فتحت زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية مارك ميلي، غير المعلنة، إلى العاصمة المغربية الرباط، التي بدأها أمس الأحد، باب الأسئلة حول دلالات الزيارة، لا سيما في ظل توالي زيارات مسؤولين عسكريين وأمنيين أميركيين إلى المغرب مؤخراً.
وكان لافتاً توقيت زيارة ميلي ودلالاتها في ظل ما تعيشه المنطقة من تطورات، لا سيما أنها تأتي بعد أقل من أسبوعين على زيارة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، كريستوفر راي، إلى المملكة على رأس وفد رفيع المستوى، وهي الزيارة التي نُظر إليها على أنها مؤشر على المستوى المتقدم الذي بلغه التعاون الثنائي بين الأجهزة الأمنية المغربية ووكالات تطبيق القانون في الولايات المتحدة.
وفي أول زيارة له إلى القارة الأفريقية وإلى المغرب، التقى ميلي بالوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف إدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، وبالمفتش العام للقوات المسلحة الملكية، الجنرال الفاروق بلخير، حيث جرى استعراض التعاون الثنائي في مجال الدفاع وإمكانيات تعزيزه أكثر، وحصيلة اللجنة الاستشارية للدفاع، فضلاً عن التمرين السنوي المشترك "الأسد الأفريقي".
وشهدت الأسابيع والأشهر الماضية زيارات متبادلة واتصالات لقيادات عسكرية أميركية ومغربية، وتوقيع اتفاقيات من أبرزها توقيع إدارة الدفاع الوطني في المغرب في 10 فبراير/ شباط الماضي، واتفاق التعويض الصناعي مع شركة بوينغ الأميركية المتخصصة في صناعة الطائرات، والذي جاء امتداداً لبرنامج اقتناء مروحيات أباتشي التي ستبدأ عمليات تسليمها في العام 2024.
وفي 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شارك المفتش العام للقوات المسلحة الملكية في الدورة الثانية عشرة للجنة الاستشارية الدفاعية الأميركية المغربية في واشنطن، حيث كان الاجتماع فرصة جديدة لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، ولبحث التحديات التي تنبغي مواجهتها في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، ولدراسة أهداف خريطة الطريق "2020-2030" بهدف تكييفها مع تطور التحديات الإقليمية المرتبطة بالأمن والدفاع.
وقبل ذلك، زار مسؤولون عسكريون أميركيون المغرب، في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، لدراسة طرق تنفيذ مختلف الأنشطة المخطط لها في إطار نسخة 2023 من مناورات "الأسد الأفريقي"، في حين بحث مسؤولون عسكريون مغاربة مع قائد القيادة الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، مايكل لونغلي، الذي قام بأول زيارة رسمية له إلى المملكة في 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التعاون العسكري والقضايا الأمنية ذات الأهمية والاستمرار في ضمان الاستقرار الإقليمي.
وتجمع واشنطن والرباط علاقات قوية على مستوى التعاون العسكري ومحاربة الإرهاب، كما يُعتبر المغرب من زبائن السلاح الأميركي، بصفقات بلغت قيمتها 10,3 مليارات دولار في 2019، أغلبها موجه للقوات الملكية الجوية المغربية، حسب مجلة "فوربس".
وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وقّع المغرب والولايات المتحدة الأميركية اتفاقاً عسكرياً، يتضمن خريطة طريق تتعلق بمجال الدفاع العسكري بين البلدين 2020-2030، ويهدف إلى تعزيز التعاون العسكري ضد التهديدات المشتركة، وتقديم واشنطن المساعدة للمغرب للعمل على تحقيق تطلعه إلى تحديث وعصرنة قطاعه العسكري، بحسب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وقال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، بعد لقائه أمس بالمسؤولين المغاربة، إن بلاده تعتبر المغرب "شريكاً وحليفاً كبيراً، ليس فقط في المنطقة بل على مستوى القارة الأفريقية بأكملها"، مؤكداً أهمية العلاقات العسكرية "الوطيدة والحقيقية والممتازة" التي تربط البلدين.
