملت عدة عواصم خليجية والقاهرة والخرطوم، وقطعها بسبب الأحداث الأخيرة في واشنطن، كانت تهدف في جزء منها إلى تسيير التفاهمات بين الدول العربية ودولة الاحتلال، لضمان البناء على ما تم تحقيقه، في نهاية عهد ترامب، من إعلان تطبيع العلاقات. كما هدفت للتأكيد على وفاء واشنطن بوعودها لدعم العواصم التي وافقت على اتخاذ هذه الخطوة، وفي الوقت نفسه استمرار عمل دوائر مختلفة في الأوساط المؤيدة لإسرائيل داخل الوزارات الأميركية المعنية، لضمان استفادة الدول المحيطة بفلسطين من تدفقات مالية من دول خليجية وتسهيلات ومساعدات أميركية، مقابل تصفية القضية الفلسطينية.

يحاول السيسي إبداء موقف مستقل عن مسار التطبيع المتسارع الذي تقوده الإمارات

وأوضحت المصادر أنه منذ تطبيع الإمارات تحديداً مع اسرائيل، وعدم انعكاس الخطوات المتتالية على الأوضاع الاقتصادية لدول المحيط الفلسطيني، التي تعتبر الأكثر تضرراً من استمرار ممارسات الاحتلال، والسيسي يحاول، بالتنسيق مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حشد جهود دبلوماسية. كما أنه يحاول إبداء موقف مستقل عن مسار التطبيع المتسارع، الذي تقوده الإمارات، وتحاول جر السودان ودول أخرى إليه، بحيث تحافظ على معايير معينة وحدود واضحة لمستوى التطبيع العربي، دون الاندفاع إلى سبيل قد يفقد مصر أولاً، والأردن ثانياً، أهميتهما الإقليمية بالنسبة لواشنطن والعواصم الغربية.
وذكرت المصادر أن اللقاءات الأخيرة بين وزيري الخارجية المصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي، وبين وزراء خارجية فلسطين رياض المالكي وفرنسا جان إيف لودريان وألمانيا هايكو ماس، كانت تهدف إلى إعادة إلقاء الضوء على القضايا التي من شأنها إظهار استمرار معاناة الشعب الفلسطيني من جهة، وتعقد أوضاع محيطه الإقليمي، وتوتر العلاقات بين دولة الاحتلال ومصر والأردن من جهة أخرى. وهدفت، في الوقت نفسه، للتشديد على أن تجاوز هذه القضايا المهمة لحساب تطبيع اقتصادي شعبي بين دول الخليج ودولة الاحتلال ربما يحدث حراكاً في وسائل الإعلام، ويلبي أهدافاً سطحية لدوائر صنع القرار الأميركية، لكنه لن ينهي القضية الفلسطينية.

وبحسب المصادر فإن القيادة المصرية عبرت لمنوتشين خلال الزيارة الأخيرة، وكذلك لترامب من خلال اتصالات سابقة، عن ضرورة تقديم مساعدات كبيرة لمصر في إطار التخطيط لشرق أوسط جديد، بما يساعدها على استيعاب الأزمات التي يمكن تصديرها من الأراضي الفلسطينية. وأشارت إلى أن هذه المسألة أُبلغت بوضوح أيضاً لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، باعتبارها من الأركان الأساسية لجهود التوصل إلى حل نهائي للقضية من وجهة النظر الغربية.
وعن فرص التزام الإدارة الأميركية القادمة بما تم بحثه، أو التوافق عليه في الاتصالات السابقة، وخلال جولة منوتشين، ذكرت المصادر أن الوزير الأميركي أعطى مصر والسودان رسائل طمأنة عن حرص النواب، والدوائر، والمسؤولين الحكوميين، الذين يدعمون الخطة الأميركية على عدم الإخلال بأي تعهدات سابقة. لكن المشكلة هي أن عهد ترامب انتهى دون تفعيل رسمي لبنود الشق الاقتصادي من الصفقة، الأمر الذي ترجح معه المصادر المصرية أن يعاد النقاش فيها لاحقاً، ولكن شرط فتح إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن للملف مبكراً. وهذا الأمر لن يتأتى إلا بإلحاح مصري وأردني على طرح القضية في المنابر الدولية، وترويجها في الأوساط الدبلوماسية من منظورهما الخاص، وليس من المنظور الإماراتي أو الخاص بدولة الاحتلال.

