- القانون المرفوض كان يستهدف عزل نظام الأسد دبلوماسيًا واقتصاديًا بسبب جرائمه ضد الشعب السوري، وحظي بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
- على الرغم من الرفض، تظل العلاقات بين الولايات المتحدة ونظام الأسد متوترة، لكن هناك مؤشرات على تخفيف موقف إدارة بايدن تجاه دمشق، مما يفتح المجال لتطورات مستقبلية في العلاقات السورية الأمريكية.
رفضت الإدارة الأميركية تمرير قانون مناهضة التطبيع مع بشار الأسد الذي صادق عليه مجلس النواب الأميركي، منتصف شهر فبراير/ شباط الماضي. وقال الدبلوماسي السوري السابق في واشنطن، بسام بربندي، إن البيت الأبيض رفض "خلال مفاوضاته مع رئيس مجلس النواب، في الأيام الماضية، حول تمرير قانون تمويل أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، الموافقة على تمرير قانون منع التطبيع مع نظام الأسد".
واعتبر بربندي، في منشور على "فيسبوك" أمس السبت، أن رفض مشروع مناهضة التطبيع مع بشار الأسد جاء من "دون أيّ تبرير، مع أنه قانون رمزي نسبياً مقارنة بالقوانين الجدية والمهمة التي وافق عليها، والمقدمة من رئيس مجلس النواب، مثل منع تيك توك أو القوانين المتعلّقة بفرض عقوبات اقتصادية إضافية على إيران وعلى المرشد الأعلى الإيراني". واستغرب الدبلوماسي السوري السابق رفض مشروع التطبيع مع بشار الأسد في الوقت الذي تطالب فيه الخارجية الأميركية نظام الأسد وداعميه بتنفيذ القرار الدولي 2254 باعتباره "وسيلة وحيدة للحل"، معتبراً أن الإدارة تسعى لتخفيف كلّ الضغوط على النظام السوري.
وصوّت مجلس النواب الأميركي، في 15 فبراير/شباط الماضي بأغلبية كبيرة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لصالح مشروع قانون مناهضة التطبيع مع بشار الأسد بعد أن تقدّم به عضوا مجلس الشيوخ السيناتور جيم ريتش والسيناتور ماركو روبيو. وقال ريتش، في بيان صادر عنه في حينه، إن "بشّار الأسد ارتكب، إلى جانب داعميه الروس والإيرانيين، فظائع لا توصف ضدّ الشعب السوري، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ضدّ المدنيين العزّل، والتعذيب، والإخفاء القسري، والتجويع سلاحاً من أسلحة الحرب". وأضاف أنه رغم تزايد الأدّلة ضدّ الأسد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كانت هناك "موجة مثيرة للقلق من الجهود لإعادة تأهيل وتبييض النظام وجرائمه"، معتبراً التشريع "يفرض سياسة العزلة الدبلوماسية والاقتصادية ضدّ نظام الأسد". كما وصف السيناتور روبيو نظام الأسد بـ"الديكتاتورية الدموية التي لا يوجد سبب لمنحها الشرعية الدولية"، داعياً حكومة بلاده للحد من أي نوع من تطبيع العلاقات مع "نظام الأسد المجرم".
ورفضت إدارة جو بايدن تمرير مشروع قانون مناهضة التطبيع مع بشار الأسد الذي جاء ضمن حزمة تشريعات عاجلة صوّت عليها مجلس الشيوخ، الأربعاء الماضي، ووقّع عليها بايدن، تتضمن تقديم مساعدات عاجلة بقيمة 95 مليار دولار لكلّ من إسرائيل وأوكرانيا وتايوان. ويرى المحلل السياسي، محمد الجزار، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الرفض مقصود على الأرجح"، إذ مرّرت تلك الحزم في الكونغرس، ووقّعها بايدن، "لكن الإدارة الأميركية طلبت، كما يبدو، استبعاد هذا المشروع من الحزمة التي وقّعها بايدن خلال مفاوضات تمهيدية بين مسؤولي الإدارة وأعضاء من الكونغرس".
هل يعود التطبيع مع بشار الأسد إلى الواجهة؟
واستبعد الجزار أن يُعرض مشروع القانون على إدارة بايدن مجدداً، متوقعاً أن يعرض على الإدارة الأميركية الجديدة مطلع العام المقبل، في أقل تقدير. ويشير الجزار إلى جملة عوامل قد تكون ساهمت في رغبة إدارة بايدن تخفيف حدّة تعاملها مع نظام الأسد، وفي مقدمتها "موقف الأخير من الحرب على غزّة، إذ قاوم النظام بقدر ما يستطيع، وبدعم من روسيا، محاولات إيران وحلفائها استخدام الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل"، جزءاً من "محور المقاومة". كما يمتنع النظام عن الردّ على الهجمات الإسرائيلية المتكرّرة داخل الأراضي السورية، بزعم مهاجمة أهداف إيرانية.
