استمع إلى الملخص
- يؤكد برهان غليون على أهمية تأمين الحياة المادية، وإعادة بناء الاقتصاد والدولة، وتعزيز الوحدة الوطنية، مع التركيز على السيادة السورية والحصول على مساعدات دولية لإعادة الإعمار.
- يشير مضر الدبس إلى ضرورة عقد مؤتمر تأسيسي لبناء دولة جديدة، مع توحيد الخطاب السوري وضبط اللغة السياسية لتناسب المرحلة الحالية.
يترقب السوريون مؤتمر الحوار الوطني الذي أشار القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع، إلى عقده قريباً، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدولة في الخارجية القطرية محمد الخليفي، من القصر الرئاسي بدمشق الاثنين الماضي، وما إذا سيكون جامعاً لكل السوريين. ويتركز هذا الترقب حول ما سيفضي إليه مؤتمر الحوار الوطني في سورية ومن ضبط المرحلة الانتقالية ضمن خطة واضحة تتيح تحويلها إلى نقطة انطلاق لتثبيت نظام سياسي جديد، يشكل قطيعة مع نظام الأسد بكل ما حمله من ديكتاتورية. وبينما لفت الشرع حينها إلى وجود جهود كبيرة تُبذل لوضع برنامج شامل لإدارة المؤتمر الوطني العام المرتقب، ضمنه "دعوة ضيوف من جميع مكونات الشعب السوري لتحقيق التمثيل الشامل"، فإن تساؤلات تُطرح حول تعاطي حكام سورية الجدد مع التحديات الجمة التي تفرض نفسها بعد سقوط نظام الأسد من جهة، ومن جهة أخرى حول الجهات التي ستمثل السوريين في مؤتمر الحوار الوطني.
وبالنسبة للتحديات، فليس أقلها ما تعانيه مؤسسات الدولة من ترهل وضرورات إرساء الاستقرار الأمني ومعالجة المخاوف للفئات الاجتماعية، فضلاً عن قضايا أخرى لا تقل أهمية تتعلق بالاعتداءات والتغول الإسرائيلي في الأراضي السورية وقضمها، خصوصاً في الجولان المحتل، أو ما يرتبط بالتدخلات الخارجية وسط مخاوف من إحلال التدخل الإيراني والروسي بنفوذ لقوى إقليمية أخرى. كما استدعت فكرة مؤتمر الحوار الوطني في سورية منذ لحظة الإعلان عنها، الكثير من التساؤلات وإشارات الاستفهام في أذهان السوريين، لا سيما في ما يتعلق بماهية الجهات التي ستشارك في المؤتمر، خصوصاً مع استمرار تجاهل الإدارة السياسية للأجسام السياسية والقوى وحتى الشخصيات المعارضة، مقابل الاهتمام بالتواصل مع قوى عسكرية وتجمعات وشخصيات ذات صبغة عشائرية. كما تتعلق التساؤلات بالأسس التي سيتم من خلالها اختيار ممثلين عن السوريين، وعن الجهة المخولة وضع مخرجات هذا الحوار، وغير ذلك من التساؤلات المشروعة.
طرح مبكر لعقد مؤتمر الحوار الوطني في سورية
المفكر السوري وأستاذ علم الاجتماع السياسي، أول رئيس للمجلس الوطني السوري، برهان غليون، اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من المبكر الحديث اليوم" عن مؤتمر الحوار الوطني في سورية "إذ يجب الانتظار لمعرفة الجهات التي ستتم دعوتها، والطريقة التي ستجري فيها الدعوة". ورأى أن "شكل الحكم الأفضل لسورية خلال الفترة المقبلة هو ما يتفق عليه المواطنون، كون الحكم وجد لضبط المواطنين ضمن القواعد والقوانين الصادرة والمثبتة"، موضحاً أنه "في حال لم يكن الشعب متفق على ذلك فلا يمكن تطبيق القواعد والأسس بشكل صحيح".