ومن جهته، وصف منتدى "فار- ماروك"، الصفحة غير الرسمية للقوات المسلحة المغربية على "فيسبوك"، الزيارة بأنها ذات "أبعاد جيوسياسية وجيواستراتيجية مهمة"، و"تؤكد مكانة المغرب كقطب للأمن والاستقرار والمحاور الوحيد بالمنطقة لقوى العالم في ما يخص القضايا الإقليمية والدولية".
ولفت المنتدى إلى أن "التذكير بالاتفاق الثلاثي المغربي الأميركي الإسرائيلي والاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، دليل على أن هذه الزيارة تؤكد وقوف الولايات المتحدة مع المملكة في مواجهة التهديدات القادمة من إيران وحلفائها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما تؤكد متانة الحلف الثلاثي ووقوفه موحداً لمواجهة التحديات والتهديدات المشتركة".
وذهب إلى أن العلاقات بين البنتاغون والمغرب أعمق من أن تتغير بتغير الإدارات الأميركية، وأن من شأن هذه الزيارة الدفع نحو الإعلان عن مراحل جديدة من الشراكة العسكرية الاستراتيجية المغربية الأميركية، تنفيذاً لخريطة الطريق الخاصة بالتعاون العسكري 2020-2030، خاصة في الشق المتعلق بدعم الترسانة الدفاعية للمغرب، وكذا تعزيز قابلية التشغيل والعمل المشترك.
وفي قراءته لتوقيت ودلالات زيارة ميلي إلى الرباط، يرى الخبير المغربي في الشؤون العسكرية محمد شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الزيارة ذات دلالة سياسية وعسكرية، خاصة في توقيتها وفي المستوى الرفيع للمسؤول الأميركي الذي يقوم بها، ونوعية الوفد العسكري المرافق له، موضحاً أنه لأول مرة يقوم قائد الجيوش المشتركة لأكبر دولة عظمى بزيارة إلى المغرب، وفي ظل ظرفية تتسم بحشد واشنطن حلفائها، سواء الأوربيين أو الأفارقة، في حربها المعلنة مع روسيا، التي خصصت لها مقدرات مالية وعسكرية ضخمة لدعم أوكرانيا.
ويلفت شقير إلى أن زيارة الجنرال ميلي أكبر حليف عسكري لواشنطن في منطقة شمال أفريقيا تأتي في ظل التقارب الجزائري الروسي الإيراني في المنطقة، وفي إطار اتفاقية الشراكة العسكرية التي تجمع بين البلدين والممتدة خلال عشر سنوات، بالإضافة إلى الاتفاقية الثلاثية التي تجمع بين المملكة وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يفسر أن الزيارة تأتي متزامنة مع زيارات سابقة لمسؤولين عسكريين إسرائيليين إلى المغرب في الآونة الأخيرة.
وبحسب شقير، فإن الزيارة تعكس أيضاً توثيق التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين، الشيء الذي جرى التنويه به من طرف الوزير المنتدب المكلف بالدفاع لدى استقباله المسؤول الأميركي، وتشديد هذا الأخير على الدور الكبير الذي يقوم به المغرب للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
وبينما تضمنت الزيارة شقاً ميدانياً، جرى التركيز فيه خلال اللقاء، الذي جمع بين المفتش العام للجيش المغربي ورؤساء المكاتب العسكرية وقائد القوات المشتركة الأميركية، على إجراءات التحضير لمناورات "الأسد الأفريقي" التي ستجرى في مايو/أيار المقبل في عدة مناطق بالمغرب، يرى شقير أن هناك حرصاً على أن تشكل نسخة 2023 أضخم مناورة عسكرية، سواء في التنظيم أو في تطوير الفعالية العسكرية، في وقت تصاعدت فيه المواجهات في الحرب الأوكرانية، التي شملت تداعياتها السياسية والاقتصادية والطاقية عدة مناطق، بما فيها منطقة شمال أفريقيا التي تحولت إلى ساحة تنافس بين المحورين الأميركي والروسي.