لم يعد هناك ما يحتم على الدول الخليجية المطبعة تمويل الشق الاقتصادي من الخطة الأميركية
 

فمن وجهة نظر حكومة بنيامين نتنياهو تتراجع أهمية ترضية ودعم دول المحيط، طالما توافر لممارساتها الاستيطانية الغطاء السياسي الكافي من واشنطن، أو دول الخليج المطبعة حديثاً، والتي بدورها لم يعد هناك ما يحتم عليها تمويل الشق الاقتصادي من الخطة الأميركية بعد التطبيع، وبناء علاقات مباشرة مع دولة الاحتلال، وفق بعض الرؤى لديها، وكذلك في واشنطن. وفي السياق، كشف أحد المصادر المصرية المطلعة أن الخلاف حول غياب الشق الاقتصادي، ومحاولة دولة الاحتلال ودول خليجية الالتفاف عليه، وعدم التزام حكومة نتنياهو ببعض الإجراءات التي كانت قد وعدت بها القاهرة وعمّان على سبيل التهدئة والتوطئة لـ"صفقة القرن" بشكلها القديم، تمثل أسباباً تؤدي إلى عرقلة الزيارة التي كان نتنياهو ينوي القيام بها إلى القاهرة الشهر الماضي، وكذلك ممانعة مصر في اتخاذ خطوات أكبر نحو التطبيع الشعبي، أسوة بالإمارات.
ورغم تسليم السيسي بضرورة التنسيق مع إسرائيل، استراتيجياً وعسكرياً وأمنياً، وضرورة توسيع رقعة التعامل معها في المجال العربي، إلا أنه كان يرى منذ البداية بعض الإشكاليات في الخطة، مثل ضبابية رؤية واشنطن للواجبات التي يمكن لمصر القيام بها، وعدم معقولية عدد من المشاريع الاقتصادية والمساعدات التي تتضمن الخطة دعم النظام المصري بها، حتى مع استبعاد مسألة التوطين وتبادل الأراضي، وكذلك عدم وضوح التزامات التمويل. وبحسب المصادر فقد كان السيسي يرى أن الأولوية لإنجاح الخطة أن تكون عبر تقديم الحكومة الإسرائيلية، خطوات ملموسة لتحسين علاقتها بمحيطها العربي، ويكون ذلك في شكل مساعدات، لوجيستية واقتصادية وفنية، يمكن للإدارة الإسرائيلية أن تروج بها لفكرة المصالحة الشاملة، التي يعتبر السيسي أنها ضرورية للغاية. كما أنه حاول مراراً إقناع الإدارة الأميركية بصعوبة مهمة تكليف مصر بإدارة الملف الأمني في غزة، والسيطرة على حركة "حماس" وتحجيم قوتها العسكرية، والتي سبق للسيسي محاولة إنجازها في صورة "المصالحة الفلسطينية"، والتي شهدت انتكاسة كبرى في عام 2019، وأن تسعى واشنطن لتأمين ودعم التحركات المصرية بمزيد من المساعدات المالية للقاهرة وغزة على السواء.
أما المشكلة الأخرى فتتعلق بطبيعة المشاريع التي تدخل ضمن "الحزمة التحفيزية لإنجاز الخطة"، حيث أبلغ السيسي إدارة ترامب، منذ عام تقريباً، بضرورة مراعاة حساسية وضع الجيش المصري في سيناء، واستثناء بعض المناطق من احتمالية ضمها لتلك المشاريع. كما اعتبر أن بعض المقترحات الخاصة بالتمويل والقروض "تفتقد للموضوعية والسرعة المطلوبة"، وعدم ربطها بشكل مباشر بضرورة دعم جهود مصر في تنمية سيناء، مالياً، كمرحلة أولى، قبل التطرق لمثل هذه المشاريع طويلة الأمد.

