استضافة كأس العالم فرصة للاحتفال بالتعددية الثقافية
الكثير ممن حاولوا تشويه صورة كأس العالم في قطر أحبطوا
مساعينا في الملف النووي الإيراني مستمرة
العلاقات مع السعودية اليوم في وضع صحي
تطوير دول العلاقات بشكل ثنائي مع إسرائيل يضعف القضية الفلسطينية
يؤكد مستشار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية ماجد بن محمد الأنصاري، في مقابلة مع "العربي الجديد"، حرص بلاده على تعزيز العلاقات مع دول الخليج، التي مرّت بتحديات كبيرة، واصفاً العلاقة مع السعودية بأنها صحية، وأن هناك حرصاً من الدوحة على تعزيز العمل الخليجي المشترك والتنسيق مع كافة الأطراف.
ويشدد الأنصاري على أن مساعي بلاده في الملف النووي الإيراني لم تتوقف، مؤكداً أن الدوحة مستمرة في تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران.
كما يشير المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية إلى أن ملف الخلاف مع ألمانيا قد طوي، لكنه يجدّد التأكيد على رفض التدخل في الشؤون الداخلية لبلاده وضرورة احترام الأنظمة والقوانين القطرية.
* سجلت قطر نجاحاً في تنظيم بطولة كأس العالم، رغم كل الحملات ضدها. ما هو المقبل في توجهات الدولة وسياستها الخارجية؟
- استضافة بطولة كأس العالم فيفا FIFA قطر 2022، كانت من أهم المحفزات للتطوير في قطر على مستوى البنية التحتية، والمستوى الاقتصادي وفي جميع المجالات، لكن هذا لا يعني ارتباط تطور قطر بكأس العالم، فهو كان محطة من المحطات، ولا يمكن اختزال نجاح مشروع ورؤية قطر بهذه المحطة. لقد أشار أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة (20 سبتمبر/ أيلول 2022)، إلى حرص دولة قطر على أن تكون مصدراً آمناً للطاقة، وميسراً للسلام في العالم، والفكرة هنا مُركّبة يجب أن ندرك أبعادها.
فعندما نتحدث عن قطر كمصدر للطاقة، لا أتحدث عنها كمنتج للبترول، بل صمام أمان لأمن الطاقة على مستوى العالم، في وقت تتفاقم فيه صراعات الطاقة عالمياً، والتي باتت تشكل جزءاً من التجاذبات السياسية، وحتى العسكرية في الفترة المقبلة. ومن المهم هنا أن يكون هناك لاعبون في الأسواق سواء منتجين أو مستهلكين، يدركون أهمية تجنيب هذه الأسواق الصراعات والتجاذبات السياسية. وقطر الآن أكبر مصدر للغاز في العالم، بعد التوسعة الجديدة، وهي تتجه للاستثمار في مشاريع الطاقة عالمياً.
أما على مستوى السياسة الخارجية، فتحرص قطر على أن يكون دورها إيجابياً حيثما أمكن، من خلال دعم الجهود الدولية وما يسمى المبادرات المتعددة الأطراف. ومثال ذلك، دعم الجهود الدولية لتحقيق الأمن الغذائي العالمي، والوساطة في تشاد.
وفي قضية أوكرانيا، شاهدنا نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية (الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني) يزور موسكو ويطرح فكرة للتوصل للحل السلمي للأزمة. كما رأينا الجهد القطري في أفغانستان، والدور الذي قامت به هناك ولا تزال.
نحن نرى أن هناك كثيراً من المساحة في العالم التي يمكن لقطر أن تلعب دوراً فيها لتحقيق السلام. وهذا الدور لا يمكن أن يتوقف بعد كأس العالم، بل سيتواصل ويستمر. كانت استضافة بطولة كأس العالم فرصة للاحتفال بالتعددية الثقافية والتأكيد على قدرة قطر على جمع العالم، من دون تحيز أو صورة مسبقة، وإيجاد تعاون ثقافي حقيقي بين هذه الجماهير. وأرى أن دورنا كمواطنين ومقيمين أن لا نسوّق القصص الإنسانية لكأس العالم فحسب، بل أن نرد على الصحافة الانتقائية، التي كتبت ضد قطر، والكثير ممن حاولوا تشويه صورة كأس العالم في قطر أحبطوا رغم وجودهم في قطر، لعدم قدرتهم على الحصول على صورة سلبية عن قطر أو كأس العالم فيها.
