ما الذي حققته القوى المدنية بعد دخولها البرلمان العراقي؟

22 يوليو 2023
تظاهرة للقوى المدنية في بغداد، مايو 2021 (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

يتفق ناشطون في الحراك المدني العراقي، مع مراقبين وباحثين بالشأن السياسي ببغداد، على إخفاق القوى المدنية الناشئة التي حصلت على مقاعد في البرلمان الحالي، في أن تكون رقماً يمكنها من التفاوض وفرض رؤيتها في مجالات سياسية وحكومية مختلفة.

اختلفت أسباب هذا الإخفاق رغم مرور 18 شهراً من عمر البرلمان الجديد، منذ أول جلسة عقدها في 9 يناير/كانون الثاني 2022، بموجب الانتخابات التي أُجريت في 10 أكتوبر 2021.

ومن هذه الأسباب، قلة خبرة النواب المدنيين الجدد وعدم إمكانية مجاراتهم لما وصفه أحدهم بـ"الخبث السياسي للأحزاب الدينية"، وحب الظهور لدى قسم منهم مما منعهم من التوحد في كتلة واحدة، وكذلك تورط قسم من النواب بعلاقات واتفاقات جانبية مع أحزاب السلطة.

غير أن المحصلة واحدة، وهي إخفاق القوى المدنية بتحقيق ما وعدت جمهورها بها، مثل الدفع نحو تشكيل محكمة خاصة للفساد وأخرى لحقوق الإنسان وإقرار القوانين، وعرقلة مشاريع ترتبط بالمحاصصة.



ياسر السالم: إخفاق النواب المدنيين سينعكس على نتائج القوى المدنية في انتخابات مجالس المحافظات

ولا يوجد عدد واضح لأعضاء مجلس النواب المستقلين أو الذين ينتمون إلى الحركات السياسية المدنية، لكنهم يتمحورون حول 40 نائباً من أصل 329 عضواً في البرلمان. وعلى الرغم من أن أغلبيتهم فازوا بمقاعدهم بواسطة الحراك الشعبي المدني، الذي اختار اللجوء إلى المشاركة في العملية السياسية بعد القمع الذي تعرض له جرّاء الاحتجاجات في الشوارع والميادين، خلال الفترة التي عُرفت لاحقاً بـ"انتفاضة تشرين"، لكن هذا العدد تراجع مع تبدل التحالفات والانقلابات الحزبية والسياسية داخل القوى المدنية، وأبرزها حركة "امتداد"، التي شكلت أقوى الأحزاب الناشئة وفازت بـ 20 عضواً في البرلمان.

أما الآن، فانقسم هؤلاء النواب إلى ثلاثة تجمعات كل واحد منها يمثل نحو 5 أو 6 نواب، بسبب خلافات الأعضاء مع رئيس الحركة، الناشط المعروف علاء الركابي.

كما اختار بعض هؤلاء النواب الانضمام إلى تكتلات مع نواب آخرين، قد يكونون الأقرب إليهم من ناحية تنفيذ المشاريع السياسية، فيما اختار عدد من النواب التقرب كثيراً من الأحزاب الكبيرة والمعروفة، بغية الحصول على الحماية والمكاسب الأخرى.

القوى المدنية قبل انتخابات 2021

قبل انتخابات 2021، حملت الأحزاب المدنية والكيانات السياسية العلمانية والاحتجاجية، مطالب كانت قد وعدت جمهورها بأن يتم تحقيقها، وأبرزها الكشف عن قتلة المتظاهرين (نحو 800 متظاهر قتلوا في تظاهرات أكتوبر 2019)، إضافة إلى محاسبة المليشيات المسلحة التي تقف وراء هذه الجرائم، ومعاقبة المسؤولين المتهمين بقضايا الفساد، ناهيك عن تقوية أجهزة الأمن النظامية وحصر السلاح بيد الدولة، ووعود أخرى مرتبطة بالأمور الخدمية.

غير أنه بعد نحو عامين لم يتحقق أي من هذه الوعود، بل كثيراً ما تعرض النواب المدنيون إلى الاضطهاد من قبل رئاسة مجلس النواب والأحزاب النافذة، ولم تظهر أي قوة مدنية حقيقية على أرض الواقع، بحسب مراقبين.

في السياق، قال النائب المدني، عضو اللجنة القانونية في البرلمان محمد عنوز، إن "النواب المدنيين ما زالوا يواصلون حراكهم في سبيل تحقيق أهدافهم، وهذا لا يعني عدم وجود إشكاليات كبيرة داخل القوى المدنية".

