لماذا تُحدث قضية التسريبات التي تهز إسرائيل كلّ هذه الضجة؟

04 نوفمبر 2024
نتنياهو خلال جلسة للكنيست الإسرائيلي / القدس 28 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

ضباط احتياط في الجيش يشتبه في تورطهم بقضية التسريبات

التحقيقات تركز على كيفية حصول التسريب

"الشاباك" يهدف إلى إحباط مسار التسريب

وسط تواصل التحقيقات، تتسع دائرة الاعتقالات في إسرائيل بقضية تسريب وثائق سرية متعلقة بحرب غزة والصفقة مع حركة حماس، من مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وأعلن جهاز الأمن العام (الشاباك) اليوم الاثنين، اعتقال ضابط في الجيش ليرتفع عدد المعتقلين في القضية التي تهز إسرائيل إلى خمسة، أبرزهم متحدث كبير باسم نتنياهو.

وعلى الرغم من التسريبات المتواصلة منذ نحو عام، بقضايا أخرى، اكتسبت هذه القضية أهمية خاصة، فلماذا يتم التحقيق فيها دون غيرها؟

قضية الوثائق السريّة التي هزت مكتب رئيس الحكومة وأدت إلى اعتقال عدة مشتبهين، بينهم المتحدث إيلي فلداشتاين، بدأت بمبادرة من الجيش الإسرائيلي. ولكن الحديث ليس عن تحقيق في قضية تسريب، بقدر ما هو تحقيق في "مسار تسريب سري"، بمعنى معلومات سرية للغاية تسرّبت من قاعدة بيانات الوحدة 8200 في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) دون أن يفهم الجيش الإسرائيلي كيف حدث ذلك.

وبحسب ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم الاثنين، توجّه الجيش الإسرائيلي إلى "الشاباك" لفهم كيفية تسرب المعلومات السرية للغاية ولمنع استمرار التسريب، ولكن عندما بدأ التحقيق لم يكن أحد يعلم أنهم سيصلون إلى مكتب نتنياهو، وفلداشتاين، الذي كان متحدثاً باسمه في القضايا الأمنية خلال العام الماضي، فيما يحاول نتنياهو التنصل منه بعد الكشف جزئياً عن تفاصيل القضية.

لكن القصة الأهم في القضية، وفقاً للصحيفة، ليست الوثيقة نفسها، المعروفة باسم "وثائق السنوار"، بل المحور الذي تخرج منه المعلومات. ونقلت الصحيفة عن مصدر مطّلع على التفاصيل، لم تسمّه، تأكيده أن ما يحدث ليس مجرّد تحقيق في تسريبات، بل تحقيق لفهم كيفية تسرّب المعلومات السرية للغاية إلى جهات غير مخوّلة. بمعنى آخر، القصة ليست المعلومات التي تسرّبت، بل مصدرها وقرار عدد محدود من الأشخاص التصرّف كما يريدون في مواد سريّة للغاية. ومع ذلك، في هذه المرحلة، هناك ضباط احتياط صغار في الجيش الإسرائيلي يشتبه في تورطهم في القضية أيضاً.

ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها، تأكيدها أن "قضية التسريبات تضر بأمن الدولة وتسبب أضراراً، وأن الوثيقة المذكورة تم الحصول عليها من خلال أنظمة استخبارية ولم يُعثر عليها في أنفاق حركة حماس في قطاع غزة، وعندما تتسرب إلى الخارج لا تُرى فقط في إسرائيل بل يرونها أيضاً في حماس. وبمجرد أن ترى حماس الوثيقة المسربة، تدرك ما تعرفه إسرائيل، وبالتالي يمكنها التعرف على الجهات في التنظيم التي تسرّبت منها المعلومات. وبهذا الشكل، تتسبب القضية في أضرار كبيرة، وتؤثر على تحقيق أهداف الحرب". وأضافت المصادر للصحيفة أن "قدرات الاستخبارات التي يدور الحديث عنها تعتبر محوراً استراتيجياً مهماً جداً لإسرائيل، وعندما تكون حماس على علم بذلك،  فإنها تؤثر على أمن الدولة. والشخص الذي أخرج المواد فعل ذلك دون إذن وتخويل، ومنذ اللحظة التي بدأ فيها التحقيق، كان هدف "الشاباك" واحداً، وهو إحباط وإيقاف مسار التسريب. بمعنى آخر، إيقاف المكان الذي تخرج منه المعلومات السرية للغاية أثناء الحرب".