الرؤية الخليجية
* خلال القمة الخليجية الأخيرة التي عقدت في الرياض (9 ديسمبر/ كانون الأول الحالي)، أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن بلاده ستطرح المرحلة الثانية من الرؤية الخليجية للعلاقات بين دول مجلس التعاون، ما هي أبرز ملامح هذه المرحلة؟
- الرؤية الخليجية تتحدث عن استكمال آليات التعاون للوصول إلى مستوى أعلى من التعاون الخليجي، وهذا طموح كل مواطن خليجي، فنحن نتكلم اليوم عن التكامل في مختلف المجالات. فهناك التكامل في المجال الإعلامي، والتكامل على مستوى البيئة، وتعزيز التعاون ظل مطلباً خليجياً دائماً.
وهذه الخطة أو الرؤية تتحدث عن الانتقال إلى مرحلة مقبلة أعلى من التعاون بين دول المجلس، وموقفنا في قطر كان دائماً حتى في أحلك الأوقات، أن هذه المؤسسة "مجلس التعاون"، يجب الحفاظ عليها وتعزيز دورها، حتى في ظل ما كان يطرح عن عدم فعاليتها وقدرتها. وقد حرص أمير قطر على حضور جميع القمم الخليجية، في كل الظروف، ما يعد دلالة على تعزيز دور المجلس. ومجلس التعاون اليوم في حال أفضل مما كان عليه، وهو ما يمكن البناء عليه، فميثاق المجلس أصلاً يقضي بوحدة الخليج.
* كيف تنظر إلى التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل؟
- موقف دولة قطر من القضية الفلسطينية واضح، أن لا يكون هناك تطبيع مع تل أبيب من دون التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية بناء على قرارات الأمم المتحدة والمبادرة العربية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية. وأي جهد آخر أو مبادرة أخرى ستكون قضية ثنائية تتعلق بالدولة الأخرى وتل أبيب، ولن يكون لها تأثير على موقف قطر الذي لن يتغير، وهو نفسه موقف غالبية الدول العربية.
ونحن نرى أن تطوير العلاقات بشكل ثنائي يُضعف القضية الفلسطينية ويعد تحولاً عن قضية محورية. ورأينا خلال كأس العالم أن كل هذه المبادرات لم تؤثر على الشارع العربي، والإيمان بهذه القضية ليس على مستوى الشعوب العربية، بل على مستوى الدول المحبة للسلام، فالعلم الفلسطيني يرفع من الجميع إلى جانب أعلام الدول الأخرى... كما قلت هذه العلاقات قضية ثنائية، وكل دولة يحق لها أن تكون لها علاقاتها الثنائية بما تراه مناسباً.
* ما هو توصيفك للعلاقات القطرية الخليجية الآن؟
- العلاقات مرّت بتحديات كبيرة في المرحلة الماضية، لكن العلاقات مع السعودية اليوم في وضع صحي، وهناك زيارات متبادلة بين قادة البلدين، وهناك توافق وتواصل مستمر، وقد كان هناك تنسيق مع السعودية خلال استضافة قطر لكأس العالم. فتطوير العلاقة مع السعودية يظل مطلوباً وضرورياً، ونحن نتعامل مع جميع الأطراف. علاقتنا مع مصر آخذة في التطور، كما شهدنا أخيراً مباحثات أمير البلاد والرئيس الإماراتي (الشيخ محمد بن زايد آل نهيان) بالدوحة في الخامس من الشهر الحالي التي تناولت السبل الكفيلة بدعم وتوطيد العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، وتعزيز العمل الخليجي المشترك. وأنا متفائل تجاه العلاقات الخليجية ـ الخليجية، وتوجيهات أمير قطر بهذا الموضوع الوصول إلى أكبر درجة من التنسيق مع جميع الأطراف. فنحن نعيش في منطقة واحدة وحي واحد، ونشترك في كل شيء بالدين والهوية العربية وثقافتنا وتقاليدنا، ولا بد من التنسيق وتجاوز مراحل الخلاف، مع ضرورة احترام وجهات النظر المختلفة تجاه هذه القضية أو تلك.
