ينطلق اليوم في الجزائر المؤتمر العام لحركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة في الجزائر، على وقع تنافس سياسي حاد بين خيارين داخل الحركة يمثل كل منهما مرشحاً يطمح للفوز بقيادة الحركة وخلافة عبد الرزاق مقري، وهما وزير الصناعة السابق عبد المجيد مناصرة والقيادي عبد العالي حساني.
وخلال مسيرة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، شهدت حركة مجتمع السلم، التي تحسب على تيار الإخوان، ثلاث قيادات: المؤسس الشيخ محفوظ نحناح وأبو جرة سلطاني وعبد الرزاق مقري.
صدام سياسي مع جبهة الإنقاذ
وشهدت الحركة مسارات سياسية ومحطات عديدة لعبت فيها الظروف الداخلية والبيئة السياسية المعقدة وأزمات المشهد الجزائري المختلفة دوراً مؤثراً قبل أن تتحول إلى حزب سياسي. وكانت قد انتقلت بعد سنوات السرية إلى جمعية أهلية ومدنية باسم "جمعية الإرشاد والإصلاح"ّ، لكن هيمنة الجبهة الإسلامية للإنقاذ على المشهد الإسلامي في بداية التسعينيات، دفعت محفوظ نحناح إلى الإعلان عن تشكيل حركة المجتمع الإسلامي (حماس)، قبل أن يفرض دستور عام 1996، سحب كلمة الإسلامي من اسم الحزب، حيث تحولت إلى حركة مجتمع السلم.
خلال فترة التسعينيات تعرضت الحركة إلى صدام سياسي مع جبهة الإنقاذ، وتعرضت لانتقادات سياسية واتهامات بالتقارب مع السلطة عندما وافقت على فكرة إنشاء المجلس الانتقالي والمشاركة في الحكومة بداية من عام 1995، وبسبب ذلك تعرض 500 من كوادر الحركة إلى الاغتيال على يد الجماعات المسلحة، بمن فيهم الرجل الثاني في التنظيم السياسي للحركة محمد بوسليماني، ففي عام 1995 قدمت الحركة رئيسها محفوظ نحناح للانتخابات الرئاسية رغم اعتراض مكتب الارشاد للتنظيم الدولي للإخوان.
وفي عام 1999 تعرضت الحركة إلى هزة كبيرة بعد رفض المجلس الدستوري ترشيح نحناح مجدداً، لكنها وافقت برغم ذلك على دعم ترشيح عبد العزيز بوتفليقة والمشاركة في الائتلاف الرئاسي والحكومي.
خلال هذه الفترة، طورت حركة مجتمع السلم مفهومها السياسي وتجاوزت فكرة الصدام والقضايا الخلافية. في يونيو/ حزيران 2003 توفي نحناح وبدأ تململ داخلي بسبب اعتراضات على استخلافه بأبي جرة سلطاني، وفي عام 2008 وقع انشقاق داخلي عندما أعلنت مجموعة من القيادات تأسيس حزب آخر.
الاصطفاف مع المعارضة
في عام 2012، وبعد انطلاق الربيع العربي واضطرابات في الداخل، قررت الحركة إنهاء شراكتها مع السلطة وعدم المشاركة في الحكومة، وأعلنت اصطفافها مع قوى المعارضة، وبدأت في التقارب مع القوى التقدمية وتنسيق الجهود مع قوى المعارضة، وتوج ذلك بعقد مؤتمر للمعارضة في يونيو/حزيران 2014، تم خلاله التوافق على أرضية انتقال ديمقراطي. كما ساهمت مجتمع السلم في الحراك الشعبي وشاركت في مؤتمر المعارضة في يوليو/تموز 2019، وقررت مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي جرت في نهاية ذلك العام، وقاطعت المشاورات، وفي الاستفتاء على دستور نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لكنها عادت للمشاركة في الانتخابات النيابية في مايو/أيار 2021.
لعب عبد الرزاق مقري دوراً في تكريس خط المعارضة، وقضى عشر سنوات على رأس قيادة الحركة، منذ نهاية عام 2012، وتم التجديد له عام 2017، لكن القانون الداخلي للحركة لا يسمح له بالترشح للمرة الثالثة، وهو تقليد ديمقراطي حديث يتبناه للمرة الأولى حزب إسلامي، خاصة بعد نهاية مرحلة المؤسسين التاريخيين لهذا النوع من الأحزاب السياسية.
وفسح تنحي مقري المجال لمنافسة قوية بين مرشحين لرئاسة الحركة، وزير الصناعة السابق عبد المجيد مناصرة، والذي كان قد انشق رفقة كتلة من القيادات عن الحركة عام 2008، وأسس جبهة التغيير، بسبب خلافات داخلية قبل أن تنجح جهود مصالحة في إعادة توحيد الحركة وحل حزبه (اعتذر رسمياً عن الانشقاق).
ويُحسب مناصرة على خط المشاركة في الحكومة، اذ سبق له أن رشحته الحركة لشغل منصب وزير الصناعة في التسعينيات، لكن مناصرة يعتبر في كتاباته الأخيرة أنه "يتعين الخروج بالحركة من ثنائية المشاركة والمعارضة"، ويعتبر أن أي قرار يخص المشاركة في الحكومة أو المؤسسات أو المعارضة، لا يرتبط بشخص رئيس الحركة، وانما بقرار مؤسسات الحزب نفسها.
وينافس مناصرة على رئاسة حركة مجتمع السلم القيادي عبد العالي حساني، المقرب من رئيس الحركة الحالي عبد الرزاق مقري، وبات واضحاً أن الأخير يدفع بحساني إلى الواجهة ويدعمه بكل قوة، في سياق تدافع بينه وبين الكتلة المؤيدة لمناصرة التي تتهم مقري في بعض الفضاءات بأنه سعى إلى ترتيب المؤتمر وانتقاء المندوبين، لضمان توجيه الاختيارات لصالح مرشحه حساني.
وقال الباحث في الشأن السياسي عبد الله كمال، لـ"العربي الجديد"، إن "مغادرة مقري قيادة الحزب تجعل احتمال تغير العلاقة بين الحركة والسلطة قائما بلا شك، إذ إن مجتمع السلم حتى في ظل رئاسة مقري لم تكن تعترض على المشاركة من حيث المبدأ، بل لم يعجبها عرض السلطة حول عدد الوزارات وترتيب العلاقة بين الحكومة والرئاسة. لكن فكرة المشاركة في الحكومة أيضاً مرتبطة بمن سيخلف مقري في قيادة الحركة، فقد يكون عبد المجيد مناصرة، وهو وزير سابق من فترة المشاركة، أقرب إلى هذا الخيار من القيادي المرشح ومنافسه على رئاسة الحركة عبد العالي حساني، الذي يمثل الخط المقابل".
وفي السياق نفسه، يلفت المتحدث إلى أن السلطة مهتمة بالمتغيرات داخل الحركة، وتفضل فوز مناصرة بالقيادة، وقال إن "مناصرة فُتحت له القنوات التلفزيونية، وهذه قد تكون إشارة قوية إلى أن النظام يفضله على مرشحين آخرين".