لماذا تقرر التحقيق في التسريبات هذه المرة؟

تنبع خطورة القضية الحالية، وفقاً لصحيفة "هآرتس" من استخدام معلومات داخلية حساسة للمؤسسة الأمنية، والتي قد تعرض مصادر المعلومات الاستخبارية للخطر. هذا، على عكس حالات التسريب الأخرى التي تتعلق في الغالب بمواد استخبارية من أنواع أخرى أو ببروتوكولات مناقشات سرية على الجانب الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك التقدير بأن المعلومات المسرّبة تم التلاعب بها لتشويه بعض التفاصيل في محاولة للتأثير على موقف الجمهور في إسرائيل.

بدأت إدارة أمن المعلومات في الجيش الإسرائيلي التحقيق في التسريبات بعد النشر في صحيفتي "بيلد" و"جويش كرونيكل". ويعني ذلك نقل معلومات إلى جهات خارج المؤسسة الأمنية دون إذن، ودون إبلاغ الجهات ذات الصلة في المؤسسة الأمنية. ويشتبه في أن رجال الأمن المعتقلين، نقلوا المعلومات إلى فلداشتاين، الذي لا يحمل التصنيف الأمني المناسب والذي يشتبه في أنه نقل المعلومات الحساسة إلى وسائل الإعلام الأجنبية بطريقة قد تضر بالمفاوضات بشأن صفقة مع "حماس" تعيد المحتجزين الإسرائيليين.

وكتب المحلل والصحافي في "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنيع، أن "جوهر القضية ليس التسريب بل الاستخدام الكاذب للمواد السرية لخداع الرأي العام في إسرائيل في الموضوع الأكثر حساسية على جدول الأعمال، وهو مسألة حياة أو موت. ليس التسريب بل الكذب، والشر، وحرية التنكيل بأبناء شعبك، مواطني دولتك، ضحايا إخفاقاتك. هكذا تتصرف الأنظمة الظلامية. من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان هناك ضرر أمني كبير أو جريمة من مجال الخيانة".

بنفس الروح كتب الصحافي والمحلل بن كسيبيت في صحيفة "معاريف"، معتبراً أن "القضية ليست التسريب، بل سرقة المواد السرية. كانت ستكون قضية تسريب إذا كان أحد رجال نتنياهو، أو نتنياهو نفسه، مشتبهاً في نقل معلومات سرية للغاية إلى الصحافة. لكن هذه ليست القصة ولا القضية. كانت هناك دائماً تسريبات، وهناك الآن وستكون دائماً. هكذا هي الديمقراطية".

وأضاف: "تمت سرقة هذه المواد السرية من شعبة المخابرات العسكرية، ووصلت بطريقة غير معروفة إلى أحد رجال نتنياهو، ومنه إلى وسائل الإعلام، ومنها إلى الرقابة التي رفضت نشرها. لكن شخصاً ما أراد نشرها في جميع الأحوال، فكانت المحطة التالية هي وسائل الإعلام الأجنبية. هناك تم نشرها بالفعل. لذلك، لا يجب الوقوع في هذا الفخ الذي تضخه آلة السموم (في إشارة إلى نتنياهو) منذ مساء السبت. ليست هناك قضية تسريب، بل قضية سرقة. قضية يُشتبه في إطارها أنه تم إنشاء محور لسرقة المواد من قاعدة المواد الخام الضخمة المتراكمة في الاستخبارات، للتأثير على الرأي العام في إسرائيل".

المساهمون