استمع إلى الملخص
- فشلت مبادرة الشيخ داوود الزير بسبب رفض السلطة، التي اعتبرتها تحتوي على "ألغام" ولا تحقق هدف تسليم المقاومين وأسلحتهم.
- رغم جهود الوسطاء، لم يتم التوصل لاتفاق نهائي، وتظل الخلافات قائمة، بينما يعاني المخيم من أوضاع صعبة بسبب انقطاع الخدمات وتدمير المنازل.
السلطة الفلسطينية تتمسك بإنهاء حالة المقاومة في جنين
مسؤول في جنين: محمود عباس رفض آخر مبادرة لإنهاء الأزمة رفضا تاما
"العربي الجديد" ينشر تفاصيل المبادرة الصادرة من رجال الإصلاح
حتى هذه اللحظة، وصلت كل المبادرات والوساطات لإنهاء الأزمة بين السلطة الفلسطينية ومخيم جنين إلى طريق مسدود، حيث تتمسك السلطة الفلسطينية بشرط أساسي لأي مبادرة وهو إنهاء حالة المقاومة في مخيم جنين، وعلى المقاومين إما الخروج من المخيم وإما تسليم سلاحهم، وهذا ما يرفضه ممثلو المخيم من وجهاء وشخصيات وطنية وكتيبة "جنين" التابعة لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي.
وفشلت آخر مبادرة قدمها عضو المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور الشيخ داوود الزير، ورجالات الإصلاح، وانطلقت يوم الخميس الماضي، عبر اجتماعات قادها الشيخ الزير ووجهاء من رجالات الإصلاح وشخصيات من المخيم، وقادة أمن السلطة، حيث تم إعلام مخيم جنين برفضها مساء أمس السبت.
ويقول جمال الزبيدي، أحد وجهاء مخيم جنين والذي شارك في اجتماعات صياغة المبادرة الأخيرة، لـ"العربي الجديد"، إن "كل المبادرات التي تقدم بها الوسطاء ومن يحب فلسطين، وصلت إلى طريق مسدود من قبل السلطة، لأن الأخيرة تريد أن تحقق نقطة واحدة فقط وهي أن يقوم الشباب المقاومون بتسليم أنفسهم، ومن دون ذلك لا تريد السلطة أن تسمع أي شيء".
وأكد الزبيدي أن "قادة أمن السلطة رفضوا آخر مبادرة كان الوسيط فيها الشيخ داوود الزير، حيث أخبرني مساء أمس السبت، رئيس لجنة الإصلاح في محافظة جنين، فخري التركمان، أن المبادرة مرفوضة رفضاً تاماً من قبل الرئيس محمود عباس، وأنها تنطوي على ألغام". وتابع الزبيدي: "بحسب تركمان، فقد تم تبليغ الوسطاء برفض السلطة للمبادرة".
وقال: "منذ بداية الحملة العسكرية للسلطة حتى اليوم، هناك هدف واحد فقط للسلطة وهو أن يسلم المقاومون أنفسهم وأسلحتهم".
وفي سؤال وجهه "العربي الجديد" حول الخارجين عن القانون بحسب بيانات الأمن الفلسطيني، أجاب الزبيدي: "لا يوجد خارجون عن القانون في مخيم جنين، السلطة تعتبر أن كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس هي الخارجة عن القانون". وتابع الزبيدي: "لقد وافق شباب الكتيبة على إنهاء أي مظاهر مسلحة في المخيم وعدم الوجود بالسلاح في الحارات أو الشوارع أو جنازات الشهداء، مع حقهم بالاحتفاظ بأسلحتهم لمواجهة الاحتلال عند أي اقتحام للمخيم، لكن السلطة تركتهم بين خيارين، إما الخروج من المخيم ليسهل اصطيادهم من قبل الاحتلال، أو تسليم سلاحهم".
ورغم التحفظ الكبير للشيخ داوود الزير في الحديث عن المبادرة، إلا أنه صرّح لـ"العربي الجديد" بالقول: "نحن كوسطاء قدمنا المبادرة، وأعطينا نسخة لوجهاء مخيم جنين، ونسخة لقادة أجهزة أمن السلطة الموجودين في جنين، وتمت دراستها". وفي سؤال حول إن كانت السلطة قد رفضتها، قال الزير: "حتى الآن المفاوضات مستمرة، لا أستطيع أن أقول أي شيء، فما دام هناك مجال لحل الإشكال سأتحفظ على كل لقاءاتي والحديث الذي دار بيننا؛ أي أنا ورجال الإصلاح وبين الطرفين -قادة الأمن وممثلي المخيم- ، هذا للمصلحة حتى نستطيع أن نصل إلى نتيجة".