برهان غليون: الناس متفقون على وجه العموم أن تكون الدولة ديمقراطية ومدنية بالمعنى العام للكلمة
وحول شكل الدولة، أشار غليون إلى أن "الناس متفقة على وجه العموم أن تكون الدولة ديمقراطية ومدنية بالمعنى العام للكلمة، دون أي عداء للعلمانية أو للدين، فليس لأحد الحق أن يمنع الآخر من معتقداته". وقال إن "الأطر التي سيتم من خلالها تنظيم العلاقة بين أصحاب الإيديولوجية المختلفة هي التي يجب أن يتفق عليها الجميع". وبرأيه فإن "مصطلح الحكم المدني هو الأفضل والأكثر تعبيراً لتجنب الاتهامات المتبادلة والمفاهيم الصعبة التي كانن هناك إساءة حقيقية في فهمها، إذ تم اعتبار أن العلمانية تعادي الإسلام، والإسلام ضد أن يكون هناك دولة حيادية تجاه الاعتقادات أو دولة حريات وديمقراطية تحترم عقائد جميع المواطنين". أما الاحتكام في ما يتعلق بالسلطة والحكام، بالنسبة لغليون "فهو يعود للانتخابات".
تحديات يجب مواجهتها
وعن سورية الجديدة، رأى غليون أن أكثر التحديات التي يجب مواجهتها حالياً تتعلق بتأمين شروط الحياة المادية والطبيعية بحدها الأدنى وتحقيق الأمن، خصوصاً أن "سورية اليوم هي بلد مباد على كافة المستويات ومدمرة بكل مفاصلها سواء بالبنى التحتية أو بالاقتصاد أو التعليم"، ناهيك عن "إبادة قسم كبير من السوريين وتهجير قسم آخر"، إضافة إلى أن هذا البلد "كان محكوم لفترة طويلة من قبل نظام هدفه امتصاص دماء السوريين". وكانت النهاية أن رأس هذا النظام هرب بكل الثروة إلى الخارج، ما يعد وفق غليون "تحدٍ كبير لإعادة بناء الاقتصاد والدولة وأجهزة الأمن والتعليم، والإعلام الذي كانت كافة وسائله دعاية للحاكم الإله"، مضيفاً أنه "يجب اليوم أن يكون معبرا عن الشعب والتيارات المختلفة". ومن بين تلك التحديات أيضاً، بحسب غليون "تحدي الوحدة الوطنية"، مؤكداً أهمية إجراء حوار وطني حقيقي وجاد بين الأطراف المختلفة للتوصل إلى اتفاق لإقامة نظام مستقر وثابت يرضي الجميع.
وأوضح أنه "ليس المقصود هنا كافة الأفراد بجميع تطلعاتهم، وإنما الوصول إلى تسوية مقبولة من الجميع بقدر ما أمكن، لإقامة دولة يثق مواطنوها بأهدافها، ويطيعون إرادة القوانين التي ستثبّتها السلطات". وشدّد غليون على ضرورة "ألا ننسى التحدي الأكبر وهو موضوع التدخل الخارجي وتحقيق السيادة السورية، التي باتت اليوم منتهكة نتيجة التغوّل الإسرائيلي في الأراضي السورية والذي جرّد سورية من أسلحتها ومن قوتها العسكرية كاملة". وأوضح أن "هذا التحدي يحتاج زمناً طويلاً لمواجهته، كما يجب ألا يتم نسيان تحدي إعادة الإعمار الذي لا يعد قضية سهلة للمدن المدمرة". وتحتاج سورية اليوم، برأي غليون، إلى "مساعدات دولية كبيرة من الأشقاء العرب بالدرجة الأولى كدول الخليج، ولكن ليس على هيئة منح تقدم لسورية، وإنما من خلال الاستثمار وإعادة الإعمار لتحقيق أرباح لكافة الشركات سواء كانت عربية أو أجنبية".
