كشفت مصادر ليبية متطابقة عن تلقي هيئة مجلس النواب رسائل من عواصم غربية حذّرتها من مغبة استبعاد حكومة الوحدة الوطنية من السلطة، وطالبتها بالعدول عن سعيها في هذا الاتجاه، وضرورة قبول مجلس النواب التوافق مع كل الأطراف لتحديد مواعيد جديدة للانتخابات في مدد قصيرة الأجل.
وكان مجلس النواب قد علق جلسته، أمس الثلاثاء، إلى الأسبوع المقبل، دون أن يحدد يوما معينا فيه، ودون إجراء تصويت على الاقتراحات التي طرحتها اللجنة النيابية المكلفة بالتواصل مع مفوضية الانتخابية كتوصيات لمعالجة تداعيات الانتخابات، التي كان مقررا إجراؤها الأسبوع الماضي، ومن تلك المقترحات إعادة تشكيل الحكومة.
وبررت اللجنة النيابية توصيتها بإعادة تشكيل الحكومة كونها لم تحقق "متطلبات الاستقرار" لإجراء الانتخابات. وكان مجلس النواب قد منح الثقة للحكومة في مارس/آذار الماضي حتى 24 ديسمبر/كنون الأول، ثم عاد وحجب الثقة في سبتمبر الماضي، وصيّرها حكومة لتصريف الأعمال.
وأكدت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، وجود مساع كانت تُعِد للإطاحة برئيس الحكومة الحالي، عبد الحميد الدبيبة، وتعيين شخصية سياسية أخرى بدلا عنه، مشيرة إلى أن هذا الاتجاه تشكل أثناء لقاء عدد من المترشحين للرئاسة، في بنغازي الأسبوع الماضي، بدعوة من خليفة حفتر، وأن وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا حظي بإجماع المشاركين في الاجتماع على توليه رئاسة الحكومة، على أن يتولى عقيلة صالح دعم هذا الاتجاه بقرار من مجلس النواب.
مساعٍ كانت تُعِد للإطاحة برئيس الحكومة الحالي، عبد الحميد الدبيبة، وتعيين شخصية سياسية أخرى بدلا عنه
وفي وقت كانت فيه عدة مقترحات على جدول أعمال جلسة مجلس النواب أمس، للتصويت عليها، أكدت ذات المصادر، التي فضلت عدم كشف أسمائها، أن استبعادها كان بسبب تحذير مسؤولين من ثلاث عواصم كبرى من تداعيات الإطاحة بالحكومة، مشيرة إلى أن تلك العواصم لا تتمسك بالدبيبة في شخصه لكنها تسعى للحفاظ على الاستقرار النسبي في السلطة إلى حين الاتفاق على مواعيد للانتخابات تضغط في اتجاه ألا تتجاوز يونيو/حزيران المقبل.
وكان مجلس النواب قد خلص، خلال جلسة الاثنين الماضي، إلى ضرورة استدعاء رئيس مفوضية الانتخابات، عماد السائح، للاستماع إلى ردوده على تقرير اللجنة النيابية المكلفة بالتواصل مع المفوضية، وكذلك مساءلته حيال عدم مخاطبة مجلس النواب بشكل رسمي بشأن تأجيل الانتخابات إلى يوم 24 يناير/كانون الثاني.
كما خلصت ذات الجلسة إلى ضرورة تبني موقف رسمي من بيانات عدد من سفارات الدول الغربية، الجمعة الماضية، بشأن "نقل السلطة من السلطة التنفيذية المؤقتة الحالية إلى السلطة التنفيذية الجديدة، ويجب أن يتم ذلك بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة والفورية"، الذي وصفه عدد من النواب بـ"التدخل السافر في الشأن الداخلي الليبي"، خصوصا بيان السفارة البريطانية، واعتبار السفيرة البريطانية "شخصية غير مرغوب فيها" على خلفية تأكيدها استمرار بلادها في التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية إلى حين تسليم السلطة إلى سلطة منتخبة.
لكن كل هذه المقترحات تجاوزت هيئة رئاسة مجلس النواب التصويت عليها، خلال جلسة الأمس، على الرغم من أن تعليق جلسة الاثنين الماضي إلى يوم أمس كان من أجل التصويت عليها.
وفيما أكدت المصادر التي فضلت عدم ذكر أسمائها، أن بند مناقشة وضع الحكومة كان مدرجا على جدول أعمال جلسة الأمس، لفتت إلى أن استبعاده كان بسبب تحذير مسؤولين من ثلاث عواصم غربية كبرى لهيئة رئاسة مجلس النواب من تداعيات الإطاحة بالحكومة.
وكشف أحد هذه المصادر وجود عوامل أخرى أفشلت مساعي الإطاحة بالدبيبة، وقال في هذا السياق: "إعلان السائح تأجيل الانتخابات إلى يوم 24 يناير أربك حسابات الجميع، فهو لم يؤجلها بشكل رسمي ولم يتبن هذا الموعد أيضا بشكل رسمي، ما جعل الجميع يبقي خارج منصبه خوفا من فقدان شرط التخلي عن المنصب للدخول في سباق الانتخابات"، ومنهم عقيلة صالح الذي تردد أنه سيترأس جلسة المجلس الأخيرة، قبل أن يعلن عن عدوله عن ذلك كونه مرشح رئاسي.
وفيما أشار ذات المصدر إلى وجود تحالف بين السائح والدبيبة لتلاقي مصالحهما بشأن بقائهما في منصبيهما، أكد أن مساعي حلف عقيلة صالح وفتحي باشاغا، ومن ورائهما خليفة حفتر، لم تتوقف للإطاحة بالدبيبة، ويسعون لتغيير وجهة نظر العواصم المتمسكة ببقاء الدبيبة من خلال تواصلهم مع دول إقليمية مجاورة لليبيا لا ترغب هي الأخرى في بقاء الدبيبة، مبيناً أن حجم هذه المساعي سيزيد إذا تأكد تأجيل الانتخابات لمدة طويلة.
ولا يبدو أن تمسك أطراف دولية ببقاء الدبيبة في منصبه خيار مناسب لهم، فاستمرار وجوده في ظل حجم المعارضة الكبير قد يؤدي إلى اتخاذ معارضيه خطوة في اتجاه تشكيل حكومة موازية، ويبدو أن الخيار الأمثل لدى تلك الأطراف الدولية إجراء الانتخابات في أقرب وقت لتجاوز الكثير من الفوضى.