وفي سؤال إن كان الشيخ الزير قد تدخل في تكيلف من قيادة السلطة، أجاب: "أنا ومن معي شخصيات اعتبارية لا يجوز أن نكون متفرجين في هذه الحالة، علينا دور يجب أن نقوم به بين الطرفين، وقبل أن نتحرك وجدنا أن هناك قبولاً من الجهتين لتدخلنا أي السلطة والمخيم، وعلى هذا الأساس تدخلنا". وحول ما أخبر به وجهاء مخيم جنين "العربي الجديد" بأن السلطة قد رفضتها فعلاً، قال الزير باقتضاب: "هناك جهة موافقة وجهة لم تبلغنا موقفها بعد، أعطينا نسخة من المبادرة لكل طرف، ولن أنشرها إلا بعد التوافق عليها من الطرفين، وحتى الآن هناك خلافات على بعض الأمور على هذه المبادرة".
وحصل "العربي الجديد" على النسخة النهائية من المبادرة المروّسة "مبادرة صادرة من رجال الإصلاح" برئاسة الدكتور الشيخ داوود الزير ورجالات الإصلاح في الوطن، ونصت على التالي:
"لتجنب تبعات الاشتباك الدموي في جنين، وقطع الطريق على محاولات تأجيج القتال نقدم هذا الحل:
• وقف إطلاق النار وخلالها سحب المصفحات وعناصر الأجهزة الأمنية من مخيم جنين، وانسحاب المسلحين من شوارع المخيم ومنع ظهور السلاح، ومقابل ذلك من يرغب من المسلحين في الالتحاق بالأجهزة الأمنية وتسليم سلاحه يكون مرحباً به من السلطة، والآخرين من المسلحين الذين لا يرغبون في الالتحاق بالأجهزة الأمنية عليهم تسليم سلاحهم، وعلى السلطة تقدير تعويض عن السلاح وعدم ملاحقتهم على خلفية السلاح.
• دخول الشرطة والمباحث وهندسة المتفجرات لتفكيك العبوات في شوارع المخيم وفرض القانون، وأن يكون المخيم مفتوحاً على مدار 24 ساعة لتنفيذ القانون على الجميع من خلال الشرطة والمباحث والأجهزة الأمنية.
• في حال تعرض أي شخص من المخيم للشرطة من حقهم استدعاء بقية القوات والتدخل.
• تطبيق نظام القانون في المخيم متاح دائماً للأجهزة الأمنية ضمن صلاحياتهم المتبعة لديهم.
• عدم المساس بالحالة الوطنية والمناضلين في المخيم باستثناء من عليهم قضايا لا علاقة لها بالنضال ضد الاحتلال.
• الدم المتبادل يتم حله بإجماع أهلي عام، يتم من خلاله العفو عن الجميع، وعقد مصالحة شاملة في سبيل حقن المزيد من الدماء وإعطاء أصحاب الدم حقوقهم.
• على السلطة العمل على إصلاح ما تم تدميره في المخيم.
• أي مواطن خارج العمل الوطني، ويكون من تجار السلاح، وتجار الممنوعات، يجب التعامل معه وملاحقته سواء داخل المخيم أو خارجه طبقاً للقانون.
• إنهاء المظاهر المسلحة نهائياً في المخيم، باستثناء مقاومة الاحتلال أثناء الاقتحام، واختفاء السلاح من المخيم بما فيها جنازات الشهداء.
• المطلوبون للاحتلال لهم حرية الدفاع والمقاومة عند اقتحام مخيمهم من قبل العدو.
وبحسب مصادر خاصة من حركة "فتح" تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن السلطة رفضت بعض بنود المبادرة التي قدّمتها المؤسسات الأهلية، أبرزها الجزء الأول من البند الأول من المبادرة، والذي ينصّ على "سحب القوات الأمنية الفلسطينية من محيط المخيم، بالتزامن مع وقف المظاهر المسلحة في المخيم والمدينة"، والبند الأخير المتعلق بالمقاومة المسلحة، لأنه لا ينسجم مع برنامج منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. وقال المصدر القريب من الأمن الفلسطيني: "المقاومة المسلحة ستكرر ما حصل من إبادة في قطاع غزة، وهذا مرفوض".