أنور مجني: يجب طرح مؤتمر الحوار الوطني في سورية بما هو جزء من مرحلة انتقالية
وفي ظل مرحلة وصفها القاضي السوري الذي انشق عن النظام منذ بداية الثورة أنور مجني، بأنها ضبابية، فإنه رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه كان يجب طرح مؤتمر الحوار الوطني في سورية "بما هو جزء من مرحلة انتقالية ينصّ عليها الدستور المؤقت بإعلان أن سورية ستمرّ بمرحلة انتقالية محددة المدة، تنتهي بانتخابات تمثل الشعب السوري"، ليكون المؤتمر، وفق مجني، "مرحلة من عدة مراحل للتأسيس لعقد اجتماعي ينجم عنه دستور يعرض على التصويت". وفيما أوضح أنه "إلى اليوم يقول المشهد إنه يوجد جهالة وضبابية في الإجراءات التي تحدث"، فإنه باعتقاد مجني فإن "ذلك قد يكون مقصوداً كي لا تظهر الإدارة كأنها تضع إعلاناً دستورياً بمفردها خلال هذه المرحلة، أو قد يكون نتيجة لوجود تفاهمات دولية"، مضيفاً أنه "لا يمكن التحدث بمنطق حسن النية أو سوئها، فالسوري اليوم غير مطّلع على تلك الأسباب الخفية ليلتمس الأعذار".
وأشار مجني إلى أنه "من غير المعروف الإطار الذي سيتم فيه مؤتمر الحوار الوطني الذي تحدث عنه قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع". وطرح عدة أسئلة حول طبيعة مؤتمر الحوار الوطني في سورية المرتقب، قائلاً: "هل هو لقاء بين مجموعة من السوريين والسوريات للحديث عن مستقبل سورية الجديدة؟ وهل سيكون لهذا المؤتمر دور بإنتاج سلطات مؤقتة؟ وهل سيكون الحوار على مستوى محلي مبدئياً، ليتم تجميعه على مستوى مركزي فيما بعد، أم على العكس؟". واعتبر أن "قضية التمثيل بهذا المؤتمر غير واضحة أيضاً، فمثلاً تصبغ على كافة اللقاءات التي أجراها الشرع خلال الأيام الماضية صفة الفردية، إذ لم يتم اللقاء مع مكونات سياسية أو مجتمعية مثلاً"، متسائلاً عما "إذا تم إجراء نوع من المشاورات قبل هذا اللقاء ليكون هناك وضوح تام".
لا يتوقف الأمر هنا من وجهة نظر القاضي السوري، فهناك عدة تساؤلات أخرى تدور في الأذهان اليوم عن سبب هذا الحوار والمرجو منه، ومن هم المدعوون وكيف سيجري تمثيل المواطنين الموجودين في المناطق الواقعة تحت سيطرة العصابات المسلحة. وشدّد في هذا الإطار على أن كافة تلك التساؤلات لا تعني الرغبة بعدم عقد هذا الحوار خلال الفترة الحالية، وإنما هي مجرد مطالبات بالوضوح. من جهة أخرى، حذّر مجني من الفراغ الدستوري الذي تمر به سورية اليوم، لأن ذلك يؤسس برأيه إلى عدم الشرعية، إذ لا يوجد سلطات في سورية وإنما أجسام غير معروفة حتى الآن. وأعطى أمثلة عن ذلك حول ماهية الإدارة السياسية و"كيف تتشكل ومن يعيّن أعضاءها؟".