* دولة قطر شاركت أخيراً في القمم الثلاث التي عقدت في السعودية، الخليجية، والخليجية والصينية، والعربية الصينية، كيف تصفون هذه القمم؟ وما هو المغزى منها، وهل هي استدارة خليجية نحو الشرق أو تحالف استراتيجي مع الصين؟
- على مستوى مجلس التعاون هناك عدد من التحالفات والشراكات الاستراتيجية مع بعض التكتلات الدولية، فالشراكة حصلت مع روسيا، ومع الولايات المتحدة الأميركية ومع الاتحاد الأوروبي سابقاً، واليوم مع الصين، وهذا ليس استثناء، وهو دليل على فعالية مجلس التعاون الخليجي. وقطر كانت دائماً منفتحة على ضرورة أن تكون هناك علاقات متوازنة مع جميع الأطراف بغض النظر عن مواقفها السياسية، فالخليج يجب أن لا يكون مساحة تجاذب سياسي بين الولايات المتحدة أو غيرها.
والحليف الاستراتيجي لدولة قطر على المستوى السياسي والأمني هو الولايات المتحدة الأميركية، لكن أحد أكبر مستهلكي الطاقة عالمياً وأحد أكبر مستهلكي الغاز القطري هو الصين، وقطر ودول المنطقة تعتمد بشكل كبير على الصادرات الصينية. وقد أكد البيان الختامي للقمة الخليجية الصينية على ضرورة تطوير العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، وضرورة المضي قدماً في مفاوضات التجارة الحرة وإنشاء لجان مشتركة، على المستوى الاقتصادي، وأطلق إطار خطة العمل للسنوات الخمس المقبلة، ما سيعود بالمنفعة الاقتصادية على الطرفين. كما التزم البيان الختامي في الجانب السياسي بمواقف دول الخليج المعروفة تجاه العديد من القضايا، كمبدأ الصين واحدة، وحل القضية الفلسطينية بطريقة سلمية بموجب القرارات الدولية.
ومثل هذه الشراكة تعزز دور مجلس التعاون الخليجي الذي عاد يعمل بشكل نشط في ظل التحديات الكبيرة وأزمات الطاقة العالمية، ما سيعزز دور المجلس كمكون يمثل ثقلاً اقتصادياً عالمياً قوياً جداً، ويمكن للمجلس بالتالي أن يلعب دوراً سياسياً إيجابياً في مختلف القضايا.
* هل طويت صفحة الأزمة بين قطر وألمانيا، بعد التجاذبات التي حصلت على خلفية تصريحات وزيرة الداخلية الألمانية (نانسي فيزر)، خاصة بعد اتصال المستشار الألماني أولاف شولتز بأمير دولة قطر؟
- علاقات قطر الخارجية قائمة مع المؤسسات لإدامة مثل هذه العلاقات بشكل استراتيجي، وهذا الأمر رأينا نتائجه خلال الأزمة التي مرّت بها المنطقة. نحن نعلم أنه قد تكون هناك تجاذبات سياسية داخل هذه الدولة أو تلك، وهذه التجاذبات يمكن أن تؤثر على العلاقة مع قطر أو غيرها. وعلاقتنا مع ألمانيا علاقة مؤسسية، وسياسة الطاقة في قطر مبنية على تنويع التصدير، وحماية أمن الطاقة وعدم تسييس هذه الأدوات، فلم تتأثر العلاقات الاقتصادية بهذه الأزمة ونأمل أن يكون هناك تواصل أكبر مع المسؤولين في ألمانيا، بعيداً عن التجاذبات السياسية الداخلية.
وأعتقد أن علاقة المستشار الألماني بالقيادة القطرية بشكل عام علاقة إيجابية والاتصال الذي جرى أثبت ذلك. أما تصريحات بعض المسؤولين في الحكومة الألمانية، فقد أبدينا امتعاضنا منها في حينها، واعترضنا عليها، واتخذنا اجراءً دبلوماسياً (استدعاء السفير الألماني كلاوديوس فيشباخ)، ولكن العلاقة على المستوى الاستراتيجي مع ألمانيا أعمق من أن تتأثر بمثل هذه التصريحات السلبية.