أبلغ السيسي إدارة ترامب، منذ عام تقريباً، بضرورة مراعاة حساسية وضع الجيش المصري في سيناء
 

ووفقاً للشق الاقتصادي من "صفقة القرن"، والذي ترغب كل من القاهرة وعمان في مراجعته والبناء عليه، فسوف تحصل مصر على 9.167 مليارات دولار من قيمة المبالغ المالية، محتلة المركز الثاني بعد الأراضي الفلسطينية التي ستحصل على 27.8 مليار دولار، وقبل الأردن الذي سيحصل على 7.365 مليارات دولار، ولبنان الذي سيحصل على 6.325 مليارات دولار. وسيتم تخصيص نصف مليار دولار لتطوير منشآت ومرافق الطاقة في سيناء، وجعل مدنها قابلة للحياة وجاذبة للاستثمار، وتخصيص نصف مليار دولار لتطوير منشآت ومرافق المياه في سيناء لجذب مزيد من الاستثمار والأيدي العاملة المستدامة. وسيتم تخصيص نصف مليار دولار لإنشاء شبكة طرق متكاملة بين مدن سيناء، لتدعيم البنية التحتية الجاذبة للاستثمار. وأخيراً، سيخصص نصف مليار دولار لدعم المشاريع السياحية في جنوب سيناء على ساحل البحر الأحمر. وسيخصص إجمالاً 2 مليار دولار للنهوض بالأوضاع المعيشية في سيناء، وإنهاء حالة الفوضى والفقر والمعاناة التي تعاني منها المدن الكبرى والقرى، وتفاقمت بسبب المواجهة المسلحة منذ 2012 بين الجيش والمجموعات الإرهابية في شمال شرق شبه الجزيرة المصرية، على أن تستفيد الحكومة المصرية من هذه المخصصات خلال 8 سنوات. كما سيتم تخصيص مليار و500 مليون دولار لدعم الجهود المصرية المشتركة مع الإسرائيليين لإنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي في مصر، وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول المصرية، وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال، وذلك على مدار 5 سنوات. ومن المقترح تخصيص 125 مليون دولار، تُوجه لفتح مجالات العمل أمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة، برعاية المؤسسة الأميركية للاستثمار الخاص عبر البحار، بنظام القروض، على أن يتم توجيه النسبة الأكبر من هذه القروض إلى المشاريع الفلسطينية بمصر، وذلك على مدار عامين من الخطة.
ومن المقترح تخصيص 42 مليون دولار لتطوير وإصلاح خطوط النقل والمواصلات ونقل الطاقة بين مصر وقطاع غزة، على مدار 5 سنوات و3 مراحل، وتمكين الفلسطينيين من شراء الطاقة، بمختلف أنواعها، من القاهرة بأسعار تنافسية، ودعم قدرة مصر على إنتاج الطاقة الكهربائية، وتحسين جودة المنتج المورد إلى غزة والعمل على ديمومته. على أن يتم أيضاً تخصيص نصف مليار دولار لدعم الجهود المصرية لإنشاء وتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وزيادة المشاريع والمصانع والمناطق اللوجيستية فيها، وتخصيص نسبة من العمالة فيها للفلسطينيين.
وتشمل الخطة دعم استفادة الفلسطينيين من المناطق الصناعية المؤهلة في مصر بنظام "الكويز" (في إشارة إلى تشريع أميركي يعفي صادرات عربية معينة من ضرائب أميركية شرط أن تدخل في تصنيعها مواد أولية إسرائيلية في مناطق صناعية محددة)، وتوثيق التعاون الصناعي بين مصر والفلسطينيين وإسرائيل، والمشاركة في تأهيل مناطق صناعية بالأراضي الفلسطينية وسيناء توفر فرص عمل للفلسطينيين. وسيتم تخصيص 5 مليارات دولار لدعم البنية التحتية للدولة المصرية بصفة عامة، نصفها في صورة قروض، وسيتم إنفاقها على مدار سنوات الخطة، مع الأخذ في الاعتبار أن أكثر من 50 في المائة من هذه المبالغ سيكون على هيئة قروض. وترجح المصادر الدبلوماسية أن يتم تمويل تلك القروض من دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات. أما حجم المنح فيبلغ فقط نحو 10 في المائة، بينما النسبة الباقية ستكون من إسهامات القطاع الخاص، الخليجي والأميركي والمحلي والإسرائيلي.
يذكر أن الرئاسة المصرية، أعلنت على لسان السيسي أخيراً أكثر من مرة خلال لقاءاته الدولية، أن "تسوية القضية الفلسطينية ستغير من واقع وحال المنطقة بأسرها إلى الأفضل، من خلال فتح مسارات وآفاق جديدة للتعاون الإقليمي بين الحكومات والشعوب. وأن هذا التقدير ينبع من الواقع الذي عايشته مصر خلال تجربتها الرائدة بالمنطقة، باختيار مسار السلام وممارسته فعلياً على مدار أكثر من أربعة عقود".