وكانت "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس، قد أكدت خلال مؤتمر صحافي عُقد عصر أمس السبت، داخل أزقة مخيم جنين، أن المبادرات والوساطات التي قدمتها شخصيات من السلطة الفلسطينية ومؤسسات حقوقية لم تقدم أي حلول واقعية. وقال المتحدث باسمها أحمد أبو عميرة في المؤتمر: "إن جميع الوساطات ركزت على مطالب خروج المقاتلين من المخيم وتسليم أسلحتهم"، وهو ما وصفه بأنه "مرفوض تماماً"، مؤكداً أن "السلاح هو وسيلتنا للدفاع عن أنفسنا ومخيمنا، ولن نغادر المكان الذي تربينا فيه".
وفيما رفض قادة الأمن المبادرة كما أبلغوا الوسطاء بحسب الزبيدي، تحفظ وفد المخيم على نقطة ورد فيها كلمة "تجار الممنوعات" لأن كتيبة جنين أنهت على مدار السنوات الثلاث الماضية أي وجود لتجار المخدرات ومروجيه بالمخيم، وهذا أمر معروف على نطاق جميع مخيمات الضفة الغربية، بحسب ما أكده وفد المخيم للشيخ الزير ورجال الإصلاح، ورغم ذلك انصاعوا لرغبة الوسطاء في الإبقاء على كلمة "ممنوعات" في الصيغة النهائية للمبادرة حتى لا يتم اتهام المخيم بتعطيل المبادرة.
وبحسب الزبيدي، "أكدنا لكل الوسطاء أن أي مسؤول أمني فلسطيني بإمكانه الحضور للمخيم والجلوس مع عناصر كتيبة جنين بشكل جماعي أو منفرد، وإقناعهم بموضوع تسليم أنفسهم أو سلاحهم، لأن هذا القرار للكتيبة وعناصرها وهم وحدهم من يقرر ذلك". ويشير الزبيدي إلى "الأوضاع الصعبة التي يعيشها المخيم منذ 25 يوماً، في ظل انقطاع دائم للكهرباء والماء وشبكة الإنترنت، وقيام عناصر السلطة بحرق أكثر من 15 منزلاً بشكل كامل وتدميرها بالقذائف".
وفي سياق مبادرة أخرى، كانت قد قدّمتها مؤسسات أهلية وحقوقية وقوى سياسية وشخصيات وطنية ومجتمعية تحمل اسم "وفاق" في الـ19 من الشهر الجاري، لوقف أحداث مخيم جنين، وإن كان تم رفضها من الرئيس عباس، قال مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عمار دويك في حديث مع "العربي الجديد": "لم يبلغنا أحد أن الرئيس رفضها، والسلطة معنيّة ببسط سيطرتها على المخيم بأقل تكلفة من الدماء، وقد استقبلونا عدّة مرّات، ولم يغلقوا الباب أمام المبادرات والحوارات، حيث إنهم تجاوبوا مع المبادرة في الإطار العام، لكن لديهم بعض الملاحظات والتحفظات". وتابع دويك: "ما زلنا نرى أن المبادرة قائمة ويمكن الاحتكام إليها بخطوطها العريضة، مع إمكانية نقاش التفاصيل وتقريب وجهات النظر".
وشدّد دويك على عدم تلقيهم أيّ رفض للمبادرة، وأن مبادرات جديدة قدّمت وجهوداً تبذل بشكل موازٍ مع مبادرة المؤسسات الأهلية، يقودها عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية وأحد أبرز الشخصيات العشائرية، داوود الزير، بهدف حلّ القضايا الخلافية التي لم تحلّ بعدما جلسنا مع المسلّحين وأفراد الكتيبة في مخيم جنين". وبحسب المعطيات والمصادر من كلا الطرفين، فإن ما يقوله دويك لا يتوافق مع الواقع ومع الردود من المصادر المختلفة، ولا سيما أن المبادرة التي أُعلنت قد مر عليها نحو عشرة أيام.