*هل طويت الأزمة السياسية مع ألمانيا؟
نعم... لكن بشكل عام وبغض النظر عن هذه الأزمة أو غيرها، نحن نرفض التدخل في شؤوننا الداخلية، ونفترض من أي دولة في العالم أن تحترم قوانيننا وإجراءاتنا، وأي تعد على هذه الإجراءات سيواجه برد فعل من الحكومة القطرية. لكن أعتقد أن هذه مسألة تمّ تجاوزها بين الدولتين، ولم يعد لها وجود من الناحية الاجرائية.
* المساعي القطرية في موضوع الملف النووي الايراني هل ما زالت مستمرة، خصوصاً بعدما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود؟
- كان موقفنا منذ البداية أن التوصل إلى اتفاق في الملف النووي الإيراني، هو من مصلحة المنطقة ومصلحة العالم، ولا يوجد بديل حالياً عن الاتفاق. وبالتالي المسار الوحيد هو محاولة تذليل العقبات أمام التوصل للاتفاق، الذي يواجه تحديات كبيرة قد تمثل عائقاً أمامه. والدور القطري لم ينته ومستمر طالما أن هناك رغبة معلنة من الطرفين (أميركا وإيران) للتوصل إلى اتفاق. وقد كانت هناك زيارة لنائب وزير الخارجية للشؤون السياسية وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني إلى الدوحة أخيراً، كما رأينا بعض التطورات الإيجابية على مستوى المحتجزين الأميركيين في إيران، ودورنا سيستمر في تقريب وجهات النظر بين الطرفين ونزع فتيل الأزمات.
* بالنسبة للوضع في أفغانستان، لاحظنا تراجع الاهتمام الدولي بهذا الملف.
- حذرنا دائماً من خطورة أن يعود العالم إلى تجاهل القضية الأفغانية، خشية من عودة التطرف والعنف مرة أخرى، وما زلنا حريصين على إيجاد منصة للتواصل بين حكومة تصريف الأعمال الأفغانية والمجتمع الدولي، لأنه الضمانة الوحيدة حتى لا تنزلق أفغانستان في دوامة عنف جديدة. نحن متفائلون بالوضع الأمني في أفغانستان فهو أكثر استقراراً، لكن ما زلنا نشهد تحديات متعلقة بحقوق الإنسان، وإدارة الدولة، والتشاركية في إدارة الدولة.
والتجاهل الغربي لأفغانستان لا يعني أن المشكلة غير موجودة على الأرض، والمهم أن تكون القضية موجودة بشكل أو بآخر، خاصة في جانبها الإنساني، فالاحتياجات الإنسانية تتجاوز ما يمكن تصوره على مستوى الغذاء، والدواء، والتعليم، والبنية التحتية. هناك احتياجات كبيرة جداً، ودورنا كمجتمع دولي ايجاد طرق لتقديم المساعدات ومنع أفغانستان من الوقوع في أزمة إنسانية كبيرة.
• عيّن ماجد محمد حسن عبد الله الأنصاري مستشاراً لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية ومتحدثاً رسمياً باسم وزارة الخارجية القطرية في شهر فبراير/ شباط 2022.
• ترأس أكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية منذ عام 2019، حيث انتقل إليها من معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية في جامعة قطر، والذي عمل فيه مديراً لإدارة السياسات، بالإضافة إلى عمله أستاذاً مساعداً في قسم الشؤون الدولية في الجامعة.
• بدأ مسيرته المهنية باحثاً في العلاقات الدولية في مكتب النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الخارجية عام 2005، لينتقل بعدها للعمل في عدد من مؤسسات المجتمع المدني بالإضافة إلى عمله بصفة استشارية مع عدد من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية.
• حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في التحول الاجتماعي من معهد كاثي مارش في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة، والبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة ليدز في المملكة المتحدة، وساهم في عدد من الكتب العلمية المحررة، مثل كتاب "قطر المعاصرة" الذي نشره مركز دراسات الخليج ودار سبرنغر، وكتاب "بلدان الخليج العربي"، من نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
• عضو مجلس أمناء مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للقوات المسلحة القطرية وعضو المجلس الاستشاري لكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة حمد بن خليفة.