ولفت المحلل السياسي ذاته إلى ما ذكرته تقارير إعلامية، أخيراً، عن تلقي النظام تحذيرات من إسرائيل، بواسطة أطراف ثالثة، من أنه "سيدفع ثمناً باهظاً في حال سمح باستخدام الأراضي السورية لضرب إسرائيل". وأضاف الجزار: "يبدو أن إسرائيل راضية عن أداء الأسد في الحرب، وتعتقد أنه بذل ما بوسعه للنأي بنفسه عن حرب غزّة، وبات ينتظر من إسرائيل وإدارة بايدن تقدير ذلك، من خلال تخفيف العقوبات، أو عدم فرض قيود جديدة على أيّ انفتاح إقليمي على النظام"، ولا يستبعد، بحسب الجزار، تدخّل دول إقليمية تسعى لتطوير علاقاتها مع نظام الأسد، مثل الإمارات، لدى إدارة بايدن لعرقلة تمرير مشروع قانون مناهضة التطبيع مع بشار الأسد.
ويمنع مشروع القانون المقترح الإدارات الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يترأسها رئيس النظام السوري بشّار الأسد، ويوسّع العقوبات المفروضة على النظام بموجب قانون قيصر. وكان بايدن قد وقّع في المقابل، قبل يومين، قانون مكافحة الكبتاغون 2، ضمن حزمة التشريعات العاجلة وأصبح قانوناً نافذاً، والذي يُعنى بمحاربة إنتاج وتهريب المخدرات تحت رعاية النظام السوري. وكان الأسد قد كشف قبل أسبوع خلال مقابلة متلفزة، أجراها معه وزير الخارجية الأبخازي إينال أردزينبا، عن لقاءات تجري "بين الحين والآخر" مع الأميركيين. لكنّ الأسد لم يوضّح طبيعة تلك اللقاءات، وما إذا كانت ستفضي إلى تقارب محتمل مع واشنطن.
وتشكّل قضية الصحافي الأميركي، أوستن تايس، الذي فُقِدَ الاتصال به بعد توقيفه عند حاجز تابع لقوات النظام، قرب دمشق، في أغسطس/ آب 2012، أحد أبرز الملفّات العالقة بين الجانبين. واتهم جو بايدن، في عام 2022، النظام السوري باحتجاز تايس، ودعا الأسد إلى المساعدة في تأمين إطلاق سراحه. لكن خارجية النظام السوري نفت حينها احتجاز أي مواطن أميركي. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، مطلع مايو/ أيار العام الماضي أن إدارة الرئيس بايدن جدّدت محادثاتها المباشرة مع النظام السوري لتحديد مصير الصحافي الأميركي. ونقلت عن مسؤولين في الشرق الأوسط، مطّلعين على الملفّ، أن المفاوضين الأميركيين عقدوا سلسلة من الاجتماعات في الشرق الأوسط مع مسؤولين في حكومة النظام في سلطنة عمان. وذكر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بعد ذلك، أن بلاده منخرطة مع دولة ثالثة في محاولة لإعادة تايس إلى الولايات المتحدة.
الحسكة تنضم لوثيقة المناطق الثلاث
من جهة أخرى، أعلنت الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة، أمس السبت، انضمامها لوثيقة المناطق الثلاث، التي أعلنها مثقفون وأكاديميون وناشطون سوريون، في 8 مارس/ آذار الماضي. وقالت الهيئة في بيان، إنّ إعلان الانضمام جاء استناداً إلى "بنيتها الديمقراطية القائمة على التنوع، وإلى إيمانها بإعادة الاعتبار للمشروع الوطني السوري، وإلى مُجْمَل الاتصالات التي جرت مع الشركاء في وثيقة المناطق الثلاث، وإلى امتلاكها صيغة تمثيلية واسعة للطيف الوطني الثوري في محافظة الحسكة".
وأكدت الهيئة مصادقتها على كل ما جاء في وثيقة المناطق الثلاث، وأنها "تتطلّع لاستكمال النقاشات الدائرة لانضمام مناطق سورية أخرى، ليكمل هذا المشروع الوطني الواعد خطوته الأولى في الانتشار والتنسيق وبناء الثقة، على امتداد الأرض السورية كلّها".