وفي هذا الصدد طرح عدة أمثلة عن الفراغ الدستوري الحاصل، قائلاً: "كيف لوزير العدل أن يقرر إيقاف عمل المحاكم؟"، معتبراً أنه "من غير الإيجابي أن يكون لهذا الشخص سلطة على السلطة القضائية"، مشدّداً على عدم صحة إعادة الحالة التي كانت موجودة في السابق. وأوضح أن "هذا الأمر جرى بأحد اجتماعات الوزير (شادي محمد الويسي) التي أعلن فيها أن للقضاة ولاية محددة انتهت بزوال السلطة التي عيّنتهم، فكيف سيعيد القضاء مباشرة عمله؟". وفي مثال آخر فإن محكمة الإرهاب التي أنشأت بموجب قانون، يجب أن تلغى بقانون، متسائلاً "من هي الجهة التي تستطيع اليوم سن القوانين؟ فطالما استلمت الإدارة السلطة، لماذا تتردد بإعلان إطار دستوري في عملها؟".
لا حوار وإنما مؤتمر تأسيسي
عن آلية التأسيس للمرحلة القادمة، اعتبر الباحث السياسي السوري مضر الدبس، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "إذا تم النظر إلى كلمة حوار فإن ذلك يعني وجود طرفين بالضرورة، لكن سورية اليوم هي طرف واحد وشعب واحد". وأوضح أنه "بالتالي لا يوجد اليوم أطراف لتتحاور، ما يطرح سؤالاً حول من هي الأطراف التي ستتحاور مع بعضها البعض؟ وما هي منهجية هذا الحوار؟".
مضر الدبس: العمل على عقد مؤتمر تأسيسي هو الفكرة الأنجح في الظروف الحالية
وفي ظل الحديث عن مؤتمر الحوار الوطني في سورية فإن "العمل على عقد مؤتمر تأسيسي هو الفكرة الأنجح بالظروف الحالية"، وفق الدبس، نظراً "لأن الدولة كانت مختطفة ويتم اليوم تأسيس دولة جديدة"، مشدداً على "أهمية الحديث عن بناء الدولة الجديدة والشكل الاجتماعي والسياسي الملائم للسوريين". علماً أن الأمر الذي يحدد الشكل الصحيح للدولة، برأي الدبس "هو الصورة التي تشبه المجتمع إلى أكبر حد ممكن"، مضيفاً أنه "هنا تبرز أهمية الحديث عن مؤتمر تأسيسي يشارك فيه الجميع، وإيجاد طريقة تظهر فن إدارة الاختلاف السوري للخروج بأسس وقوانين يتفق عليها الجميع". وأشار الدبس إلى "ضرورة بناء خطاب يجمع السوريين كافة ويحقق فكرة أن الشعب السوري واحد، بدلاً من البناء على مصطلحات قديمة، كتلك المتعلقة بالأطراف المتحاورة، أو الوساطات وما إلى ذلك"، مشدداً على "ضرورة توجيه الأولويات نحو تحقيق الأمان على أرض الواقع قبل أي شيء، ليكون المناخ مناسباً للعمل السياسي".
وباعتقاده ثمة "مؤشرات إيجابية حول ذلك"، كما يجب أن يكون هناك محاولة تفكير بآليات العمل الجديدة التي تناسب سورية ما بعد الأسد". وأوضح أنه "يفترض النظر إلى السوريين على أنهم أفراد وليسوا مجموعات طائفية أو قبلية أو إثنية، ليجري الاتجاه في ما بعد نحو تشكيل نوع من العقد الاجتماعي، وإقحام الخطاب الديمقراطي في كافة المسائل السياسية". من جهة أخرى، لفت الدبس إلى أنه "على الرغم من سقوط النظام السوري، فإن ذهنية التفكير المتعلقة بتركته لم تسقط، والدليل استخدام مصطلحات مثل مصطلح مكونات الشعب السوري الذي يشير دائماً إلى جماعات متكوّرة على ذاتها بشكل أو بآخر والتي تعد من صنيعة النظام". إضافة إلى استخدام مصطلح الأقليات وغير ذلك، معتبراً أن "المرحلة الحالية تتطلب الانفتاح بشكل أكثر حداثة، وضبط اللغة السياسية ودلالات الكلمات ليكون لها معنى حديث يناسب المرحلة الحالية والمستقبل".