وأشار في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، إلى أن "من بين هذه الإشكاليات الزعامة، وللأسف فإن كثراً منهم تحولوا من عناصر فاعلة داخل مجتمعاتهم قبل نيلهم الصفة النيابية، إلى باحثين عن التموضعات من خلال خلق تكتلات جديدة، وهذا الأمر أدى إلى التأثير سلباً على روح العمل الجماعي لتحقيق الهدف، وهذا الأمر لا يشمل النواب المستقلين، بل حتى بعض الكيانات السياسية الجديدة والحركات المدنية".

من جهته، أشار عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي العراقي ياسر السالم، إلى ما اعتبرها "حالة تشظ وانقسام بين النواب المدنيين والمستقلين"، مؤكداً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هؤلاء النواب ليسوا جميعهم متشابهين، مع أنهم فازوا بأصوات المحتجين والمتظاهرين والتجمعات المدنية.

وهذا أظهر ضعفا وأداءً هزيلاً داخل مجلس النواب، لا سيما أنهم لم يستطيعوا أن يقدموا أي مشروع قانون أو يقفوا للدفاع عن أي قضية تخدم المدنيين والعراقيين، لا بل إن وجودهم داخل البرلمان، غير واضح التأثير".


عبدالله الركابي: القوى المدنية مشروعها صدامي مع قوى السلاح والمليشيات

واعترف السالم بأن "هذا الإخفاق للنواب المدنيين، سينعكس على نتائج القوى المدنية في الانتخابات المحلية المرتقبة (مجالس المحافظات)" المقررة في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، مستكملاً حديثه: "نحن واقعيون في هذا الاعتراف، وهذا الأداء المتراجع سيشكل تأثيراً على الجماهير التي خرجت وصوتت لصالح المدنيين، لكننا مع ذلك، نعول على وعي العراقيين في أن يكونوا على قدر المسؤولية والتصويت لمن يجدر الثقة بهم، سواء كانوا من المستقلين أو الأحزاب المدنية".

تجربة القوى المدنية في البرلمان العراقي

المتحدث باسم حركة "وعي" حامد السيد، وصف بدوره التجربة البرلمانية الحالية بأنها "مشلولة وفاشلة"، والأداء البرلماني للقوى المستقلة والمدنية كان "صفرياً". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الخلافات داخل هذه القوى كانت واضحة، وانعكست في حالة الانقسام والتشظي، سواء للكيانات والأفراد، إضافة إلى عدم وجود الجدية والعقيدة والرؤية السياسية الاستراتيجية".

وأوضح السيد، التي تتبنى حركته خيار مقاطعة الانتخابات في المرحلة المقبلة، أن "مشاكل عديدة حصلت في هذه الدورة البرلمانية، ومنها السعي نحو المناصب، وتبخر الشعارات، وانهيار فكرة التغيير من الداخل".

بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي عبدالله الركابي، أن "القوى المدنية منذ عام 2003 عانت من مشاكل بنيوية وموضوعية ومنهجية أيضاً، وتحديداً في جزئية أنها لم تؤمن بالعمل الجماعي وتأسيس التحالفات الرصينة، لغياب وجود المشتركات فيما بينها على عكس الأحزاب الكردية التي تعتمد على القومية، والشيعية والسنية على المذهب في تأسيس التحالفات، مما جعل الأحزاب المدنية عرضة للابتزاز والانقسام".

وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "عدم الإيمان بتأسيس التحالفات لا يزال حاضراً، لكنْ هناك جهود حالية في تأسيس تحالف (قوى التغيير) الذي قد لا يمضي كثيراً إلى الأمام لذات الأسباب".

ورأى الركابي أن "القوى المدنية مشروعها صدامي مع قوى السلاح والمليشيات، لكنها تمارس الدور السياسي البطيء، وبالتالي فإن الجماهير مستعجلة، لكن في العمل السياسي لا يوجد استعجال، كما أن عدم وجود مركزية في الحركات المدنية يجعلها عرضة إلى الانتقاد والتشظي، فهي لا تملك زعامات دينية أو مرجعيات مذهبية، كما أنها تؤمن بالحريات وأحياناً الحريات المفرطة داخل التنظيمات الحزبية. بالتالي فإن في ذلك مشاكل تسفر غالباً عن تصدع التنظيمات، ويمكن التنبؤ بأن الأحزاب المدنية الجديدة التي تنوي المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة، ستواجه نفس المصير والفشل".