لا تزال العملية السياسية في ليبيا تواجه العديد من العراقيل، أبرزها المسار الانتخابي الذي يمرّ بفترة غموض لم تتكشف خلالها أسباب توقف عمل اللجنة المكلفة بإنشاء قاعدة دستورية للانتخابات المقرّرة نهاية العام الجاري، وسط مخاوف من نفاد الوقت الذي قد يهدّد العملية الانتخابية وعودة أزمة الشرعية مجدداً.
ودعا المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، أعضاء ملتقى الحوار السياسي إلى "التفكير بطرق بديلة" بشأن القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات في موعدها المقرّر، مطالباً بضرورة التوافق على إطار قانوني للانتخابات بـ"حلول الأول من يوليو/تموز المقبل".
كما أكد كوبيتش، في كلمة لأعضاء ملتقى الحوار نشرتها البعثة عبر صفحتها الرسمية على "تويتر" ليل أمس السبت، أهمية استئناف اللجنة القانونية أعمالها لإنجاز "مقترحات معقولة للقاعدة الدستورية للانتخابات" لحسم هذه القضية، و"إرسال رسالة قوية إلى أولئك الذين لا يترددون في أمر الانتخابات فحسب، بل يخلقون المشاكل والمعوقات التي توقف هذه العملية".
ودشنت البعثة الأممية، في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعمال اللجنة القانونية التي شكلتها من 18 عضواً من ملتقى الحوار السياسي، لـ"إنشاء قاعدة قانونية ودستورية لانتخابات ديسمبر 2021، في غضون ستين يوماً"، لكن المدة المقرّرة للجنة انتهت في 21 فبراير/شباط الماضي، من دون أن تتوصل اللجنة إلى النتائج المرجوة أو الإعلان عن أسباب توقفها عن العمل.
كما لم يعلن مجلس النواب، المناط به المصادقة على القاعدة الدستورية بعد الاتفاق عليها من جانب ملتقى الحوار السياسي وفق خارطة الطريق السياسية، عن موقفه من توقف عمل اللجنة، ولا تحديد الاحتياطات الأخرى التي تمكن من إجراء الانتخابات في موعدها.
وسبقت مطالبة كوبيتش بعودة عمل اللجنة القانونية، عدة تصريحات من جانب أعضاء ملتقى الحوار السياسي، من بينها مطالبة آمال بوقعيقيص، التي تساءلت عن أسباب توقف عمل اللجنة "بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من القاعدة الدستورية"، مشيرة إلى أنه "لا انتخابات تلوح في الأفق في الفترة المقبلة".
ويدور الخلاف في الأوساط الليبية بين متمسكين بإجراء الانتخابات وفق قاعدة دستورية موقتة تُضمّن في الإعلان الدستوري، وبين من يرى ضرورة الاستفتاء على الدستور الذي أقرّته الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور منذ يوليو/تموز 2017، لكن التفريط في الدستور وتجاوزه إلى إجراء انتخابات بقاعدة دستورية موقتة يعني استمرار فترات الانتقال السياسي، وفق رأي الناشط السياسي الليبي مالك هراسة.
ويحذر هراسة، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، من وجود أيادٍ خفية تعمل على عرقلة عمل اللجنة القانونية بـ"هدف تبديد الوقت ووضع الجميع أمام واقع القفز على استحقاق الاستفتاء على الدستور"، متهماً أطرافاً سياسية بأنها لا تريد للبلاد الوصول إلى المرحلة الدائمة، وترغب في استمرار مراحل الانتقال السياسي حتى تبقى في المشهد.
وشددت العديد من الدول المعنية بالملف الليبي على ضرورة إجراء الانتخابات الوطنية في موعدها المقرّر، وآخر التصاريح كانت لوزراء خارجية إيطاليا وألمانيا وفرنسا، أثناء زيارتهم لطرابلس الخميس الماضي، والتي أكدوا خلالها أهمية التزام قادة البلاد بالمراحل التي قررتها خارطة الطريق السياسية، وعلى رأسها إجراء انتخابات وطنية في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ويرى هراسة أن الطبقة السياسية الليبية تدرك أن إجراء الانتخابات في موعدها "هو قرار دولي، لكنها تحوط لنفسها من خلال محاولة تبديد الوقت لفرض أمر واقع يتم من خلاله القفز على استحقاق الاستفتاء على الدستور".
ويتساءل هراسة حول من له مصلحة في عرقلة عمل اللجنة القانونية، قائلاً إن "كوبتيش عندما طالب أعضاء الملتقى بالتفكير في بدائل أخرى كان يتحدث عن اتصالاته مع مجلس النواب بشأن القاعدة الدستورية وبكل تأكيد لاحظ سعي النواب لعرقلة هذا المسار، ولذا دعا للتفكير في بدائل أخرى".
ويلفت هراسة إلى أن الدستور يتوفر على ضمانات مهمة، منها شروط الترشح وإدارة الانتخابات وآلياتها والمساءلة والمحاسبة والمحاكمة والمدد الزمنية، قائلاً إن "كل هذه الضمانات تعيق أهداف المعرقلين بخلاف القاعدة الدستورية الموقتة التي تتيح لهم التلون والتشكيل مع كل مرحلة للبقاء وتمديد فترات الانتقال السياسي".
ومنتصف الشهر الماضي، دقت تصريحات رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، ناقوس الخطر، عندما حذر من توقف عمل اللجنة القانونية، معتبراً أنه "استنزاف للوقت المحدّد لإجراء الانتخابات"، بل واعتبر أن البلاد "ضيّعت فرصتها لتنظيم الاستفتاء، إلا إذا قررت تأجيل الرئاسيات والبرلمانيات إلى نهاية 2022".
ويخشى هراسة من سيناريو آخر يترتب على تبديد الوقت، قائلاً إن "استمرار الأسباب الغامضة التي تعرقل عمل اللجنة القانونية لفترة أطول سيضطر البعض للنظر في إمكانية تمديد فترة السلطة التنفيذية الحالية لأنه لا يوجد حلّ آخر، وعندها ستدخل في نفق أزمة الشرعية مجدداً".